خبراء: تجفيف منابع "تمويل الإرهاب" يحتاج إلى تعاون دولي جاد
خبراء يؤكدون أن قضية التمويل مازالت هي العنصر الغائب في المواجهة لطوفان الإرهاب والإرهابيين، وبحاجة إلى معالجة وتعاون عالمي.
المعلومات الأخيرة عن حجم المضبوطات من المعدات العسكرية في المناطق التي ينشط فيها الإرهاب بمصر والمنطقة، تؤكد أن قضية التمويل مازالت هي العنصر الغائب في المواجهة لطوفان الإرهاب والإرهابيين، والذي مازال بحاجة إلى معالجة وتعاون ليس على المستوى الإقليمي فقط بل على المستوى العالمي.
واستضافت القاهرة يومي 15 و16 يناير الجاري أعمال المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب برعاية وزير الخارجية المصري سامح شكري، وبمشاركة كبار المسؤولين في 35 دولة من بينها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وممثلو الاتحاد الأوروبي، وعدد من المنظمات الدولية والإقليمية ووكالات الأمم المتحدة المعنيين بموضوعات الإرهاب، حيث ناقش وسائل مكافحة الإرهاب، ودعمه، ومواجهته على الأرض، وخصوصا في مجال التمويل.
وناقش المؤتمر وسائل تعزيز جهود المؤسسات المدنية بالدول والاحتياجات المطلوبة لمكافحة الإرهاب، وحشد الموارد الضرورية لتلبية هذه الاحتياجات، وتجفيف منابع التمويل، وآليات تضافر الجهود لتحقيق أفضل وسائل مكافحة الإرهاب.
في تقديرات سابقة تشير إلى أن الجانب الاقتصادي للإرهاب يمثل نقطة خطيرة في تداعيات العمليات الإرهابية، حيث تصل خسائر العالم، وفق "معهد الاقتصاديات والسلام" إلى أنه تجاوزت 14 تريليون دولار، كنتيجة مباشرة وغير مباشرة للأنشطة والعمليات الإرهابية منذ العام 2011 وحتى العام الماضي، وكان النصيب الأكبر لدول منطقة الشرق الأوسط.
وتوزعت هذه الخسائر على أنشطة غير تنموية، إما لشراء السلاح ومعدات وأجهزة ووسائل المواجهة، بخلاف أن جزءا من تلك الخسائر والأموال الضائعة جاءت نتيجة توقف أنشطة اقتصادية وخدمية، بخلاف توجه جزء من الأموال إلى أيادي الجماعات والتنظيمات الإرهابية، عن طريق بيع المنتجات والثروات الوطنية في بعض الدول مثل البترول والآثار، ومع تبخر الكثير من الموارد والعائدات.
وتشير بيانات موازنات عدد من الدول التي توسعت فيها أنشطة الجماعات الإرهابية إلى أن بعضها فقدت ما يزيد عن نصف مواردها لسنوات، وذهب جزء منها إلى التنظيمات المسلحة، أو طرف ثالث غير الدولة المركزية، أو لتلك التشكيلات المسلحة، ومن يقفون ضد الأنظمة المركزية في هذه الدولة.
وفي كل الأحوال، وفقا للواء الدكتور عادل المهندي الأستاذ غير المتفرغ بالأكاديمية العربية، فإن عنصر التمويل للجماعات الإرهابية، يظل المحور الرئيسي في مواجهة نزيف الخسائر لاقتصاديات الدول، موضحاً أن وقف الأنشطة الإرهابية يبدأ من تجفيف التمويلات التي تعتبر المصدر الرئيسي لاستمرار الجماعات الإرهابية.
وأموال التظميات الإرهابية، بحسب المهندي، تمثل مصدر قوتها، والتي غالبا ما تأتي من دول أو منظمات مجتمع مدني "جميعات خيرية" أو من أفراد، منوها إلى أنه لا يوجد رقم دقيق عن حجم التمويلات، إلى أن المؤكد أنها بمليارات الدولارات، خصوصا في الدول والمناطق التي وصلت فيها قوة التنظيمات الإرهابية إلى السيطرة على مساحات منها، مثلما حدث في العراق وسوريا وليبيا لسنوات، وكذلك في أفغانستان.
ولفت إلى أن حجم المضبوطات التي أعلن عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن التوصل إليها في سيناء، تؤكد مجدداً أن القدرات التمويلية التي يتحصل عليها الإرهابيون من الخارج والداخل، مقدراً ما تم الإعلان عنه من مضبوطات خلال الشهور الستة الأخيرة، يساوي مالياً، في حال تصنيعه، بأكثر من 600 مليون جنيه، منوها إلى أن ما تم الإعلان عنه لا يمثل إلى نسبة محدودة مما تم ضبطه.
وأشار إلى أن هذا الأرقام تصبح ضئيلة جداً، مقارنة بحجم تمويلات الإرهاب في مناطق البلقان، وباكستان وأفغانستان، وفي سوريا والعراق وليبيا، واليمن، مبيناً أن استمرار الحرب على الإرهاب في هذه الدول لسنوات وغيرها لسنوات تؤكد ضخامة التمويل للتنظيمات المسلحة، بغض النظر عن طبيعة نشاطها وأهدافها، إلا أنها تبقى تمويلات خارج الأنشطة المعترف بها دوليا.
" قضية تجفيف منابع التمويل لمكافحة الإرهاب، وآليات حصوله على السلاح والعتاد، لم يتم تفعيل التعاون فيها حتى الآن بين دول العالم بالشكل المطلوب، ولا يتم بنفس الشكل الذي تتم به الجهود الدولية لمكافحة التطرف والإرهاب، رغم وجود قرار لمجلس الأمن الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب تحت الفصل السابع الذي يبيح استخدام القوة والعمل العسكري ضد أي دولة أو جماعة تتبنى الإرهاب، هذا ما يؤكده شريف الزيني في بحث قدمه لرسالة ماجستير حول "الإرهاب ومواد التمويل".
ولفت إلى أن التظيمات الإرهابية تقوم بتوفير جانب من تمويلها بالطرق الذاتية، مجازا، ولكن باستخدام مؤسسات الدول بإنشاء مشاريع استثمارية قانونية سواء فعلية أو افتراضية موازية وفي شكل مصارف أو مؤسسات استثمارية، وغالبا ما تكون بأشكال وهمية، وبعيدة كلياً عن سلطات الدول المركزية.
والمؤسسات والخيرية التي تتلقى الدعم من الحكومات والمؤسسات والشركات، وقبول تبرعات الأفراد، أحد وسائل التمويل التي تتبعها التنظيمات الإرهابية، وهو الأمر الذي مازال قائماً، ولا يوجد تعاون في وسائل مواجهته، خصوصا أن نقل هذا الأموال يتم بطرق إلكترونية، أو من خلال أشخاص بهدف تنويع التمويل لأنشطة التنظيمات الإرهابية، وشراء الأسلحة والعتاد العسكري والسيارات.
في تقرير للمعهد المؤسسي الأميركي "أميركان إنتربرايز إنستيتيوت" بين أن أمراء الحرب والأسواق السوداء أحد أهم مصادر توفير السلاح للجماعات الإرهابية، بل الأكثر من ذلك فإن شركات تصنيع السلاح شريك في توفير السلاح للإرهاب، وإن كان بغطاء دولي.
شريف الزيني رصد عددا من الأمور الغائية في التعاون الدولي بشأن مكافحة تمويل الإرهاب، منها التجارة غير الشرعية من تصنيع وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر، وأموال الفداء عن المخطوفين، وبيع الآثار والمواد المهربة، وبيع النفط المهرب، بل إن بعض المصادر تتم بشكل قانوني من خلال استثمارات ودعم من مؤسسات حكومية في بعض الدول.
ومن الأمور التي رصدها المعهد المؤسسي الأميركي أن بعض المنظمات الحقوقية الدولية، لعبت دوراً في حماية ممولي الإرهاب، في دول عربية، وهو ما ساعد في توفير غطاء غير مقصود لتدفقات التمويل، وذلك من خلال دفاعها عن بعض الأشخاص الذي تبين فيما بعد ضلوعهم في تمويلات لتنظيمات إرهابية.
وفي دراسة لمعهد دول الخليج العربي في واشنطن، بين أن دول الخليج العربي سعت إلى تجفيف مصادر تمويل الإرهاب التي أصبحت تشكل مصدر تهديد عالمي يؤثر على ضمان سلامة النظام المالي، واتبعت العديد من الإجراءات على المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي للتصدي لظاهرة تمويل الإرهاب، كما تسعى إلى استكمال حزمة من الجهود الرامية إلى غلق كل منابع وأشكال التمويل غير المباشر، لتغطية النقص القائم في بعض وسائل تجفيف التمويلات.
ويتفق خمسة خبراء في ورقة عمل أعدها المنتدى الإستراتيجي للسلام على أن قضية تمويل الإرهاب، أهم الجوانب الاقتصادية في بقاء العديد من التنظيمات، وتوفير آليات لتنفيذ عمليات إرهابية في مناطق نفوذها، وهو ما يتطلب جهودا دولية أكبر لمجابهتها.