يبدو أن طموحات أردوغان في عودة العثمانية الثانية، بمساعدة تنظيم الإخوان، آيلة إلى الانهيار التام.
اتضح أن أسطورة الاقتصاد الأردوغاني، التي تغنى بها تنظيم الإخوان وأنصاره في تركيا وما جاورها، مجرد كذبة كبيرة، وأنه مجرد اقتصاد هش، سقط بمجرد تغريدة أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أعلن فيها مضاعفة الرسوم الجمركية على الألومنيوم والصلب المستورد من تركيا، عقب سجن أنقرة القس الأمريكي أندرو برانسون بتهمة «الإرهاب».
أزمة الليرة التركية هي نتيجة سوء إدارة الاقتصاد، وتبعات لسياسات خاطئة، ولن يفلح في حلها القفز عليها بالهروب إلى الأمام. وليس بمقاطعة «أيفون» الأمريكي، واستبدال «سامسونج» به، كما دعا أردوغان، تحل أزمة الاقتصاد التركي الذي هزته تغريدة واحدة على «تويتر»
انهيار الليرة جعل أردوغان يصف ما حدث بـ«السعي إلى طعن تركيا في الظهر»، ولم تفلح دعواته لشراء الليرة بالعملات الصعبة، ودعوات مماثلة من قيادات إخوانية لضخ أموال تنظيم الإخوان والأخرى «الصديقة» لشراء الليرة التركية؛ فإنها جميعاً لن تجدي نفعاً، فأزمة انهيار الليرة - كما يؤكد خبراء الاقتصاد - بوادرها كانت قائمة حتى قبل الخلاف الأخير مع أمريكا، كما يحاول أردوغان اختزالها، بل هي بسبب التضخم المرتفع ضمن رؤية أردوغان الاقتصادية التي ترى أن «معدلات فائدة منخفضة، يمكن أن تخفض نسبة التضخم»، في وجود حجم الديون الخارجية الضخم. والعبث السياسي في الملفات الاقتصادية يعد السبب الرئيسي في تدني قيمة الليرة التي فقدت أكثر من 40 في المائة من قيمتها مقابل الدولار، رغم خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي لليرة لمعالجة الانهيار الكبير لها. وبدأ هذا منذ أن وضع أردوغان يده على البنك المركزي، وأصبح هو الذي يعين حكام البنك المركزي. وبعد تعيين صهره وزيراً للمالية ومسؤولاً عن السياسة الاقتصادية، أصبحت سيطرته على البنك متكاملة الأركان، ما يؤكد أن اقتصاد البلد كان بمثابة فقاعة بدأت في الاضمحلال، بعد محاولات أردوغان التمرد على القطب الأمريكي.
يحدث هذا في ظل ما تردد عن «إعلان رئيس البلاد رجب طيب أردوغان وضع يده على ودائع الأتراك»، الأمر الذي نفاه فخر الدين ألتون، رئيس مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية، بالقول إن أردوغان «لم يطرح إطلاقاً في أي من تصريحاته مسألة وضع الدولة يدها على الودائع»، وفي ظل ما تردد إعلامياً عن أن أموالاً وودائع للدولة الليبية بالدولار تم وضع اليد عليها، وتحويلها إلى الليرة التركية، وفي ظل محاولات قطرية لإنقاذ الليرة التركية المنهارة، عبر اقتراح شراء المديونية التركية مقابل ضخ نصف الأموال بالدولار في بنوك تركيا، وإن كان حكام قطر الذين يخشون الغضب الأمريكي قد تراجعوا عن المقترح التركي، الأمر الذي تسبب في صدمة في الشارع التركي قبل السياسي، خصوصاً أن المقترح جاء بعد تصريحات نقلتها صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية بأن الرئيس التركي، أردوغان، سيلجأ إلى قطر في خلافه مع الرئيس الأمريكي، ففوجئ بالصمت والتسويف القطري، بل بتجاهل الأزمة كلياً، كعادة حكام قطر في التخلي عن الحلفاء عندما يصطدم الأمر بالموقف الأمريكي الذي يخشاه نظام الحمدين، وواجهته تميم.
يبدو أن طموحات أردوغان في عودة العثمانية الثانية، بمساعدة تنظيم الإخوان، من خلال مشروع «الخلافة» المشترك بين طموحات أردوغان الطورانية ومطامع تنظيم الإخوان الدولية والسيطرة عبر الحدود، آيلة إلى الانهيار التام.
الاقتصاد التركي الذي استفاد كثيراً من المضاربة، ومن تهريب «داعش» للنفط السوري، وبيعه بسعر التراب لتجار أتراك، في ظل غض البصر الحكومي، وهذا أمر معروف، عبر الطريق الذي يسميه التنظيم المتطرف (داعش) الطريق العسكري، غرب مدينة جرابلس، وعبر منطقتي «تل أبيض» و«سلوك» الحدوديتين، وكذلك هجرة وتهجير الأموال من البلدان العربية في زمن «الربيع العربي»، ومنها ليبيا، عبر تنظيم الإخوان المسلمين، لدولة «الخلافة» من المنظور الإخواني، والإمبراطورية العثمانية من وجهة نظر أردوغان؛ لا بد لهذا الاقتصاد المبني على فقاعة صابون أن يضمحل ويتلاشى يوماً.
فأزمة الليرة التركية هي نتيجة سوء إدارة الاقتصاد، وتبعات لسياسات خاطئة، ولن يفلح في حلها القفز عليها بالهروب إلى الأمام. وليس بمقاطعة «أيفون» الأمريكي، واستبدال «سامسونج» به، كما دعا أردوغان، تحل أزمة الاقتصاد التركي الذي هزته تغريدة واحدة على «تويتر».
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة