هل شارف كورونا ومتحوراته على النهاية؟.. خبير يجيب لـ"العين الإخبارية"
هل انتهى فيروس H1N1 الذي تسبب في جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918؟ الإجابة على هذا السؤال قد تكون مفاجئة للبعض.
فالسليل الحديث لهذا الفيروس لا يزال ينتشر حتى يومنا هذا، ولكن الفارق بين 1918 والآن، هو تحول الفيروس من الحالة الوبائية إلى المستوطنة.
ويستدعي خبراء المناعة والفيروسات هذه الحقيقة التاريخية عند قراءة المشهد الحالي لجائحة "كوفيد -19 "، حيث يرون أن متحور أوميكرون وأشقاءه من المتحورات التي تلته مثل المتحور الفرعي الذي يسمى "أوميكرون الخفي" والمتحور الفرنسي IHU ومتحور "دلتا كرون" القبرصي، كل هؤلاء ما هم إلا تمهيد للانتقال من الحالة الوبائية إلى الحالة المستوطنة، والتي تعني بقاء الفيروس، ولكن بأعراض أقل.
وحصدت جائحة الإنفلونزا الإسبانية في بدايتها أرواح الملايين، ولكن قوة الفيروس وهنت يوما بعد الآخر، حتى تخلص العالم منها بدون لقاح، وذلك بعد أن تعلمت أجهزة المناعة البشرية ما يكفي لدرء أخطر مظاهر العدوى، لتتحول هذه الإنفلونزا الوبائية إلى إنفلونزا موسمية.
وإذا كان العالم وقتها لم يتوفر له اللقاح، الذي يساعده على تقليل الضرر إلى أقصى درجة، فإن العالم الآن تتوفر له هذه الميزة مع جائحة كورونا المستجد، وهو ما يساعد على تقليل الضرر، ولكن اللقاحات لن تقضي على الفيروس، الذي يتحول حاليا مثل فيروس الإنفلونزا الإسبانية قديما من الحالة الوبائية إلى المستوطنة، ويتم ذلك بمساعدة المتحورات الجديدة من الفيروس، كما يوضح أحمد سالمان، مدرس علم المناعة وتطوير اللقاحات في معهد "إدوارد جينز" بجامعة أوكسفورد وعضو فريق تطوير لقاح أسترازينيكا المضاد لكورونا.
ويقول سالمان، لـ "العين الإخبارية": "على الرغم من أن المتحورات الجديدة تتميز بالقدرة على إصابة عدد كبير من الناس في وقت قليل، إلا أنها في المقابل لا تسبب أعراضا شديدة، وهذا أمر إيجابي، إذ إنها ستساعد في إكساب البشر مناعة طبيعية ضد الفيروس، تمهيدا لتحوله إلى فيروس متوطن".
وبسبب ذلك، لا يرى سالمان أن هذه المتحورات الجديدة مدعاة للقلق والخوف، ولكنه يراها في المقابل، مدعاة لمزيد من الحذر، الذي يتطلب الالتزام بالإجراءات الاحترازية المعروفة من الكمامة والتباعد والاستفادة من ميزة اللقاح، والتي تجعل أعراض الإصابات أخف، فكل ذلك يقلل خسائر مرحلة الانتقال من الحالة الوبائية إلى المستوطنة.
ويدعم ما ذهب إليه سالمان، دراسة نشرتها مجلة "ساينس"، وضعت فيها جيني لافين، زميلة أبحاث في جامعة إيموري الأمريكية، تصوراتها للسؤال الذي يشغل العالم، وهو: متى ينتهي الوباء؟
وقالت لافين في دراستها إن الوباء سينتهي عندما يكتسب البالغون الأكبر سنا، الأكثر عرضة للدخول إلى المستشفى والموت بسبب كوفيد 19، خبرة في التعامل مع الفيروس، حيث لا يسبب لهم على الأقل مرضا شديدا، مضيفة أنه مع حدوث تدريب للجهاز المناعي من المرجح أن تتحول عدوى "كوفيد-19" المستقبلية إلى ما يعادل الزكام.
وبمرور الوقت، تضيف لافين، عندما تصبح درجة الحماية أكثر شيوعًا لدى البالغين، فإن الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض سيكونون أطفالا صغارا، ونادرا ما تكون العدوى لديهم خطيرة.
بدوره رأى الدكتور كلايف ديكس، الرئيس السابق لفريق عمل اللقاحات في المملكة المتحدة، أنه يمكن استعجال الوصول إلى هذه المرحلة التي أشارت إليها لافين، بوقف حملات التطعيم الجماعي، وقصر التطعيم على الفئات المعرضة للخطر، لا سيما في ظل ضعف المتحورات الجديدة، وعدم قدرتها على إحداث أعراض شديدة.
وقال في تصريحات نقلتها صحيفة "الجارديان" البريطانية يوم 9 يناير/كانون الثاني الجاري: "نحن بحاجة الآن لإدارة المرض، بدلاً من منع انتشار الفيروس، لذا فإن وقف تقدم المرض الشديد في الفئات الضعيفة يجب أن يكون هو الهدف المستقبلي، عن طريق قصر اللقاحات على الأشخاص المعرضين للخطر بشكل أساسي".
وحملت دراسة مبدئية أجرتها عدة مؤسسات في جنوب أفريقيا، ونشرت في 29 ديسمبر/كانون الأول بموقع ما قبل نشر الأبحاث medRxiv تأييدا لهذه الرؤية، حيث أشارت إلى أن الإصابة بمتحور أوميكرون توفر حماية مناعية ضد الإصابة بمتحور دلتا الأكثر شدة.
واختبر البحث 15 شخصا أصيبوا بمتحور "أوميكرون" بعضهم تم تطعيمهم، والبعض الآخر لم يتم تطعيمه، لمعرفة مدى استجابة أجهزتهم المناعية لعدوى دلتا، ووجدوا أنهم جميعا قد طوروا درجة معينة من المناعة المعززة ضد متحور دلتا.
وقالت الدراسة إن ذلك سيؤدي لانخفاض قدرة دلتا على الانتشار، وهو أمر له آثار إيجابية من حيث تقليل عبء المرض الحاد من "كوفيد-19"، لأن البيانات الحالية تشير إلى أن أوميكرون وعلى الرغم من قدرته العالية على الانتشار، إلا أنه يسبب أعراضا أقل حدة من دلتا، ويمكن علاجها دون الحاجة لدخول المستشفيات.
ورغم هذه الآراء المطمئنة، يشدد جوناثان يودل، عالم المناعة في المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية بالولايات المتحدة، في مقال رأي نشره بمجلة "بلوس بيولوجي" على أن عدم قدرة أوميكرون وأصدقائه من المتحورات الجديدة على إحداث أعراض خطيرة، لا يعني الاستهتار في التعامل مع الجائحة.
وقال: "دعونا دائما نتذكر أن هناك من يموت بسبب الإنفلونزا، لذلك يجب ألا نتخلى عن الإجراءات الاحترازية، التي يبدو أنها ستكون مستمرة معنا حتى بعد التحول من الحالة الوبائية إلى المستوطنة".
وبينما يركز إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية دوما في مؤتمراته الصحفية على أهمية الإجراءات الاحترازية، فإنه أعطى هذا الأمر مزيدا من الاهتمام في مؤتمره الصحفي الأخير الذي عقد يوم 13 يناير/كانون الثاني الجاري، لأن ذلك يساعد على الانتقال لمرحلة التعايش مع كورونا، حسب قول أحمد المنظري المدير الإقليمي للمنظمة.
وأوضح المنظري، خلال المؤتمر، إن المرحلة الحرجة من الجائحة التي تتسم بمآسي الوفيات والاحتجاز في المستشفيات يمكن أن تنتهي في عام 2022، ولكننا في الوقت الحالي ما زلنا في منتصف الجائحة، وتتمثل أولويتنا في إنقاذ الأرواح باستخدام جميع الأدوات المتاحة التي ثبتت فعاليتها، "حتى نستبق هذا الفيروس، ولا نسمح له بأن يتقدمنا بخطوة".
وأضاف أن الالتزام بالتطعيم وتدابير الصحة العامة، يساعد على الانتهاء من المرحلة الحرجة، للانتقال إلى مرحلة التعايش مع الفيروس.