"مغسلة لندن".. ثغرات قانونية في خدمة الأموال القذرة
حرك تحقيق صحفي لـ"فايننشال تايمز" كثيرا من الجدل حول وضعية لندن في جرائم غسل الأموال، لكنه لم يكن أول إشارة إلى هذا الملف الشائك.
ذكر التحقيق الصحفي أن لندن أصبحت مركزًا للأموال القذرة"، إثر قوانين مليئة بالثغرات ورقابة شبه منعدمة، لكن "روائح هذه الجرائم فاحت" على وقع أزمة أوكرانيا.
وأوضحت أنه يعتقد أن الجزء الأكبر من عمليات غسل الأموال تتم عبر المصارف المتمركزة في مدينة الضباب، التي تعد من أبرز وجهات الراغبين بتبييض الأموال حول العالم.
ويستفيد تجار "الأموال القذرة" من الثغرات القانونية بسهولة، في ظل ضعف الرقابة، حيث تتراوح قيمة الأموال التي يجري تبييضها سنويا في بريطانيا، بين 23 و57 مليار جنيه إسترليني، وفق توقعات منظمات مدنية معنية بمكافحة الفساد.
الجريمة الاقتصادية
لكن تحقيق الصحيفة لم يكن أول من فجر القضية، إذ قالت دراسة أجراها الباحث أولفر بيننت، لصالح البرلمان البريطاني، ونشرت في مكتبة مجلس العموم في 6 أبريل/نيسان الجاري، إن "الحجم الدقيق للجريمة الاقتصادية في المملكة المتحدة غير معروف، ولكن يمكن أن يصل إلى عشرات أو مئات المليارات من الجنيهات الإسترلينية سنويًا".
الدراسة التي اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها، ذكرت أيضا "قاد حجم هذه الجرائم- التي تشمل غسل الأموال والاحتيال والفساد- لجنة الاستخبارات والأمن للقول في تقريرها الصادر في يوليو (تموز) 2020، إن لندن تعتبر (مغسلة) للأموال الفاسدة".
إعادة تدوير
وتابع تقرير لجنة الاستخبارات والأمن أن الإجراءات الحكومية المحدودة لمواجهة هذا الوضع، جلبت نتائج عكسية، وبقيت الوسائل المثالية التي يمكن من خلالها إعادة تدوير التمويل غير المشروع من "مغسلة لندن"، تم استثمار الأموال بعد ذلك في بناء النفوذ عبر نطاق واسع من المؤسسة البريطانية، مثل شركات العلاقات العامة والجمعيات الخيرية والمؤسسات الأكاديمية والثقافية، مما حرك عملية "غسل سمعة" موازية لغسل الأموال.
ولم يقتصر الأمر على الأوليغارشية الروسية، فقد أدى وصول الأموال الروسية إلى لندن، لنمو ما يعرف بـ"صناعة العناصر التمكينية"؛ الأفراد والمنظمات الذين يديرون أموال ومصالح النخبة الروسية في المملكة المتحدة، وفق تقرير لجنة الاستخبارات.
وتابع التقرير "لعب المحامون والمحاسبون ووكلاء العقارات وخبراء العلاقات العامة في لندن، دورًا، عن قصد أو عن غير قصد، في بسط النفوذ الروسي الذي غالبًا ما يرتبط بتعزيز مصالح الدولة الروسية"، مضيفا "تطورت صناعة أمنية خاصة كبيرة في المملكة المتحدة لخدمة احتياجات النخبة الروسية، حيث تحمي الشركات الأمنية البريطانية الأوليغارشية وعائلاتهم، وفي بعض الأحيان تساعد في غسيل الأموال من خلال شركات وهمية خارجية".
غسل الثروة الفاسدة
وفي أكتوبر 2019، سلط تقرير لمنظمة الشفافية الدولية (TI) الضوء على الأنواع المختلفة من "الأنشطة التمكينية" التي تقوم بها الشركات في المملكة المتحدة، والتي يمكن أن تساعد المجرمين على غسل الثروة الفاسدة في لندن.
وتشمل هذه الأنشطة، المعاملات المصرفية، وتكوين الشركات وإدارتها، والمعاملات العقارية وإدارة نمط الحياة مثل المساعدة في الحصول على تأشيرات المملكة المتحدة أو الجنسية، وفق ما نقلته الدارسة عن التقرير.
وفي هذا السياق، قال مدير قسم لندن للأبحاث في منظمة الشفافية الدولية، نايك ماكسويل، لفايننشال تايمز إن كل عمليات تبييض الأموال الدولية، تجري في قطاع المساكن الفارهة، مشيرا إلى إمكانية تبييض كمية كبيرة من الأموال دفعة واحدة بسهولة، من خلال الاستثمار في هذا القطاع.
وتشكل العقارات في مناطق وسط لندن مثل مدينة وستمنستر وكينسينجتون وتشيلسي جزءًا كبيرًا من هذه القيمة.
فيما نقلت الدراسة المعدة لمجلس العموم، عن تقرير برلماني بريطاني آخر، "يمكن القول أن حجم الجرائم المالية، يمكن أن يصل إلى عشرات المليارات من الجنيهات الإسترلينية، وربما مئات المليارات"، و"تنمو بسرعة".
حكومة لا تبالي
ورغم ذلك الوضع القاتم، خلص تقرير المتابعة الصادر عن لجنة الخزانة في البرلمان في فبراير/شباط 2022 إلى أن الحكومة ما زالت لا تعطي الأولوية للجريمة الاقتصادية بشكل كافٍ، وخاصة غسيل الأموال، وفق ما نقلته الدراسة.
يأتي ذلك بسبب افتقاد المملكة المتحدة قواعد عملية وواضحة، رغم كونها مركزا ماليا منفتحاً، في ظل غياب القدرة على التحقـق مـن المعلومـات والمعطيات الخاطئة وإزالتها من السجل.
كما أن الجزر التي احتفظت بها الإمبراطورية البريطانية، مثل "جزر فيرجين" و"جزر القنال" شكلت ملاذا للأمـوال "القذرة" والمجموعـات الوهمية وشركات التحايل والتمويه، وفق فايننشال تايمز.
الأكثر من ذلك، وفق الدراسة المعدة لصالح البرلمان، أن الأجهزة الأمنية النشطة في مكافحة الجرائم المالية، لا تملك الإمكانيات اللازمة لتتبع الكم الهائل من جرائم غسيل الأموال في لندن.
وذكرت الدراسة في هذا الإطار، "تتابع المملكة المتحدة بقوة التحقيقات والملاحقات القضائية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتحقق 1400 إدانة كل عام بتهمة غسل الأموال".
وتابعت "تمتلك سلطات إنفاذ القانون في المملكة المتحدة أدوات قوية للحصول على المعلومات، بما في ذلك من خلال الشراكات الفعالة بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة الجيدة من هذه المعلومات في تحقيقاتها".
وأضافت "لكن تحتاج وحدة الاستخبارات المالية في المملكة المتحدة إلى زيادة كبيرة في مواردها ويحتاج نظام الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة إلى التحديث والإصلاح".
ومضت قائلة "هناك حاجة إلى إصلاح شامل لكيفية الإشراف على معايير غسل الأموال في القطاع الخاص، والإصلاح يشمل المستويات المنخفضة من العقوبات ضد أولئك الذين يتبين أن لديهم أنظمة ضعيفة للدفاع ضد الأموال القذرة".