تشهد الخطة الحالية العديد من التغيرات الكبرى، فالخطة الجديدة ترفع اعتماد الصين التكنولوجي على الذات إلى مرتبة الاستراتيجية الوطنية
كشف بيان للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني عرضت ملامحه وكالة "بلومبرج" عن بعض الجوانب المتعلقة بخطتها الاقتصادية خلال الأعوام الخمسة المقبلة (2021-2025)، حيث وعدت ببناء الأمة كمركز للتكنولوجيا، كما شددت على هدف تحقيق النمو الجيد وليس سرعة النمو. وقد أشارت التفاصيل إلى أهمية النمو المستدام، وأيضا تم التعهد بتطوير سوق داخلي قوي. ولم يحدد البيان الصادر عن اللجنة المركزية سرعة النمو الاقتصادي الذي يستهدفه صانعو القرار الاقتصادي.
وتشهد الخطة الحالية العديد من التغيرات الكبرى، فالخطة الجديدة ترفع اعتماد الصين التكنولوجي على الذات إلى مرتبة الاستراتيجية الوطنية، وهو الأمر الذي شدد عليه العديد من المسؤولين بداية من الرئيس الصيني ذاته شي جين بينغ. وفي مركز هذا الهدف يأتي الاعتماد على الذات فيما يتعلق برقائق أشباه الموصلات، وهي مكون محوري في الابتكارات التكنولوجية المختلفة من الذكاء الصناعي إلى شبكات الجيل الخامس والقيادة الذاتية للسيارات.
وطبقا للبيان الصادر في أعقاب اجتماع اللجنة المركزية فقد قال المسؤولون إنهم "يهدفون إلى تحقيق اختراقات أساسية في التكنولوجيات المحورية في عدد من المجالات الرئيسية، حيث تصبح الصين خلال الخمسة عشر عاما المقبلة قائدا عالميا في الابتكار".
وتكتسب جهود بكين في هذا الصدد إلحاحا مع سعي الولايات المتحدة لاحتواء الصعود الصيني، حيث أدت القرارات الأمريكية بحرمان الشركات الصينية من رقائق أشباه الموصلات إلى إدراك أهمية تصنيع الصين للرقائق بنفسها، حيث إن الرقائق هي المكون الأساسي في معظم التكنولوجيات من شبكات الجيل الخامس إلى السيارات والهواتف الذكية ومراكز المعلومات. وقد قامت إدارة ترامب منذ شهر مايو بالتركيز على أشباه الموصلات في حملتها للسيطرة على الصعود التكنولوجي الصيني، وذلك بمنعها شحن أي رقائق لشركة هواوي أكبر الشركات الصينية، وغيرها من الشركات.
ولم تعد شركة هواوي التي تعد أيضا أكبر مُصنع للهواتف المحمولة منذ شهر سبتمبر الماضي قادرة على شراء الرقائق من شركات مثل شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، وذلك طبقا للقرارات الأمريكية التي تحظر على الموردين في أي مكان في العالم التعامل مع الشركة الصينية فيما إذا كانوا يستخدمون معدات أمريكية في تصنيعهم للرقائق. وقد أبرزت هذه القرارات الضرورة العاجلة في بناء بدائل من التصنيع المحلي في الصين.
وتحضر بكين لدعم واسع لما يسمى "الجيل الثالث من أشباه الموصلات"، وذلك خلال الخمس سنوات المقبلة 2021-2025، وقد تم الاستقرار على مجموعة من الإجراءات لدعم البحث، والتعليم والتمويل من أجل الصناعة لكي تكون جزءا من الخطة الخمسية الرابعة عشرة التي ناقشتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصين.
ويرى العديد من المراقبين أن الصين تراهن على أن شركاتها يمكن أن تنافس فيما لو سرعت من البحث في هذا المجال الجديد، خاصة أن الشركات الكبرى في الولايات المتحدة واليابان قامت للتو بالبدء في تنمية الجيل الثالث من أشباه الموصلات، وقامت بعض الشركات الصينية العملاقة تكنولوجيا مثل سانان للإلكترونيات، والشركة المملوكة للدولة المسماة مجموعة الصين لتكنولوجيا الإلكترونيات بشق طريقها في مجال رقائق الجيل الثالث. وهذه الشركات إلى جانب شركات أخرى في القطاع مثل الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، وشركة ويل لأشباه الموصلات المحدودة ربما تستفيد من دعم الدولة واسع النطاق. ويرى البعض أنه بسبب تزايد الطلب الصيني وتزايد الاستثمار في أشباه الموصلات فربما يمكن بناء عملاق صيني على المستوى العالمي في هذا المجال، وهو ما قد يعزز من فرصة ما تتضمنه الخطة الخمسية من إجراءات في هذا الصدد.
على خلاف الخطة الخمسية الأخيرة التي سعت إلى تحقيق "معدل نمو معتدل إلى سريع" حتى يمكن بناء مجتمع "متوسط الرخاء"، تأتي الخطة التي تمت مناقشتها 2021-2025 لتركز على جودة نوعية وليس على سرعة النمو. وذكر البيان الصادر حول الخطة أن الصين تتمسك باستراتيجيتها في دعم الطلب المحلي وفتح الاقتصاد خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
وعلى الرغم من أن الخطة لم تذكر معدلا محددا للنمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي، فيقدر المراقبون أن الحكومة ستبقى طموحة في توقعاتها. وما زالت القيادة حسب بعض المحللين تتوقع أن يبلغ حجم الاقتصاد ودخل القطاع العائلي ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مستويات مهمة بحلول عام 2035. وفي هذا الشأن يمكن الاستنتاج أن معدل النمو المحدد قد يبلغ 4.7% سنويا في المتوسط، وذلك إذا ما وضعنا في الاعتبار هدف مضاعفة الدخل القومي الصيني بحلول عام 2035 الذي تم ذكره.
ودفع الموقف الأمريكي المعادي لصعود الصين الاقتصادي إلى جانب الضرر الاقتصادي الذي خلفه فيروس كورونا المسؤولين في بكين إلى التركيز على نهج يعتمد على الموارد المحلية والاستهلاك المحلي لضمان استمرار النمو.
وتعد هذه الاستراتيجية المعروفة بالتداول المزدوج ورغم أنه تم ذكرها مرتين في البيان الصادر عن اللجنة المركزية، فإنه لم يكن هناك أي تفسير أو تفاصيل حول ما تحتويه هذه الاستراتيجية. وطبقا للبيان فالأمة بحاجة لأن "تسهل التداول المحلي، والتداول المزدوج محليا وخارجيا، وتشجع الاستهلاك بصورة شاملة وأن تفسح المجال للاستثمار".
ورسمت اللجنة المركزية في بيانها كذلك أهدافا للمدى البعيد حتى عام 2035، مثل القول بالوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون ثم البدء في تخفيضها خلال الفترة مع رفع نصيب الفرد من الناتج ليكون في مرتبة الدول المتقدمة ذات الدخل المتوسط. حيث تم التعهد بالتحول نحو اقتصاد أخضر في الإنتاج وفي أسلوب حياة المواطنين. وقالت اللجنة المركزية إنها ستسعى نحو توزيع معقول لمصادر الطاقة وتحسين الكفاءة، كما تعهد البيان بأن يتم تحديث الزراعة، وتأمين الأمن الغذائي الوطني وتحسين نوعية الزراعة والتنافسية.
وتعهد بيان اللجنة المركزية كذلك بتشكيل نظام جديد من الانفتاح الاقتصادي عند مستوى أعلى خلال السنوات الخمس المقبلة. وقد خففت الصين تدريجيا من تحكمها في تدفقات العملة ورأس المال بما في ذلك اتخاذ خطوات تجاه تحرير سعر صرف اليوان بعد الارتفاعات الأخيرة التي شهدها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة