رغم صعوبة اللحظة التي تعيشها البشرية بأكملها، فإن الإيجابية ونبرة التفاؤل لم تختف أبدا من حديث محمد بن زايد ولا من قاموس كلماته
"وقت الشدائد ما لها إلا عيال زايد".. قول مأثور تحول إلى حقيقة واضحة لا تخطئها عين العدو قبل الصديق، ولعل المتابع لكيفية تعاطي قادة وزعماء دول العالم مع التداعيات الإنسانية العالمية التي خلفتها جائحة كورونا يدرك صدق هذه المقولة.
ففي الوقت الذي تصرفت فيه كثير من الدول بما فيها الدول المتقدمة بمنطق براجماتي بحت لم تنشغل فيه سوى بنفسها ولم تنظر سوى إلى مصلحة شعوبها ورفع بعضها شعار "شعبي شعبي"، كانت الإمارات وحدها تغرد خارج السرب وتقدم للعالم درسا في كيفية إدارة الأزمة والتعامل مع تداعياتها ووضع خطط استباقية لمواجهتها.
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان كعادته ينتصر لإنسانيته ويعليها على ما عداها، ويقدم دروسا مجانية للعالم أجمع في كيفية التعامل مع الأزمات الإنسانية العالمية وفي كيفية إعلاء قيم الإنسانية والعيش المشترك والتضامن الإنساني فوق الاعتبارات السياسية الضيقة أو الوطنية البحتة، مؤكدا النهج الراسخ لدولة الإمارات العربية المتحدة في الالتزام بمسؤوليتها الإنسانية تجاه دول العالم أجمع، والتقيد بنهج العطاء للدول والشعوب الأخرى في المحن والأزمات، ومشددا على رسالتها السامية بأن هناك مصلحة إنسانية مشتركة تجمع العالم بأكمله بغض النظر عن المواقف السياسية.
وهو الأمر الذي تجلى في العديد من المبادرات والكثير من الجهود والمساعدات التي قدمتها الإمارات منذ وقت مبكر لمساعدة العالم على مواجهة هذه الأزمة في ظل التحديات الكبيرة للمرض والتداعيات الخطيرة التي ترك الوباء بصمته فيها على كل شبر في المعمورة، استجابة سموه للأزمة وإدراكه لخطورتها واستشرافه لإمكانية تطورها لتصبح أزمة عالمية غير مسبوقة كانت مبكرة جدا.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفور صدور بوادر الأزمة أكدت دولة الإمارات تضامنها مع جمهورية الصين الشعبية في مواجهة ما تشهده من انتشار لفيروس "كورونا" الجديد في بعض المدن الصينية، وأعربت عن ثقتها التامة بجهودها في الاستجابة الفاعلة والإدارة الحكيمة لهذا الوضع، وقامت الإمارات بناء على توجيهات سموه، وفي ظل الشراكة الاستراتيجية الشاملة والخاصة بين البلدين، بالتنسيق مع الجهات المعنية في جمهورية الصين الشعبية للعمل معاً لتوفير كافة المستلزمات الطبية اللازمة لمواجهة انتشار الفيروس، وبادرت الدولة بتقديم إمدادات طبية إلى الصين شملت أقنعة وقفازات وغيرها من المساعدات.
لم تتوقف مساعدات الإمارات وجهودها في الحد من انتشار الفيروس عند الدول الصديقة فقط ، بل امتدت لتشمل دولا أخرى لا تدخل تحت هذا التصنيف، ففي منتصف مارس/آذار الماضي أرسلت الإمارات طائرتي مساعدات تحملان إمدادات طبية ومعدات إغاثة إلى إيران لدعمها وزيادة قدرة مؤسساتها الصحية للتصدي لفيروس "كورونا" المستجد وحملت الطائرتان أكثر من 32 طنا من الإمدادات، بما في ذلك صناديق من القفازات والأقنعة الجراحية ومعدات الوقاية.
وقبلها وتحديدا في الثالث من مارس/آذار كانت الإمارات أرسلت طائرة إلى إيران حملت 7.5 طن من الإمدادات الطبية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، كما حملت معها خمسة خبراء من المنظمة لمساعدة 15 ألف من العاملين في مجال الرعاية الصحية، الأمر الذي يمثل انعكاسا للمبادئ الإنسانية التي تأسست عليها دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما تجلى أيضا بوضوح في توجيهات سموه بتأسيس مركز للصحة الوقائية ضمن "المدينة الإنسانية" في أبوظبي لتقديم الرعاية العلاجية لرعايا الدول الأخرى الذين تم إجلاؤهم من مقاطعة هوبي الصينية بؤرة تفشي وباء كورونا المستجد.
رغم صعوبة اللحظة التي تعيشها البشرية بأكملها، فإن الإيجابية ونبرة التفاؤل لم تختف أبدا من حديث محمد بن زايد ولا من قاموس كلماته، فسموه حريص دائما على أن يبدي تفاؤله بأن الظروف الصعبة التي يشهدها العالم ستمضي ونحن أكثر قوة وصلابة رغم التحديات العديدة التي نواجهها
وإرسال طائرة خاصة لنقل عدد من رعايا دول العالم من مقاطعة هوبي الصينية إلى أبوظبي ليخضعوا للرعاية الطبية اللازمة قبل عودتهم إلى ديارهم في مدينة الإمارات الإنسانية التي تم تزويدها بكافة التجهيزات والمستلزمات الضرورية لإجراء الفحوص الطبية اللازمة لرعاية رعايا الدول الذين تم إجلاؤهم، للتأكد من سلامتهم ووضعهم تحت الحجر الصحي لمدة لا تقل عن 14 يوماً، حيث تم توفير منظومة رعاية صحية متكاملة طوال فترة الحجر، وبما يتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية إلى أن تم التأكد من عدم إصابة أي منهم بالفيروس.
أما إيطاليا التي كانت من أكثر دول العالم تضررا من هذه الجائحة والتي تخلى عنها حتى أقرب جيرانها من دول الاتحاد الأوروبي، فقد كانت الإمارات من أوائل الدول التي قدمت لها الدعم والمساندة حين أرسلت طائرة مساعدات تحمل نحو 10 أطنان من مختلف المستلزمات الطبية والوقائية إلى إيطاليا، يستفيد منها نحو 10 آلاف من العاملين في القطاع الطبي، لدعمها في مواجهة فيروس "كورونا" المستجد.
كذلك الحال فيما يتعلق بكازاخستان التي استقبلت طائرة مساعدات إماراتية تحمل 13 طناً من مختلف المستلزمات الطبية والوقائية، يستفيد منها نحو 10 آلاف من العاملين في القطاع الطبي، لدعمها في مواجهة الفيروس "كورونا" في إطار تعاون دولة الإمارات مع الدول التي تعمل على محاربة تفشي فيروس كورونا المستجد، ومن أجل تعزيز الجهود العالمية للحد من انتشاره.
لم تقتصر جهود الشيخ محمد بن زايد في هذه الأزمة الإنسانية على توجيهاته بتقديم كافة أنواع المساعدات العينية والطبية لدول العالم لمساعدتها على الحد من انتشار الفيروس فقط، لكن جهوده امتدت أيضا إلى اتصالات لم تنقطع أبدا مع عدد كبير من قادة العالم وزعمائه لبحث سبل التعاون للتصدي لهذا الوباء وتوحيد الجهود للحد من انتشاره.
وكانت رسالة سموه الواضحة خلال تلك الاتصالات هي أن العالم في ظل وباء "كورونا" يعيش لحظة اختبار إنساني حقيقي في تاريخ البشرية، وبالتالي لا بد تأكيد أهمية التعاون وتبادل الخبرات بين مختلف الدول في العالم، في التصدي للفيروس وضرورة بناء استجابة دولية جماعية فاعلة لهذه الأزمة، تضع في اعتبارها كل الظروف وتنطلق من التضامن الإنساني المجرد من أي اعتبارات أخرى وتقديم الدعم للفئات والمجتمعات التي في حاجة إلى المساعدة.
وسيذكر التاريخ أن دول العالم التي انشغلت بنفسها في ظل هذه الأزمة كان من بينها قائد وزعيم تناسى كل الحسابات السياسية الضيقة وتذكر دولة تعاني من ويلات الحروب ونسيها الجميع، وذلك حين أجرى الشيخ محمد بن زايد اتصالا هاتفيا بالرئيس السوري بشار الأسد، وأكد له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية، قائلا مقولة خالدة ستذكرها الأجيال: إن "التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة".
ولم تقتصر اتصالات ومباحثات سموه على القادة السياسيين لكنها امتدت أيضا إلى قادة العمل الإنساني والخيري، ومن ذلك على سبيل المثال اتصاله الهاتفي مع "بيل غيتس" الرئيس المشارك لـ"مؤسسة بيل وميليندا غيتس"، بهدف بحث سبل تعزيز التعاون الإنساني بين الجانبين في مجالات الصحة ومكافحة الأمراض والأوبئة. وسبل تكثيف التعاون والعمل المشترك بين دولة الإمارات ومؤسساتها الإنسانية المعنية و"مؤسسة بيل وميليندا غيتس" لمواجهة خطر انتشار فيروس "كورونا المستجد"، ودعم جهود المجتمع الدولي والحكومات والمجتمعات لاحتوائه والحد من تداعيات انتشاره وتطوير علاجاته والوقاية منه.
الدعم المعنوي المتمثل في التشجيع وبث الأمل وروح التفاؤل لا يقل في تأثيره عن الدعم المادي بل هو مكمل له، هكذا أدرك محمد بن زايد ولهذا لم تتوقف رسائل الدعم والتشجيع لكافة القطاعات المعنية بمكافحة هذا المرض لدفعها لتحمل صعوبة المواجهة، فكانت تحيته لكوادر التمريض والأطباء أكبر داعم لهم حين قال في تغريدة عبر تويتر: "في يوم الصحة العالمي نحيي العاملين في هذا المجال الحيوي الذين يتفانون في ظروف استثنائية صعبة لضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية وحماية مجتمعاتهم من خطر الأمراض والأوبئة". وتابع: "نثمن جهود كوادر التمريض والأطباء على الخط الأمامي في مكافحة فيروس كورونا.. البشرية كلها معكم ومدينة لكم".
ورغم صعوبة اللحظة التي تعيشها البشرية بأكملها، فإن الإيجابية ونبرة التفاؤل لم تختف أبدا من حديث محمد بن زايد ولا من قاموس كلماته، فسموه حريص دائما على أن يبدي تفاؤله بأن الظروف الصعبة التي يشهدها العالم ستمضي ونحن أكثر قوة وصلابة رغم التحديات العديدة التي نواجهها، وهذا ما تجلى في كلمة له بمجلس في قصر البحر بحضور عدد من الشيوخ والوزراء والمسؤولين في مارس/آذار الماضي قال فيها "أريدكم أن تتذكروا كلمة وهي أن الوقت الصعب الذي نعيشه سيمضي بإذن الله لكن يحتاج منا إلى صبر"، ودعا سموه في ختام كلمته الجميع إلى التفاؤل والنظرة الإيجابية خلال مواجهة مختلف التحديات التي نشهدها.
وقال: "إن هذا ما تعلمناه من الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" أن نستغل الفرص ونستثمرها ونطوعها للتطوير والتقدم حتى نصبح أكثر قوة وتمكنا بعد اجتياز هذا التحدي".
جهود سموه في مكافحة هذا الوباء اللعين تضاف إلى جهوده الإنسانية المتنوعة والمتعددة التي شملت كافة الأزمات الإنسانية العالمية ووصلت لكافة القارات، مثل دوره الإنساني الفريد في القضاء على شلل الأطفال في العالم، وهو الدور الذي حظي بإشادة استثنائية من منظمة الصحة العالمية.
وهنا يثبت محمد بن زايد أنه يستحق بكل جدارة لقب "فارس العطاء" بعد أن أبهر العالم بإنسانيته في "عام كورونا" وأنه يمضي قدما وبثبات على نهج رمز الخير والبذل والعطاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" في تقديم الخير للناس، وإسعادهم، وكما قال سموه "تعلمنا من زايد أن السعادة في إسعاد الغير والعمل الذي يقترن بتقديم الخير للناس هو أبلغ العطاء.. على هذا النهج نمضي ونواصل بإذن الله".
شكرا محمد بن زايد
شكرا فارس العطاء
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة