عنصرية مالية.. "العين الإخبارية" ترصد الأموال الهاربة من أوروبا
وسط السباق المحتدم داخل أروقة الاتحاد الأوروبي بشأن توسيع مقصلة العقوبات الموجهة ضد روسيا، أصبح لا بديل أمام رؤوس الأموال سوى الهروب.
وكأنها عنصرية مالية أوروبية ممنهجة ضد كل ما هو روسي أو يتبعه في نشاط اقتصادي كان، أو حتى أصول للثروات.
إن تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية على الاقتصاد العالمى كبيرة، فى ظل العقوبات المفروضة على روسيا، بالإضافة إلى خلق نوع من التوترات عالميًا، مما سيؤدى إلى هروب رؤوس الأموال، وتذبذبات فى البورصات العالمية بمختلف تعاملاتها، وأيضًا التأثير على التجارة الدولية البينية، لأنه يرفع على أقل تقدير نسب التأمين على الشحن، خاصة فى دول أوروبا.
وبينما تعكف بعض الدول على تقديم تيسيرات إدارية وضريبية واسعة لجذب رؤوس الأموال الهاربة من مناطق القتال، تعيد الشركات الصناعية والتجارية الكبرى رسم أولوياتها فى ظل عالم جديد يبدو أنه لن يعود إلى سابق عهده، حتى وإن سكتت المدافع فى أى لحظة.
العزل عن سويفت.. المقصلة الأكبر
كانت بريطانيا من أكثر المتحمسين لعزل روسيا عن نظام "سويفت" العالمي بشكل كامل، ولفتت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس إلى أنّ بلادها لا تهدف فقط إلى فصل روسيا عن "سويفت"، بل إلى إقامة تحالفات في مجالي الاقتصاد والأمن حول العالم، لتشديد العزلة على روسيا، فيما يجري الحديث عن عزم سلطة الضرائب البريطانية على إلغاء اعترافها ببورصة موسكو للأوراق المالية، وهو ما يؤدي إلى زيادة عزلة روسيا عن أسواق المال العالمية، ودفع رؤوس الأموال إلى مغادرة أوروبا.
وتعتبر روسيا هي ثاني دولة يتم التلويح باستبعادها من نظام «سويفت» بعد إيران في 2021، والتي سيكون بناء عليه يصعب على المؤسسات المالية إتمام تعاملاتها سواء إرسال الأموال من روسيا أو إليها، إلى جانب وقف الحوالات التجارية كذلك لا يمكن تنفيذ الحوالات المالية للروس من الداخل والخارج.
وتتضرر روسيا بشدة لكونها الدولة رقم 2 في الدول التي تستخدم نظام السويفت من خلال 300 مؤسسة مالية داخل روسيا، وتعتمد روسيا بشكل كبير على سويفت بسبب صادراتها الهيدروكربونية التي تبلغ مليارات الدولارات.
وسيقلص فصل البنوك الروسية عن سويفت حجم المعاملات الدولية، وسيؤدي إلى تقلبات أسعار العملات، وهروب رؤوس أموال هائلة إلى الخارج.
كبار الأثرياء الأكثر تضررًا
وتكبد كبار الأثرياء الروس، المرتبط بعضهم بالقيادة الروسية، خسائر تقدّر بنحو 83.0 مليار دولار، من أمثال "جينادي تيمشينكو" و"أليشر عثمانوف" ومالكي مجموعة ألفا "ميخائيل فريدمان" و"بيتر أفين"، وقطب صناعة الصلب (أليكسي مورداشوف) و"رومان أبراموفيتش" أحد أكثر المليارديرات شهرةً، حيث يمتلك نادي تشيلسي لكرة القدم، الذي تقدّر قيمته بنحو ملياري دولار، وأصول أخرى من بينها حصة في شركة صناعة الصلب Evraz Plc، وشركات الطاقة Velocys Plc وAFC Energy Plc.
وهرباً من عقوبات الاتحاد الأوروبي، فقد غادرت طائرة "عثمانوف" من طراز إيرباص A340 ميونيخ، تاركة المجال الجوي للاتحاد الأوروبي. أما (فاجيت أليكبيروف)، رئيس شركة لوك أويل Lukoil PJSC، فقد انخفضت ثروته بنحو 13 مليار دولار هذا العام.
وقد قال الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، وهو مدير الدراسات في “مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية” (EHESS)، إن إجمالي ثروة الروس التي يتم الاحتفاظ بها في الخارج عن طريق الملاذات الضريبية تقدر بحوالي 800 مليار دولار، ومن قبل عدد قليل من الناس لا يتعدى عددهم المئات، ويؤكد العالم الفرنسي أن هؤلاء يعتبرون لندن من المدن المفضلة لديهم للعيش وإنفاق أموالهم.
على صعيد الاستثمارات، حتى قبل حدوث التوتر الأخير بين واشنطن وأميركا حول أوكرانيا، فإن المستثمرين الأجانب بدأوا رحلة هروب من الأصول الروسية، وخفض حجم محافظهم الاستثمارية في بورصة موسكو.
ومن جانبه، قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن في منتصف أبريل/نيسان 2022: "هؤلاء الأثرياء وأفراد عائلاتهم لا يمكنهم الاحتفاظ بأموالهم وأصولهم في الولايات المتحدة وأوروبا والاحتفاظ بيخوت بمئات ملايين الدولارات"
مصادرة أصول أكثر من 30 مليارديرًا روسيًا
ووفق بيانات (Global Economy)، بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى دول الاتحاد الأوروبي 370 مليار دولار أمريكي، بينما بلغت قيمة الاستثمارات المتخارجة قرابة 250 مليار دولار أمريكي، خلال نفس العام
وأعلنت عديد الدول الأوروبية والمملكة المتحدة، عن مصادرة أصول تعود لرجال أعمال روس، ردا على الحرب الروسية ضد أوكرانيا، طالت أكثر من 30 مليارديرا بصدارة رومان أبراموفيتش مالك نادي تشيلسي والذي عرضه مؤخرا بسبب ذلك للبيع.
وحسب بيانات "آي أن جي"، فإن روسيا تعاني مسبقاً من ارتفاع في معدل هروب الاستثمارات الأجنبية، حيث بلغت الأموال الهاربة من السوق الروسي 33.9 مليار دولار في الربع الثالث من العام الماضي، وتوقعت الشركة أن ترتفع إلى 69.5 مليار دولار بنهاية العام 2021.
تحويل أصول روسية مصادرة إلى أوكرانيا
اقترح البيت الأبيض الخميس استخدام أصول صودرت من أوليجارشيين روس لتعويض أوكرانيا عن الأضرار الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا.
وقال البيت الأبيض في بيان إن من شأن ذلك أن يسمح "بتحويل كل عائدات الأصول المنهوبة إلى أوكرانيا لتعويض الضرر اللاحق (بأوكرانيا) جراء العدوان الروسي".
يمثل هذا الاقتراح تصعيدا في الموقف الغربي ضد موسكو، وينتظر أن يترافق مع إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن الخميس عن حزمة مساعدات عسكرية كبيرة جديدة لكييف.
فيما يتعلق بالعقوبات، صادرت دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن أصولا روسية تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار، بينها نحو 7 مليارات من الكماليات المملوكة لأوليجارشيين (يخوت وأعمال فنية وعقارات ومروحيات)، وفق ما أفاد البيت الأبيض.
أما الولايات المتحدة فقد "فرضت عقوبات على سفن وطائرات تزيد قيمتها عن مليار دولار ومنعت تنقلها، فضلا عن تجميد مئات الملايين من الدولارات من أصول النخبة الروسية في حسابات أمريكية".
وخلال الشهر الحالي، وافقت إسبانيا على طلب أمريكي لمصادرة يخت فاخر بقيمة 90 مليون دولار يملكه الملياردير الروسي فيكتور فيكسيلبرج القريب من الرئيس فلاديمير بوتين.
وجهات استثمارية أكثر أمانا وجذبًا
ما يجري حاليا ضد رجال الأعمال الروس من جانب غالبية دول الاتحاد الأوروبي، سيعيد الحسابات إزاء الاستثمارات الجديدة والحالية في القارة العجوز.
ويعني ذلك، أن رؤوس أموال ستكون مستعدة للتخارج من دول التكتل والبحث عن مناطق لا تنتشر فيها العنصرية المالية، إذ قد تكون الأسواق الناشئة قبلة مرتقبة لهذه السيولة الهاربة.
في المقابل، لم تنتظر رؤوس أموال انتهاء الحرب حتى تغادر دولا أوروبية، إذ تحولت تركيا والإمارات إلى وجهات مفضلة لدى عديد المستثمرين من روسيا وغيرها، منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
وتحدثت مجموعة من الروس والأتراك عن لجوء البعض إلى شركات التحويل النقدي الروسية التي تعمل في تركيا، والعملات المشفرة ونقل آلاف الدولارات نقداً عبر المطارات.
وأعلنت الحكومة التركية أنها لن توقف تدفق الأموال الروسية، حتى من الأوليجارشيين، إن كانت قانونية، في ظل حاجة الدولة إلى العملة الأجنبية بعد أزمة اقتصادية العام الماضي تسببت بخسارة الليرة التركية حوالي 45 في المئة من قيمتها مقابل الدولار في أقل من ثلاثة أشهر.
وفي مؤتمر دولي عقد في الدوحة في 26 مارس/آذار 2022، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو: "إن كنتم تقصدون أن الأوليجارشيين يمكنهم القيام بأي عمل تجاري في تركيا، فبالطبع نعم شرط أن يكون قانونياً، أما إن كان مخالفاً للقانون الدولي، فتصبح المسألة مختلفة".