اقتصاد
من العرق إلى الجنسية.. رحلة أوروبية قاتمة في العنصرية المالية
اليوم، يواجه المستثمرون الروس حربا موازية، تتمثل في إقصائهم من أسواق عدد من دول الاتحاد الأوروبي.
في وقت تشددت فيه أوروبا في موضوع دمج الأقليات العرقية في مجتمعاتها منذ القرن التاسع عشر، وظهور عنصرية في التعامل معهم، المستمرة حتى القرن الحادي والعشرين، دخل موضوع العنصرية المالية بناء على الجنسية في أوروبا، على خط التمييز.
اليوم، يواجه المستثمرون الروس التي تنفذ بلادهم حربا ضد أوكرانيا، رحلة وصفها أكاديميون غربيون، حربا موازية، تتمثل في إقصاء رأس المال الروسي من أسواقها، بل مصادرة الأموال والأصول في دول أخرى مثل المملكة المتحدة.
- "مغسلة لندن".. ثغرات قانونية في خدمة الأموال القذرة
- الأوليجارش الروس.. لعنة "أبراموفيتش" تلاحق أصدقاءه في لندن
واليوم يعيش رأس المال الروسي المهاجر إلى غالبية دول أوروبا، شكلا من أشكال العنصرية القائم على الطرد والاستبدال، وفي حالات أخرى الاستيلاء، كما يجري في دول مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا.
يقول الخبير في الاقتصاد الدولي، محمد سلامة، إن العنصرية التي يشهدها الاتحاد الأوروبي اليوم ضد رجال الأعمال الروسي، رسالة غير مباشرة لبقية الاستثمارات الأجنبية في القارة العجوز.
وأضاف سلامة في حديث مع "العين الإخبارية" أن الاتحاد الأوروبي قام بعد الحرب العالمية الثاني على استثمارات وجهود المهاجرين، "وما يزال الاستثمار الأجنبي يشكل حصة من الناتج المحلي لدول التكتل".
ووفق بيانات (Global Economy)، بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى دول الاتحاد الأوروبي 370 مليار دولار أمريكي، بينما بلغت قيمة الاستثمارات المتخارجة قرابة 250 مليار دولار أمريكي، خلال نفس العام.
واعتبر سلامة أن البيئة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية لن تكون متاحة في غالبية دول أوروبا، إذ يعتبر شكل التعامل المالي مع روسيا وحليفتها بيلاروسيا، نموذجا على شكل العلاقة مع أي استثمارات أجنبية أخرى في حالة توتر العلاقات الدبلوماسية.
وأعلنت عديد الدول الأوروبية والمملكة المتحدة، عن مصادرة أصول تعود لرجال أعمال روس، ردا على الحرب الروسية ضد أوكرانيا، طالت أكثر من 30 مليارديرا بصدارة رومان أبراموفيتش
على سبيل المثال، أصبح أبراموفيتش غير قادر على إدارة أصوله في نادي تشلسي الذي يمله منذ قرابة 9 سنوات، وأصبح ممنوعا حتى من دخول مقر النادي، أو تسلم أي إيرادات مالية.
مستقبل الاستثمار
ويبدو أن ما يجري حاليا ضد رجال الأعمال الروس من جانب غالبية دول الاتحاد الأوروبي، سيعيد الحسابات إزاء الاستثمارات الجديدة والحالية في القارة العجوز.
ويعني ذلك، أن رؤوس أموال ستكون مستعدة للتخارج من دول التكتل والبحث عن مناطق لا تنتشر فيها العنصرية المالية، إذ قد تكون الأسواق الناشئة قبلة مرتقبة لهذه السيولة الهاربة.
في المقابل، لم تنتظر رؤوس أموال انتهاء الحرب حتى تغادر دولا أوروبية، إذ تحولت دبي إلى قبلة مفضلة لدى عديد المستثمرين من روسيا وغيرها، منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
أمام هذه المتغيرات، لم يعد التقدم الصناعي وحده كافيا لرؤوس الأموال، وبعبارة أخرى، لم تعد دول الاتحاد الأوروبي الملاذ الآمن والرابح لرؤوس الأموال الأجنبية، فإذا كان رجال أعمال روسيا اليوم هم الهدف، قد تحل جنسية أخرى مكانهم مستقبلا.
وهنا يبرز السؤال الأبرز في حال تخارج أموال من الاتحاد الأوروبي بشكل متسارع خلال العام الجاري، كيف ستنجح في إعادة إقناع الأجانب بجاذبية الاستثمار على أراضيها؟
تسهيل إجراءات الاستثمار قد يكون هو البديل الأول، وهو أمر متوقع قائم على تعديل قوانين الاستثمار الأجنبي لتكون أكثر جاذبية.
لكن الخيار الآخر، والذي مارسته عديد دول أوروبا خلال العقود الماضية، يتمثل في غض الطرف عن ممارسات غسيل الأموال واستقبال التدفقات غير المشروعة، والتحول إلى عاصمة لما يطلق عليها "الأموال القذرة" وتبييضها.
يقول سلامة: "اليوم أوروبا تعود تدريجيا للفحم الحجري في توليد الطاقة، وتناسوا فكرة الحياد المناخي الذي طالما نادوا به.. نفس الشيء سيحصل في البحث عن الأموال القذرة وتبييضها في بعض دول الاتحاد الأوروبي".
وزاد: "مع ظهور بيانات النمو للربع الأول 2022، ستجد دول الاتحاد الأوروبي أمام تحدي إنعاش الاقتصادي الذي لم يتعافى أصلا من جائحة كورونا.. وليس أمامه سوى البحث عن الاستثمارات الأجنبية مهما كانت وجهة الأموال".
وتابع: "حتى الأموال الروسية قد تكون هدفا لدول الاتحاد الأوروبي من خلال طرق التفافية.. تماما كما يحصل اليوم مع وجهات الغاز الروسي مجهولة الوجهة، والتي غالبا ما تكون متجهة لدول صرحت علنا بتخفيف الاعتماد على الغاز الروسي".
aXA6IDE4LjE4OC4xNDAuMjMyIA==
جزيرة ام اند امز