النظم الغذائية العربية.. تعزيز المرونة لمواجهة صدمات المناخ
دعمت السياسات والابتكارات الزراعية المتعلقة بتغير المناخ التي أدخلتها دول عربية مؤخرًا التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه.
وفقًا لأحدث نشرة مراقبة السياسة الغذائية لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، تصدر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
وتهدف السياسات الجديدة إلى زيادة الإنتاج الزراعي في الظروف المناخية القاسية وتحسين الأمن الغذائي مع تحويل النظم الغذائية لتكون قادرة على الصمود في وجه الصدمات الناجمة عن تغير المناخ.
ويتم تنفيذ ذلك من خلال التقنيات التي تدعم الزراعة ذات البيئة الخاضعة للرقابة، وكفاءة استخدام المياه، وزراعة أصناف مقاومة للجفاف، وإعادة التحريج، واستعادة المراعي، ومراقبة الجفاف، ورقمنة الخدمات الزراعية.
ويقول الدكتور عبد الحكيم الواير، مساعد المدير العام والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا (NENA): "إن زيادة قدرة أنظمة الأغذية الزراعية على الصمود في مواجهة تغير المناخ في المنطقة تتطلب تحسينًا كبيرًا في كمية ونوعية التمويل المناخي نحو قطاعي التكيف والأغذية الزراعية".
مرونة النظم الغذائية في المنطقة والدول العربية يصبح حتميا مع تقلص إنتاج الغذاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب الصراعات وأزمة المناخ المتفاقمة التي تلقي بظلالها على المنطقة.
ففي العراق وسوريا على سبيل المثال، أدى الجفاف الذي طال أمده وآثار النزاعات إلى تقليص المساحات المزروعة وانخفاض إنتاج الغذاء.
وتشمل السياسات والابتكارات الخاصة بالنظم والسياسات الغذائية ثلاثة محاور رئيسية هي مراقبة أسعار المواد الغذائية، وتقييم جودة الغذاء، والسياسات الغذائية والتجارية على النحو التالي:
مراقبة أسعار المواد الغذائية
تستمر معدلات التضخم في أسعار المواد الغذائية في المنطقة العربية في ارتفاع، وتشهد بلدان مثل مصر ولبنان زيادات تتجاوز الـ30% في أسعار المواد الغذائية.
ويضيف انخفاض قيمة العملة وزيادة الدين العام، لا سيما في البلدان غير المصدرة للنفط، المزيد من التحديات إلى حالة الأمن الغذائي في المنطقة.
ومن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم إلى 6.6% في عام 2023، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
تزيد تداعيات التغير المناخي الأوضاع المتعلقة بأسعار الغذاء تعقيدا، فعل سبيل المثال يتعرض إنتاج الحبوب في منطقة المغرب العربي لتهديد خطير هذا الموسم حيث تؤثر ظروف الجفاف الواسعة سلبًا على غلات المحاصيل، مما سيزيد من الطلب على واردات الحبوب.
وتعتمد معظم دول المنطقة على الواردات الغذائية بسبب عدم كفاية الإنتاج المحلي، مما يعرض سكانها لخطر تقلبات الأسعار العالمية، والتي تأثرت سلباً بالحرب في أوكرانيا، فضلاً عن اضطرابات سلاسل التوريد والكوارث الطبيعية.
ويقول كبير الاقتصاديين ببرنامج الأغذية العالمي عارف حسين: "إن اعتماد المنطقة على الواردات الغذائية يعني أن الملايين من الناس -وخاصة الأشد فقراً- معرضون للخطر عندما تتسبب الصدمات الداخلية أو الخارجية في ارتفاع أسعار المواد الغذائية. باتت الأسر غير قادرة على توفير ما يكفيها من الغذاء اليومي بسبب ارتفاع معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية وانهيار العملات وركود المداخيل".
ويؤكد البرنامج أن أسعار المواد الغذائية العالمية لا تزال عند أعلى مستوياتها منذ 10 سنوات على الرغم من انخفاضها بشكل طفيف في الأشهر الأخيرة.
وأضاف السيد حسين: "لن تؤثر هذه التقلبات على تضخم أسعار الغذاء محلياً في البلدان التي تواجه مزيجاً ساماً من تراجع أسعار عملاتها والتضخم المرتفع".
ويقول كين كروسلي، المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في سوريا: "في عام 2019 كان دخل الأسرة السورية المتوسطة يكفي لشراء أكثر من ضعف ما تحتاجه من الغذاء شهرياً. في الوقت الحالي، الدخل الذي لم يرتفع يمكنه فقط شراء ربع ما تحتاجه الأسرة".
وتوصي منظمات الأمم المتحدة المعنية بالغذاء والمناخ باتخاذ إجراءات من قبل الحكومات والمنظمات الدولية والدول المانحة لمعالجة مسألة الأمن الغذائي في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك زيادة التمويل للمساعدات الإنسانية ودعم المزارعين المحليين لتعزيز إنتاج الأغذية ومعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراعات وعدم الاستقرار في المنطقة.
مراقبة الأسعار تمثل ضمانة كذلك للسلام الاجتماعي والاستقرار، فعل سبيل المثال شهدت بلدان عربية بينها تونس ولبنان والعراق ارتفاعا كبيرا في أسعار الوقود تلته ارتفاعات صاروخية أخرى لأسعار المواد الغذائية من خضر وفواكه ولحوم ودواجن وأسماك وبيض وزيوت وغيرها.
قادت تلك الارتفاعات في أسعار المواد الغذائية وغيرها من المنتجات وعلى رأسها مشتقات البترول لاحتجاجات اجتماعية طالبت الحكومات بالتدخل للحد من ارتفاع الأسعار.
وفي المغرب اتهم مهنيون في قطاع الزراعة إن المضاربين والمحتكرين بالتسبب في ارتفاع الأسعار في ظل ضعف مراقبة الأسعار من طرف الأجهزة الرقابية الحكومية، وفقا لتقارير محلية.
تقييم جودة وسلامة الغذاء
يعد تقييم جودة وسلامة الغذاء سمة مهمة في عملية تطوير المنتجات الغذائية الجديدة، وذلك لأن الجودة لها آثار على السلامة والمحتويات الغذائية وإمكانية التتبع والقيمة السوقية للأغذية.
وأصبح من المهم بمكان استخدام الأدوات التحليلية المتقدمة لتوصيف السمات الجزيئية للمواد الغذائية بشكل كامل ومراقبة الاختلافات المحتملة في الجودة.
وتعد النُظم الفعالة للرقابة على الأغذية في العديد من البلدان العربية منها الإمارات والسعودية وقطر أمر ضروري لحماية صحة المستهلكين المحليين وضمان سلامتهم.
وهذه النُظم أيضاً حاسمة في تمكين البلدان من ضمان سلامة وجودة الأغذية التي تدخل التجارة الدولية وضمان اتفاق الأغذية المستوردة مع الاشتراطات الوطنية.
وتفرض بيئة تجارة المنتجات الغذائية العالمية في الوقت الحاضر التزامات كبيرة على كل من البلدان المستوردة والمصدرة حتى تُعزز نُظم الرقابة على الأغذية لديها وحتى تُطبق وتُنفذ استراتيجيات للرقابة على الأغذية استناداً إلى تقييم الأخطار.
وتلعب جمعيات حماية المستهلك والرقابة الأهلية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني جانبا مهما في تقييم جودة الغذاء في بلدان عربية مثل مصر وبلاد المغرب العربي.
كما أن ثورة وسائل الاتصال واتساع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي عالميا خلق بعدا جديدا للرقابة يمثل ضغوطا على الحكومات للقيام بدورها المنوط بها للحفاظ على صحة مواطنيها فيما يتعلق بالغذاء.
وقد أصبح المستهلكون في البلاد العربية يهتمون اهتماماً غير مسبوق بطريقة إنتاج الأغذية وتجهيزها وتسويقها، وتتزايد مطالباتهم بأن تتحمل الحكومات مسؤولية أكبر لحماية المستهلك وضمان سلامة الأغذية.
ويشار في هذا الصدد إلى أن دولة الإمارات تصدرت ترتيب الدول العربية والـ 26 على العالم على مؤشر الأمن الغذائي الصادر عن مؤسسة "Deep Knowledge Analytics" خلال 2022، ، تليها قطر في المرتبة الثانية عربيًا و29 عالميًا، ثم البحرين في الترتيب الثالث عربيًا و30 عالميًا وعمان في المركز 41 والجزائر 43 ثم السعودية 44 على مستوى العالم.
وعلى نفس المؤشر حلت الكويت في المركز السابع على مستوى المنطقة العربية و47 عالميا، تلاها المغرب الثامن عربيًا و63 عالميا ثم تونس التاسعة عربيًا و64 عالميا، فالأردن في المركز العاشر عربيًا و76 عالميا.
في الجانب الآخر، تذيّل الصومال الترتيب ليصبح الأكثر ضعفًا بين الدول العربية وعلى صعيد العالم أيضًا، يليه السودان في المركز الثاني، ثمّ اليمن وموريتانيا وسوريا وجيبوتي وليبيا على الترتيب، وحلّ العراق في المركز 8 في ترتيب الدول العربية الأكثر ضعفًا على مؤشر الأمن الغذائي تليه جزر القمر وغزة والضفة الغربية، وحلّ لبنان في المركز 12.
السياسات الغذائية والتجارية
تشمل السياسات الغذائية والتجارية الأخيرة التي تم تبنيها في المنطقة تعزيز تدابير شبكة الأمان الاجتماعي.
ومع ذلك ، في بعض الحالات ، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الدولية وانخفاض قيمة العملة المحلية، ارتفع سعر المواد الغذائية الأساسية المدعومة.
وتضمنت إجراءات تحرير التجارة رفع حظر التصدير وقيود التصدير ، وإلغاء رسوم الاستيراد ، وإدخال تدابير تيسير التجارة ، والاستثمار في اللوجستيات لتسهيل الاستيراد والتصدير.
تضمنت القيود التجارية الإبقاء على حظر تصدير جديد أو فرضه، وتقييد الواردات لحماية السوق المحلية، ورفع التعريفات الجمركية على الواردات.
وواصلت بلدان عربية تنويع علاقاتها التجارية الزراعية لتحسين الأمن الغذائي وفتح مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، رغم قلص إنتاج الغذاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب الصراعات وأزمة المناخ المتفاقمة التي تلقي بظلالها على المنطقة.
في العراق وسوريا على سبيل المثال، أدى الجفاف الذي طال أمده وآثار النزاعات إلى تقليص المساحات المزروعة وانخفاض إنتاج الغذاء.
ويقول أحمد مختار ، كبير الاقتصاديين في المكتب الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة: "نحن بحاجة إلى التركيز على التجارة كعامل تمكين للأمن الغذائي ، وخاصة على تعزيز التجارة البينية الإقليمية".
وتظل الصدمة المناخية التي يعيشها العالم والمنطقة العربية بشكل خاص دافعا لمزيد من المرونة في السياسات والنظم الغذائية خاصة أنه وفقا ل الدكتور عبد الحكيم الواير فإن: "بلدان الشرق الأدنى وشمال إفريقيا هي من بين أكثر المناطق ضعفًا ، وأكثرها إجهادًا مائيًا ، والأقل مقاومة للمناخ ، إلا أنها أيضًا من بين البلدان التي تتلقى أقل قدر من التمويل المناخي الموجه نحو الزراعة واستخدام الأراضي".
وتؤكد كورين فلايشر، المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا على ضرورة زيادة الاستثمار في الزراعة من قبل جميع حكومات المنطقة.
وقالت: "هذه استراتيجية طويلة الأجل لن تساعد الفقراء على التكيف مع ارتفاع الأسعار الآن، ولكنها ستؤتي ثمارها بعد عدة سنوات".