لم تمض ساعات قليلة على إعلان حكومة نتنياهو اليمينية عن اتهامها لنحو 12 موظفاً من العاملين بالأونروا في غزة، بالاشتراك في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل، حتى بادرت أمريكا و15 دولة غربية، بإيقاف تمويلاتها للمنظمة، بحجة مساهمة الموظفين في أعمال إرهابي
وكان اللافت في هذه القرارات الغربية، هو أن تحقيقاً مستقلاً لم يتم حول هذا الاتهام، وبالطبع لم تجر أية محاكمة لأي شخص منهم صدرت عنها أحكام بالإدانة، لكن الأمر اقتصر على التصديق الغربي الرسمي الكامل والمطلق للاتهامات الإسرائيلية، وتغيرت القاعدة القانونية المستقرة في دول الغرب، لتصبح: "المتهم مدان بمجرد اتهامه، حتى لو لم تثبت إدانته".
وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، فور صدور هذه القرارات أنها ستضطر لوقف كل أنشطتها المستمرة منذ عام 1949، بحد أقصى في شهر مارس/آذار المقبل، نظراً لانهيار قدراتها المالية بسبب هذا الإيقاف الأمريكي والغربي للتمويل.
وذكراً للحقيقة، فإن كلا من إسبانيا والنرويج رفضتا وقف التمويل، بينما علق الاتحاد الأوروبي وسويسرا وفرنسا التمويل لحين إجراء تحقيق مستقل وظهور نتائجه.
ومع اتضاح حجم الكارثة الإنسانية التي ستسببها قرارات وقف التمويل وارتفاع أصوات رافضة لها من حكومات ومنظمات مجتمع مدني، قرر الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل لجنة مستقلة برئاسة وزير خارجية فرنسا للتحقيق في الاتهامات الإسرائيلية للوكالة الأممية.
وحتى تظهر نتائج التحقيق، فإن التطرق للتعريف بحقيقة هذه الوكالة وأدوارها المركزية في دعم اللاجئين الفلسطينيين، يبدو أمراً ضرورياً.
وبحسب الموقع الرسمي للوكالة، فهدفها هو: "المساعدة والحماية وكسب التأييد للاجئي فلسطين في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك إلى أن يتم التوصل إلى حل لمعاناتهم".
وقد تأسست الوكالة في أعقاب حرب عام 1948، بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين، على أن يتم تجديد عملها كل 3 سنوات، وهو ما استمر حتى اليوم في ظل غياب حل للقضية الفلسطينية.
وتعرف الوكالة هؤلاء اللاجئين بأنهم "أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو/حزيران 1946 ومايو/أيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948.
ويتم تمويل الأونروا بشكل كامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتشمل خدماتها "التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير، والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح".
وبحسب تعريفها لنفسها، "تعد الأونروا فريدة من حيث التزامها الطويل الأجل لمجموعة واحدة من اللاجئين، وقد ساهمت في رفاه 4 أجيال من لاجئي فلسطين وفي تحقيق تنميتهم البشرية"، وكان عدد هؤلاء عند إنشائها يقارب 750,000 لاجئ فلسطيني، أصبحوا اليوم قرابة ستة ملايين منهم ومن ذريتهم، يحصلون على خدمات الوكالة.
ويعيش ثلث اللاجئين الفلسطينيين المسجلون لدى الأونروا، في 58 مخيما معترف به للاجئين في كل من الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، بينما يعيش الثلثان الآخران منهم داخل المدن والقرى وحولها في البلدان المضيفة، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة.
أي أن الأونروا تضطلع برعاية وإعاشة نحو 40% من إجمالي الشعب الفلسطيني حول العالم، وهم هؤلاء اللاجئين منه.
وهنا تظهر حقيقة الموقف الإسرائيلي من الوكالة. فاستمرار الوكالة الفريدة من نوعها في أدوارها تجاه هؤلاء في انتظار حل قضيتهم، يعني الاعتراف الأممي بأن أوضاعهم الحالية "مؤقتة" وأن لهم "حق العودة" لأراضيهم داخل فلسطين والتي أجبر أجدادهم على مغادرتها بالقوة، وهذا هو الشق السياسي الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل.
ويبدو واضحاً تأثير هذا الشق السياسي على قرارات وقف تمويل الوكالة بحجة الإرهاب، حيث إن الوكالة يعمل بها حول العالم قرابة 30 ألف موظف، منهم في غزة وحدها نحو 12 ألفاً، واتهمت الحكومة الإسرائيلية 12 شخصاً منهم فقط بالإرهاب، فسارعت تلك الدول بإيقاف تمويلها للمنظمة.
في ظل كل ما سبق، فإن الحفاظ على الأونروا ليس فقط واجبا إنسانيا يقتضيه الحفاظ على حياة 6 ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في أوضاع شديدة القسوة، وهي أصبحت قاتلة لمن يعيشون منهم في قطاع غزة في ظل العدوان الإسرائيلي الدموي عليهم، ولكنه أيضاً ضرورة سياسية بالحفاظ على الوكالة الأممية التي تعد رمز "حق" الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة على "جزء" من أرضه التي أجبر على مغادرتها، وهي الأراضي التي كانت له قبل احتلال إسرائيل لها في 5 يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
diaarashwan@gmail.com
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة