يكتسب عيد الاتحاد الخمسين لدولة الإمارات هذا العام دلالات خاصة، فهو يناسب الذكرى الخمسين لإنشاء الدولة الاتحادية في 2 ديسمبر 1971.
تأتي هذه الذكرى بعد تنفيذ رؤية الإمارات في العشر سنوات الماضية، وبعد تشكيل حكومة ارتبط بها التطلع نحو مرحلة قوية من التنمية المُستدامة والتفاعل الإيجابي مع الجديد والمتغير في العالم.
ومن أهم السمات الرئيسية، التي مَيّزت مسيرة دولة الإمارات وسياساتها في النصف الأول من عمرها، هي القدرة على التكيف، وقبول الجديد، وطرح المبادرات، وتشجيع الابتكار.
لقد استطاعت دولة الإمارات تحقيق الكثير في مجالات التنمية المُستدامة، فحرصت على التوسع بمختلف قطاعات الاقتصاد، وتنويع مصادر الدخل القومي الإجمالي، بحيث انخفضت نسبة الاعتماد على النفط والغاز إلى نحو 30% من الناتج القومي.
وحرصت الدولة على تحقيق التوازن بين ضرورة استمرار عجلة الاقتصاد العالمي، القائم على مصادر الطاقة التقليدية، والتزامها بالمطالب البيئية المرتبطة بالتغيرات المُناخية وحتمية خفض الانبعاثات الكربونية، وفي ذلك بذلت الإمارات جهودا جبارة تُحسب باستثماراتها الضخمة في الطاقة النظيفة، فضلا عن مساعدتها أبناء كوكب الأرض على التعافي من الآثار السلبية لجائحة كورونا.
واستمراراً للتوجُّه نفسه، تبنَّت الإمارات منهاج الاقتصاد الأخضر كأحد مسارات التنمية المُستدامة، فأنشأت مشروعات ريادية مثل "مدينة مصدر" في أبوظبي عام 2008، والتي تعتمد بشكلٍ كُلي على مصادر متجددة للطاقة، وتُعتبر أول مدينة خالية من الانبعاثات الكربونية.
وزادت الإمارات من استثماراتها في مجال إنتاج الكهرباء من الرياح والطاقة النووية، والاستثمار في الهيدروجين الأخضر.
عملت أيضاً على استخدام التقنيات المتقدمة لخفض الانبعاثات الكربونية، مثل الحد من حرق الغاز الطبيعي الناتج عن صناعة النفط والغاز، وتكنولوجيا التقاط الكربون وتجميعه، وتشجيع استخدام الغاز الطبيعي كوقود نظيف بدلاً من البنزين في السيارات، وإلزام المركبات التجارية في عام 2014 باستخدام الديزل الأخضر بدلاً من الديزل العادي الملوّث للبيئة، كما قامت بتطبيق عدد من المبادرات من أجل ترشيد استخدام الطاقة وخفض استهلاكها.
وفي مجال السكان، كانت الإمارات رائدة في تطبيق معايير البناء الأخضر.
ارتبط بكل ذلك التقدمُ الكبيرُ في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، ومعالجة البيانات الكبيرة، وإرساء قواعد اقتصاد المعرفة، والتوسع في تطبيقات الحكومة والإدارة والمدن الذكية، واستخدام الجيل الخامس للاتصالات اللا سلكية، سواء في مجال تقديم الخدمات الحكومية أو أداء القطاع الخاص لأعماله.
يتضح ذلك أولاً، في موقع دولة الإمارات في سُلم المؤشرات العالمية، فهي تشغل المركز الأول عالمياً في نحو 50 مؤشراً تتعلق بدرجة التنافسية.
وتحتل مركزاً في العشر دول الأولى في العالم في خمسين مؤشراً تتعلق بالتنمية البشرية والابتكار وسهولة أداء الأعمال.
أما على مستوى الدول العربية، فإنها تشغل المركز الأول في أكثر من 450 مؤشراً في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والإدارة الحكومية.
ويتضح ثانياً في تأكيد أن التغيير هو منهج إدارة وسلوك، وأن الدولة تحتاج إلى "تغيير أدوات التغيير"، التي استخدمتها في مراحل سابقة، وذلك لتحقيق الأهداف والطموحات في الخمسين عاماً القادمة حتى 2071.
وتتسم المنهجية الجديدة في الإمارات بزيادة الاعتماد على المشروعات التحوُّلية في القطاعات ذات الأولوية، وليس الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى، وأن تكون دورات التغيير مرنة وسريعة تتراوح بين 6 أشهر و24 شهراً، ويتم تنفيذ هذه المشروعات من خلال فرَق عمل وزارية، بحيث يتم الانتقال من المسؤولية الفردية لكل وزارة على حدة إلى الفرَق الوزارية القائمة على التنفيذ.
ويتضح ثالثاً في التغيير المؤسسي، وإنشاء وزارات وهيئات جديدة، بما يتفق مع التحديات المُستجدة، فضمت الحكومة الجديدة وزراء، ووزراء دولة لشؤون الموارد البشرية والتوطين، والتغير المناخي والبيئة، والتسامح والتعايش، والتكنولوجيا المتقدمة، وريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتطوير الحكومي والمستقبل، والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد.
أضف إلى ذلك أن هذا التشكيل ضم تسع سيدات، ما يجعل تمثيل المرأة في الحكومة الاتحادية في دولة الإمارات ثاني أعلى نسبة تمثيل في الحكومات العربية.
إذا كان سجل ما حققته دولة الإمارات في الخمسين عاماً الماضية حافلاً وباهراً، فإن منهاج العمل الجديد، الذي تبدأ به الدولة أعوامها الخمسين القادمة، يُبشّر بنجاح مماثل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة