"مفوضية المصالحة" بجنوب السودان.. دور حقيقي أم إجراء شكلي؟
جاء حديث رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، حول إنشاء مفوضية "المصالحة والحقيقة" بمثابة نافذة نور في آخر نفق "السلام المنشط".
نافذة يأمل أبناء هذا البلد، أن تشع دورا حقيقيا لا "إجراء شكليا" لاستكمال بنود الاتفاق الموقع عام 2018.
ومطلع العام الجديد، قال سلفاكير، في خطاب، إن الحكومة ستنشئ مفوضية المصالحة والحقيقة التي نصت عليها اتفاقية السلام، بنهاية شهر يناير/كانون الثاني الجاري.
خطوة عدّها محللون واحدة من البشريات السياسية التي أثارت نقاشات جدية وجديدة حول عملية السلام والمصالحة ولجان الحقيقة، بعد ثمانية أعوام من اندلاع الحرب الأهلية عام 2013.
ويعرف جنوب السودان الذي انفصل عن دولة السودان عام 2011، حربا أهلية انطلقت في 2013 حين اتهم الرئيس سلفاكير ميارديت نائبه السابق رياك مشار بتدبير انقلاب ضده.
غير أن اتفاق السلام الموقع في سبتمبر/أيلول عام 2018، نجح في إحداث تراجع كبير للمعارك دون أن تتوقف بشكل كامل.
وأكد سلفاكير في كلمته التي نقلها التلفزيون الرسمي، على أهمية البدء في عملية المصالحة حتى يعرف الناس ماذا حدث أثناء الحرب التي شهدتها البلاد، سنة 2013.
ورغم تأخر الخطوة فإن البعض اعتبر أنها ستكون المدخل الحقيقي لاستدامة السلام بالبلاد، لأن الجروح التي سببتها الحرب تحتاج لعملية مصالحة حقيقية تعيد ترميم النسيج المجتمعي الذي أضرت به الحرب بشكل كبير.
خطوة مهمة ولكن
الكاتب والمحلل السياسي، شان ديل دوت، قال إن إعلان الرئيس سلفاكير بتكوين مفوضية المصالحة الوطنية، يعتبر خطوة مهمة لتنفيذ أحد البنود المهمة في اتفاقية السلام المنشطة وإعادة الاستقرار لجنوب السودان.
وأضاف دوت، في حديث لـ"العين الإخبارية": "المشكلة ليست في تكوين المفوضية، فالمعضلة تكمن في آليات تكوين المفوضية والقوانين التي من شأنها أن تساعد في تحقيق عملية المصالحة المنشودة، بعد الانقسامات التي وقعت بين مكونات جنوب السودان نتيجة الخلافات السياسية التي نشبت بين قيادات حزب الحركة الشعبية الحاكم نتيجة للصراع حول السلطة عام 2013".
وأبدى تخوفه من أن يكون مصير مفوضية المصالحة والحقيقة أشبه بمفوضية محاربة الفساد التي لم تتمكن من محاكمة المتورطين في قضايا الفساد منذ تكوينها.
ونصّت اتفاقية السلام المنشطة الموقعة بين الحكومة وفصائل معارضة، على إنشاء مفوضية للمصالحة والحقيقة تكون مهمتها إرساء عملية واسعة للمصالحة بين مكونات جنوب السودان التي قادت الحرب الأخيرة إلى تقسيمها على أسس إثنية ومناطقية نتيجة للصراع بين الحكومة والمعارضة المسلحة وما ترتب عليه من استهداف للمدنيين العزّل على أساس الهوية العرقية.
مصالحة حقيقية
بدوره، قال أدموند ياكاني، رئيس منظمة تنمية المجتمع والناشط في قضايا السلام والمصالحة، إن "مجتمعات جنوب السودان لن تتعافى من وصمة الحرب وأعمال العنف ما لم تقم مصالحة حقيقية قائمة على الاعتراف وتضميد الجراح".
وأضاف ياكاني، في بيان وصلت "العين الإخبارية" نسخة منه اليوم: "الإرادة السياسية والرغبة الجادة هما المدخل الأساسي لتحقيق المصالحة القائمة على الحقيقة لمداواة الجراح".
ونوّه بأن "النسيج الاجتماعي لجنوب السودان بات ممزقا بدرجة كبيرة بسبب الحرب التي اندلعت عام 2013، وبدون أن تكون هناك مصالحة حقيقية قوامها الحقيقة والاعتراف فإن إمكانية تعافي البلاد من أزماتها ستكون شبه مستحيلة".
محاكمات عادلة
من جانبه، يرى تيكواج بيتر، الباحث في العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن حديث سلفاكير عن إنشاء مفوضية المصالحة والحقيقة "يستحق الإشادة، على الرغم من تأخر الخطوة التي نصت عليها اتفاقية السلام المنشطة".
وفي حديث مع "العين الإخبارية"، قال: "كان يفترض أن يتم إنشاء هذه المفوضية بعد ثلاثة أشهر من تكوين الحكومة الانتقالية، بالإضافة لإنشاء المحكمة الهجينة".
مضيفا "وقد نص الاتفاق على وجود تعاون بينهما بجانب المؤسسات الإقليمية والدولية، فلا يمكن الحديث عن المصالحة دونما أن تكون هناك محاكمات عادلة للذين ارتكبوا جرائم وانتهاكات ضد حقوق الإنسان أثناء فترة الحرب، ومن ثم تعويض المتضررين".
وأشار بيتر إلى تخوفه من أن تكون الخطوة التي أقدم عليها سلفاكير مجرد "إجراء شكلي"؛ لأن عملية المصالحة وتحقيق العدالة "لا تصب في مصلحة القيادات السياسية الحالية بجنوب السودان، مثلما أنها تهدد بقاءهم في مناصبهم وتشكل في نفس الوقت خطرا على مستقبلهم السياسي".
ويعود مقترح تكوين مفوضية المصالحة والحقيقة الذي تم تضمينه في اتفاق السلام المنشط عام 2018، إلى تقرير اللجنة التي كوّنها الاتحاد الأفريقي برئاسة الرئيس النيجيري الأسبق أوباسانغو، للتقصي حول الأحداث التي شهدتها جنوب السودان في 2013.
وأوصى آنذاك بضرورة إجراء مصالحة وطنية شاملة بين كافة المكونات في جنوب السودان، تسبق عملية العدالة الانتقالية وتكوين المحكمة الهجين لمحاكمة الأشخاص المتورطين في "انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب".
ومنذ التوقيع على اتفاق السلام المنشط بين الحكومة والمعارضة المسلحة، لم تستطع الأطراف بعد مرور عامين على تكوين الحكومة الانتقالية الجديدة من تنفيذ الإصلاحات المنصوص عليها، والبنود المتعلقة بعملية المصالحة والمساءلة وجبر الضرر والتعويض والعدالة الانتقالية.