تبدأ اليوم في إمارة دبي أعمال القمة العالمية للحكومات 2024، وذلك على مدى ثلاثة أيام (12-14 فبراير/شباط) تحت شعار "استشراف حكومات المستقبل".
جذبني شعار القمة بكلماته الثلاث: الاستشراف، والحكومة، والمستقبل. فبذلك المثلث تعطي القمة العالمية للحكومات إشارة في منهج التفكير في المشكلات بأنها تتركز في التحديات الحالية التي تستغرق معظم اهتمامات القمم العالمية ومنها القمة الحكومية السنوية، لتنتقل إلى مرحلة جديدة في الرؤية الشاملة لإدارة الحياة ولمستقبل العالم.
ومن هنا جاء اختيار ذلك المثلث لتكوين شعار القمة الحالية 2024، فالإطار العام لهذه المرحلة هو "الاستشراف" أي الاستدعاء المبكر والمسبق للمستقبل من خلال توقعه ووضع احتمالاته وسيناريوهاته المختلفة. فالاستشراف هنا يعني الاستعداد الفوري القائم على الدراسة والمعرفة بما قد يشهده العالم لاحقاً.
الضلع الثاني في ذلك المثلث، هو الحكومة. ودلالة الاختيار هنا واضحة ومباشرة، حيث الحكومات هي السلطة الرسمية والشرعية في إدارة البلدان وقيادة الشعوب نحو التنمية والتطور والازدهار. كما أن مفهوم الحكومة يعني تلقائياً إعلاء قيمة وتأكيد أهمية الدولة الوطنية غير القابلة للبقاء ما لم تكن لها حكومة تقود قاطرتها.
وهو ما يؤكد بدوره عودة الدولة بطبيعتها الرسمية إلى مكانتها الأصلية كلاعب أساسي وطرف أصيل وأحياناً وحيد في ضمان الاستقرار والتقدم للعالم. ولا ينتقص ذلك من أهمية أو دور اللاعبين غير الحكوميين، سواءً منظمات دولية أو شركات أو مؤسسات المجتمع المدني أو غيرها من الفاعلين في العالم المتداخل والمفتوح على بعضه.
لكل من هؤلاء الفاعلين قيمته ودوره وأهميته، لكنه محكوم أيضاً بحدوده وإمكاناته وصلاحياته. بينما تظل الحكومات هي المنسق والراعي والملكة التي يتحرك ويعمل كل هؤلاء معاً بإشرافها ومتابعتها. فالحكومة هي المايسترو الذي يقود أوركسترا العالم.
وتأتي كلمة "المستقبل" لتضع المفهوم المجرد للحكومة في نطاق محدد، يبتعد بها عن الأطر التقليدية والأشكال السابقة التي أدت مهمتها واستنفدت أغراضها. ليصبح المفهوم متعلقاً تحديداً بالحكومات المعنية والمؤهلة والقادرة على قيادة الشعوب في الوقت الحالي وليس كما كانت في الماضي.
وبمراجعة أجندة وفعاليات القمة العالمية للحكومات 2024، نجد فيها تجسيداً لتلك الدلالات الثلاث في شعارها "الاستشراف"، و"الحكومة"، و"المستقبل". إذ تضم أعمال القمة 15 منتدى حوارياً تغطي مختلف القطاعات المهمة والرئيسية في التنمية الشاملة ومستقبل العالم. فتغطي مجالات الصحة والتعليم والتكنولوجيا والاتصالات والفضاء والذكاء الاصطناعي والعمالة والتشغيل والخدمات العامة وريادة الأعمال، وغيرها.
وعلى الرغم من محورية دور الحكومة كمنسق وراعٍ ولاعب جوهري وطرف أصيل، تتقاطع في تلك المجالات أعمال وأدوار القطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية مع الدور الأساسي للحكومات، ولذلك فإن القمة ليست مقصورة على الحكومات وحدها، وإنما تشارك فيها منظمات دولية، ومؤسسات عالمية خصوصاً في مجال التكنولوجيا، وشركات تصنيع ضخمة وكيانات تعمل في سلاسل التوريد. وعلى سبيل المثال، فإن "صندوق النقد الدولي" إحدى كبرى مؤسسات التمويل الدولية، يشارك في القمة ممثلاً برئيسته كريستالينا غورغييفا التي شهدت أمس انعقاد منتدى المالية العامة للدول العربية.
ولا حاجة إلى تأكيد أن رعاية وتنظيم دولة الإمارات للقمة العالمية للحكومات، هي قوة الدفع الأساسية لنجاح دورات تلك القمة وتطورها وزيادة مساحة تأثيرها وأهميتها ليس فقط في مستقبل العالم، وإنما أيضاً في حاضره. وأكتفي بالإشارة إلى فعالية واحدة من منظومة فعاليات القمة وأعني بها "حوار أبوظبي" الذي يجري تنظيمه سنوياً منذ 15 عاماً ويمثل آلية للتشاور في ملفات مهمة وحياتية.
إن في هذه الفعاليات المتنوعة والمشاركات المتقاطعة، دليل كاشف على أن العالم لا يمكن أن يعمل في جزر منعزلة، وأن دلالة استشراف محورية دور الحكومات في المستقبل، تعني بالضرورة أن تكون الحكومة حجر الزاوية في مستقبل العالم، لكنه ليس الوحيد. حيث لا يمكن الاستغناء عن أدوار تلك المكونات الأخرى والعناصر الفاعلة في المنظومة العالمية المستقبلية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة