تسييس المونديال.. قضايا الشرق الأوسط في نهائيات كأس العالم بروسيا
في دراسة جديدة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تتأكد علاقة كرة القدم بالسياسة وتأثيرها على مقدرات الساحرة المستديرة.
دائمًا كانت السياسة حاضرة في الفعاليات الرياضية، خاصة المتعلقة بكرة القدم، حيث كانت تعبر -في كثير من الأحيان- عن اتجاهات التعاون والصراع بين الدول المشاركة فيها. بل إنها كانت سببًا في اندلاع أزمات سياسية وصراعات مسلحة في أوقات مختلفة، على غرار ما حدث بين السلفادور وهندوراس عام 1969، والأزمة السياسية التي اندلعت بين مصر والجزائر عام 2010. لكن ربما لم تصل العلاقة بين المتغيرين إلى هذا المستوى من التأثير مثلما تبدو في الوقت الحالي مع اقتراب افتتاح مونديال روسيا في 14 يونيو/حزيران الجاري الذي يمتد حتى 15 يوليو/تموز 2018.
في ملف خاص نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، بعنوان "تسيس الرياضة"، تشير الدراسات والمقالات إلى أن نهائيات كأس العالم في روسيا 2018 تمثل ساحة معبرة عن تفاعلات إقليم الشرق الأوسط، بدرجة كبيرة، سواء فيما يخص مقاطعة فرق دول بعينها خوض المباريات الودية التي تسبق المسابقة الدولية مع دول منبوذة مثل إسرائيل وإيران، أو رغبة بعض الدول في تحسين العلاقات مع دول أخرى على نحو ما هو قائم بالنسبة لعلاقات الشيشان، أو تصاعد الخلاف حول بث مباريات المونديال، أو توجيه الولايات المتحدة تهديدات للدول المنافسة على استضافة المونديال القادم.
مؤشرات عاكسة
تتمثل أهم المؤشرات التي تكشف عن تصاعد تأثير الأحداث السياسية على الفعاليات الكروية المرتبطة بمونديال روسيا في:
1- إلغاء الأرجنتين مباراة ودية مع إسرائيل، وذلك استعدادًا للمشاركة في نهائيات كأس العالم في روسيا، حيث كان مقررًا أن تُجرَى المباراة في القدس في 9 يونيو/حزيران الجاري، وأعلن الاتحاد الأرجنتيني لكرة القادم إلغاءها بسبب الإجراءات القمعية التي تقوم بها إسرائيل ضد الاحتجاجات الفلسطينية المتواصلة.
وقد دفع ذلك ما يسمى "حركة مقاطعة إسرائيل" BDS إلى إصدار تقرير يتضمن النتائج التي فرضتها حملة المقاطعة التي قامت بتنظيمها للتنديد بالسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وجاء في مقدمتها إلغاء المباراة الودية بين الأرجنتين وإسرائيل، بجانب إلغاء المطربة العالمية شاكيرا حفلها الذي كان من المقرر تنظيمه في يوليو/تموز المقبل.
وقال وزير الخارجية الأرجنتيني جورج فوري، في 7 يونيو/حزيران الجاري، إن مكتبه قدم نصيحة إلى اتحاد كرة القدم الأرجنتيني تحثه على عدم تنظيم المباراة، وذلك نظرًا للحساسية التي أنتجها قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالأخيرة عاصمة لإسرائيل.
2- إخفاق إيران في تنظيم مباريات ودية لمنتخبها استعدادًا للمونديال، وذلك بعد اعتذار بعض الدول، على غرار اليونان وكوسوفا، إلى درجة دفعت مدرب المنتخب الإيراني كارلوس كيروش إلى تأكيد أن "لا أحد يريد أن يلعب معنا"، مفسرًا ذلك بأنه نتيجة "مشكلات سياسية" تواجهها إيران.
واتجهت إيران إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد اليونان، في أول يونيو/حزيران الجاري، حيث أعلنت تجميد العلاقات الكروية مع الأخيرة، وتقديم شكوى إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في هذا الصدد، بعد أن عزفت الأخيرة عن المشاركة في المباراة التي كان مقررًا لها اليوم التالي.
واللافت هو أن بعض الاتجاهات داخل إيران اعتبرت أن ذلك كان نتيجة طبيعية للسياسات التي يتبناها النظام الإيراني، التي تزيد من احتمالات تعرض إيران لمرحلة جديدة من العزلة على كل المستويات بما فيها الأنشطة الرياضية، بعد أن أصر على انتهاك بنود الاتفاق النووي، وتطوير برنامج الصواريخ الباليستية، وتعزيز الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة من خلال تقديم الدعم المالي والعسكري للتنظيمات الإرهابية الموجودة في دول الأزمات.
3- حرص الرئيس الشيشاني رمضان قديروف على استغلال المونديال لتأسيس علاقات أقوى مع مصر والسعودية، خاصة أن العاصمة الشيشانية جروزني تستضيف المنتخب المصري المشارك في النهائيات في المجموعة نفسها التي تضم السعودية وروسيا. وبدا ذلك جليًّا في الاهتمام الخاص الذي أبداه "قديروف" بالظهور في تدريبات المنتخب المصري استعدادًا للمباريات الرسمية.
4- توجيه الولايات المتحدة تهديدات لبعض الدول المنافسة على استضافة مونديال 2026، الذي أعلنت نتائجه في 13 يونيو/حزيران الجاري في روسيا قبيل افتتاح المونديال بيوم واحد، حيث تقدمت المغرب بملف ترشيحها في مقابل ملف ثلاثي تُشارك فيه الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. وقد وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديدات مباشرة إلى الدول المنافسة بأنه في حال عدم دعمها للملف الثلاثي فإن ذلك سيضطر واشنطن إلى إعادة النظر في دعمها.
اعتبارات متعددة
ربما يمكن تفسير تصاعد مستوى هذا الارتباط بين الملفات الإقليمية ومونديال روسيا 2018 في ضوء اعتبارات عديدة هي:
1- قوة الضغوط السياسية، التي دفعت الأرجنتين إلى تفضيل عدم المشاركة في المباراة الودية مع إسرائيل، باعتبار أن عامل الوقت يمكن أن يفرض تداعيات سلبية على مصالحها، في ضوء تزامن المباراة مع المواجهات المستمرة بين الجيش والشرطة الإسرائيليين والمحتجين الفلسطينيين.
بدورها، كانت إسرائيل تسعى إلى تحسين صورتها الدولية عبر تلك المباراة، في ظل الحملات الدولية التي تعرضت لها نتيجة القمع المستمر الذي تنتهجه في التعامل مع الاحتجاجات الفلسطينية، كما أنها كانت تعتبر أن مثل هذه الفعاليات يمكن أن تسهم في دفع دول أخرى إلى اتخاذ خطوات داعمة لاعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، على غرار ما قامت به الولايات المتحدة.
وقد دفع ذلك وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان إلى توجيه انتقادات حادة للقرار الأرجنتيني، معتبرًا أن الأرجنتين خضعت في النهاية لـ"ضغوط الذين يضمرون الكراهية لإسرائيل".
2- تزايد تأثير النهج الأمريكي، حيث ترى اتجاهات عديدة أن السياسة الأمريكية بدأت تفرض على بعض الدول ضرورة اتخاذ خطوات عديدة لتحاشي الدخول في خلاف مع الأخيرة، على نحو بدا جليًّا في عزوف بعض الدول عن تنظيم مباريات ودية مع إيران استعدادًا لنهائيات كأس العالم التي تشارك فيها الأخيرة ضمن المجموعة الثانية التي تضم معها كلًّا من إسبانيا والبرتغال والمغرب التي قطعت العلاقات الدبلوماسية معها منذ بداية مايو/أيار الفائت بسبب دعمها لجبهة البوليساريو.
وقد توازى ذلك مع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، وإعادة فرضها العقوبات الأمريكية على إيران، في 9 يونيو/حزيران الجاري، وهي العقوبات التي تسببت في خروج كثيرٍ من الشركات الأجنبية العاملة في إيران من السوق الإيرانية حرصًا على مصالحها واستثماراتها في الولايات المتحدة نفسها، التي وصلت عقوباتها إلى "الأحذية" التي سيرتديها اللاعبون الإيرانيون في المونديال، بعد أن قررت شركة "نايكي" عدم إمدادهم بها استجابة للعقوبات الأمريكية.
2- تطوير العلاقات السياسية، وهو النهج الذي يتبناه رئيس الشيشان رمضان قديروف، المقرب من الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، حيث يسعى -حسب تقرير لصحيفة "الجارديان" البريطانية- إلى تكوين صورة إيجابية عنه لدى الدول العربية باعتباره همزة التواصل بينه وبين روسيا.
3- منع احتكار الدوحة، خاصة فيما يتعلق باحتكار بث الفعاليات الرياضية العالمية، حيث ترى بعض الاتجاهات أن ذلك لا ينفصل عن قرارات المقاطعة التي اتخذتها الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب والداعمة للاستقرار الإقليمي، باعتبار أن تلك القرارات تهدف إلى دفع الدوحة نحو تغيير سياستها باتجاه وقف دعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية في المنطقة وتعزيز حالة الفوضى وعدم الاستقرار في الإقليم.
وفي النهاية، يمكن القول إن هذا الارتباط بين الفعاليات الرياضية والقضايا السياسية سوف يتزايد خلال المرحلة المقبلة، في ظل تشابك الملفات وتعقّد مصالح القوى المعنية بالأزمات الإقليمية في المنطقة، على نحو سوف يظهر بشكل واضح خلال نهائيات كأس العالم في روسيا وما بعدها.
aXA6IDMuMTMzLjEyOC4xNzEg جزيرة ام اند امز