"العين الإخبارية" تكشف خريطة نهب أموال ليبيا عبر المليشيات المسلحة
محللون سياسيون وخبراء اقتصاد ليبيون يكشفون طرق نهب وتهريب المال العام الليبي، وكيف تذهب هذه الأموال إلي جيوب قادة المليشيات المسلحة.
كشف محللون سياسيون وخبراء اقتصاد ليبيون لـ "العين الإخبارية" طرق نهب وتهريب المال العام الليبي، سواء خارج البلاد أو داخلها، وكيف تذهب هذه الأموال إلي جيوب قادة المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية لتخريب ليبيا.
الدكتور محمد الزبيدي، أستاذ القانون الدولي والإدارة، أكد أن هناك أموالا ليبية طائلة في البنوك الأوروبية تم اختلاس الكثير منها وتهريبها عبر طرق غير شرعية، مضيفا أن المجلس الرئاسي فى طرابلس رهينة دول بعينها، وبالتالي لا يعمل على كشف تلك الأموال المنهوبة.
وتابع الزبيدي، خلال تصريحات لـ "العين الإخبارية"، أن ما تم تحويله من أموال ليبيا المجمدة في بنوك بلجيكا وصل حوالي 6 مليارات دولار، مشيرا إلى أن هذا الرقم ما تم كشفه فقط، وأن هناك أرقاما أكبر لم يتم كشفها حتى الآن، مؤكدا أن عمليات الفساد منتشرة العديد من دول العالم واأوروبا ليست بعيدة عنها، وأن هناك دولا أخرى غير بلجيكا تم تهريب أموال ليبيا منها كبريطانيا وإيطاليا وفرنسا ولوكسمبورج.
يشار إلى أن وسائل إعلامية بلجيكية كانت قد كشفت عن توفر معلومات تفيد بأن هناك شخصيات بلجيكية بارزة لعبت دوراً ما في قضية الأموال الليبية المجمدة في بلجيكا، والتي تم تحرير عائداتها لصالح أطراف سربتها بدورها لـ "مليشيات ليبية مسلحة".
أستاذ القانون الدولي أكد أيضا أن تسريبات الإعلام البلجيكي تكشف أن حجم الفساد والتلاعب بالأموال الليبية كبير للغاية، وأن أطرافا أوروبية ضالعة في غسيل أموال وسرقة ونهب ودعم مليشيات مسلحة ترهب الشعب الليبي وتسرق ثرواته، وفى ظل هذا الوضع لا يوجد من يتابع هذه الأموال في ظل غياب مقومات الدولة الليبية.
وأشار الزبيدي، إلى تصريحات مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، التي قال فيها إن "ليبيا تُقتل بأموالها"، موضحا أن جزءا كبيرا من الأموال الليبية تنقل إلى تركيا لأجل استجلاب الإرهابيين الفارين من سوريا، ثم تمويلهم بالمال والسلاح لتنفيذ مخططات أجنبية.
أموال ليبيا بالخارج
ويرجع سبب تجميد الأصول الليبية في الخارج إلى قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي في مارس/آذار 2011، ومسجل برقم 1973، يتضمن فرض عقوبات على نظام العقيد معمر القذافي -بعد اتهامه بقمع حراك فبراير/ شباط– من بينها تجميد الأصول الليبية، شاملة كل الأصول المالية والأموال والموارد الاقتصادية التي يملكها النظام السابق بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أراضي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، فضلا عن تجميد أصول المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي.
وتتعدد التصريحات والأقاويل بخصوص مقدار تلك الأصول؛ فقدَّر فرحات بن قدارة، محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق في تصريح له في أغسطس/آب 2011، بحوالي 168 مليارا و438 مليونا من النقد الأجنبي، منه حوالي 113 مليارا هي أصول سائلة ما بين ودائع وسندات، ومنها 63 مليارا ودائع لدي بريطانيا و 15 مليارا أصول سائلة ودائع وسندات، أما ألمانيا فلديها 12 مليارا أصولا سائلة وودائع وسندات، وفرنسا لديها ما يقارب 10 مليارات دولار أصولا سائلة وودائع وسندات، وكذلك 10 مليارات لدى إيطاليا أصولا سائلة وودائع وسندات.
في السياق، كشف الدكتور محمود جبريل، رئيس الحكومة الانتقالية بالمجلس الوطني الانتقالي، في تصريح له في عام 2011، أن بريطانيا جمدت 30 مليار دولار، وفرنسا جمدت 12 مليار دولار، وألمانيا جمدت 10 مليار دولار، في حين جمدت اليابان قرابة 4 مليارات و400 مليون دولار، وجمدت هولندا 4 مليارات و300 مليون دولار.
طريقة تهريب الأموال
وأوضح الزبيدي، أن طرق تهريب الأموال من داخل ليبيا كثيرة ومتعددة، يأتي على رأسها ما يعرف بـ "فتح الاعتمادات" وهي عبارة عن فتح اعتمادات كآلية بمبالغ ضخمة لإرسالها إلى تركيا بغرض استيراد سلع معينة، لكن هذه السلع تكون عبارة عن "بضائع وهمية" والغرض هو نقل المال الليبي لأنقرة لإنعاش اقتصادها وتمويل الإرهاب في ليبيا.
عمليات نهب أخرى للمال الليبي كشفها أستاذ القانون الدولي، وذلك من خلال بيع الاستثمارات الليبية في قارة إفريقيا مقابل أرقام زهيدة تصرف جميعها على المليشيات المسلحة، مشيرا إلى أن في دولة زامبيا كان هناك شركة اتصالات تدعى "زامبيا تيل"، وهي شركة برأس مال ليبي كامل 100% وتم التنازل عنها بالكامل بربع ثمنها كرشوة من جانب قادة أحد المليشيات المسؤول عن استثمارات ليبيا في الخارج.
وأشار الزبيدي، إلى أنه تم التنازل أيضا عن شركات اتصالات ليبية في الكونغو، بالإضافة إلى التنازل عن آلاف الأفدنة الزراعية التي كانت تستثمرها ليبيا في السودان.
جريمة تستوجب التدخل الفوري
من جانبه، قال الدكتور محمد العباني، النائب السابق بالبرلمان الليبي، في تصريحات خاصة لـ "العين الإخبارية"، إن نهب الأموال الليبية يعد "جريمة فساد مالي، ومن الواجب على الحكومة البلجيكية التدخل الفوري عبر المنظومة القضائية، وإن لم تبادر فعلى مجلس الأمن أن يتدخل ويلزمها باعتبارها قد خرقت قرار الحظر".
وأضاف العباني، أنه على المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة، وطلب وقف الاختراق فورا مع متابعة التحقيق وإرجاع الحال لما كان عليه وإدانة الدول المتورطة في خرق القرار الأممي مع مطالبة حق ليبيا في التعويض.
وأشار السياسي الليبي، إلى أن الصراع في ليبيا ليس عقائديا أو مذهبيا أو حزبيا أو اختلافا على آلية الحكم، بل هو صراع على "المال" والاستيلاء عليه من قبل العصابات المسلحة التي استولت على الكثير منه باستقوائها بالسلاح، وإدخال اقتصاد البلاد في نفق مظلم سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد والإفلاس المالي في حالة استمراره.
أموال مجمدة وإيراداتها جارية
في السياق، يقول فوزي عمار، أمين عام المركز الليبي للتنافسية الاقتصادية، إن الأموال الليبية مجمدة، لكن ايراداتها من فوائد وعمولات فهي غير مجمدة، مضيفا أن هذه الإيرادات تحول لحساب الجهة صاحبة الاستثمار (مؤسسة الاستثمار الليبية، لافيكو (الشركة الليبية للاستثمار الخارجي)، المحفظة طويلة المدى، ومحفظة أفريقيا).
وتابع فوزي عمار، في حديثه لـ "العين الإخبارية"، أنه في ظل الانقسام السياسي والمؤسسي في ليبيا، تقوم كل هذه الجهات المنقسمة بالصرف على الجهة التي قامت بتعيينها ودعمها.
ودعا فوزي عمار إلي ضرورة تبني حملة للمطالبة بمراجعة دولية عن حجم هذه الإيرادات وكيف تم التصرف فيها، متابعا أن "هناك رأىا يري أن المسالة ليست متعلقة بفوائد هذه الأموال المجمدة، لأن الرقم المعلن يصل لـ 5 مليارات يورو.. ولا يمكن أن تكون أرباح هذه الأموال منذ التجميد تصل لهذا الرقم، بل إن أصول الأموال أيضا قد تم التصرف فيها في عملية نصب ونهب شارك فيها أطراف من بلجيكا.. ولا ننسي مافيا المال الليبية التي تتعلق بشخصيات في المجلس الرئاسي مثل محافظ البنك المركزي الصديق الكبير".
من يتحمل المسؤولية؟
من جانبه، يعتبر الدكتور علي الصلح، الباحث والخبير الاقتصادي الليبي، أن المسؤولية واقعة على المؤسسة الليبية للاستثمار، التي تأسست عام 2006؛ لأنها الصندوق السيادي في ليبيا.
وأكد الخبير الاقتصادي الليبي، أن من يفصل في تهريب الأموال من عدمه هو "ديوان المحاسبات"، ومن يحق له إدارة الأموال والمحافظة عليها هو "مصرف ليبيا المركزي"، مشيرا إلى أنه لو ثبت تورط مصرف ليبيا المركزي في غسيل أموال، فهذا ليس إشكالية محلية وإنما مشكلة دولية، وذلك بسبب القرار الأممي في 2011 بفرض تجميد الأموال الليبية في الخارج.
وأضاف الصلح، أن الأموال الليبية توجد في العديد من دول العالم، متابعا أنه وفقا لتصريحات الجهات المحلية فهناك مشكلة في الاستثمارات الليبية في الخارج وليس فقط أوروبا، مشيرا إلى أنه إذا ثبت تلاعب أطراف أخرى في سرقة الأموال الليبية، بالتزامن مع خضوع ليبيا للبند السابع، فان ذلك معناه أن هناك دولا شريكة في ذلك وتتحمل المسؤولية.
ودعا الصلح لإيضاح أين اتجهت تلك الأموال ومنذ متي تم تهريبها وكيف وصلت ليد المليشيات، معتبرا أن الحل لهذه المأساة هو الذهاب إلى الانتخابات، للإتيان برئيس واحد وحكومة واحدة تستطيع مخاطبة المجتمع الدولي باسم الليبيين، ووضع قائمة لمجرمي الحرب الذين نهبوا الأموال وعرض ذلك على الأمم المتحدة لملاحقتهم.