أردوغان من "المتوسط" إلى "الأحمر".. مسار مسموم
متاهة نفوذ تكشف أطماع أردوغان في أفريقيا، بدءا من شمال القارة الواقع على البحر المتوسط، وصولا إلى دول الشرق الواقعة على البحر الأحمر
من البحر الأحمر إلى المتوسط، تحاول تركيا فرض سياسة الأمر الواقع، سواء عبر الالتفاف على القوانين الدولية، أو عبر تكثيف وجودها العسكري، سعيا نحو التموقع في ساحة تمثل نطاقا حيويا للأمن الإقليمي والدولي.
متاهة نفوذ تكشف حقيقة أطماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أفريقيا، بدءا من شمال القارة الواقع على ضفة البحر الأبيض المتوسط، وصولا إلى دول الشرق الواقعة على شواطئ البحر الأحمر.
الصومال بمرمى أطماع أردوغان
في يناير/كانون الثاني الماضي، قال أردوغان إن الصومال دعا بلاده إلى التنقيب عن النفط في مياهه الإقليمية، دون ذكر أي تفاصيل إضافية.
وسرعان ما ظهرت حقيقة أطماع أردوغان في الصومال، حيث نشرت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية، في 29 أبريل/ نيسان الماضي، تقريرا قالت فيه إن أردوغان يسعى لنهب ثروات الصومال من النفط والمواد الهيدروكربونية، عبر زعم أنقرة أنها شريك استراتيجي لمقديشو.
لكن الحقيقة، وفق الصحيفة الفرنسية، تشي بأن حقول النفط هي الدافع الرئيسي لتقارب أردوغان مع نظام عبدالله فرماجو، في وقت لم تفلح فيه أنقرة في الوصول إلى اكتشافات تجارية لعمليات تنقيبها عن مصادر الطاقة داخل حدودها.
هذه التطورات التي أوردتها وسائل إعلام دولية، دفعت الحكومة الصومالية إلى الإعلان رسميا في 13 مايو/ أيار الماضي، عن إطلاق أول جولة ترخيص لها للشركات النفطية العالمية، حيث عرضت سبعا من كتلها النفطية البحرية لعطاءات البحث والاستكشاف.
وحينها، قال وزير البترول عبد الرشيد محمد أحمد، إن بلاده قررت المضي في خطتها رغم "الظروف العالمية الصعبة"، حيث تلقت "اهتماما كبيرا" من شركات النفط في الأشهر الأخيرة، مضيفا أنه يمكن للشركات تقديم عطاءاتها من 4 أغسطس/ آب إلى 12 مارس/ آذار 2021.
النفط الليبي.. الهدف الأول
تركيا الفقيرة في مجال الطاقة التقليدية، وجدت نفسها خارج تحالف منتدى غاز شرق المتوسط الذي أعلن عن ولادته العام الماضي في مصر، وتبحث اليوم عن إثبات نفسها في المنطقة من بوابة احتلال الثروات في الصومال ثم ليبيا.
ففي البلد الأخير، تحاول تركيا التغلغل في الشأن المحلي، بحثا عن استغلال الطاقة التي تزخر فيها البلاد، عبر ترسيم الحدود مع ليبيا، وهي أطماع لم تتأخر أنقرة نفسها في الإفصاح عنها، وإن بشكل غير مباشر.
والشهر الماضي، قال وزير الطاقة التركي فاتح دونماز، إن بلاده تخطط لبدء عمليات التنقيب عن النفط داخل الحدود البحرية التي تم تحديدها بموجب اتفاق مثير للجدل مع الحكومة الليبية، في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر.
وتملك ليبيا ثروات من النفط والغاز في مناطق شرق وغرب وجنوب البلاد، وهي منتج للنفط بمتوسط يومي 1.3 مليون برميل يوميا، وفق قدرات إنتاجها في الظروف الطبيعية، بحسب بيانات منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".
من جانبها، نقلت وكالة أنباء بلومبيرج، الشهر الماضي، عن دونماز قوله إن سفينة التنقيب الجديدة "كانوني" ستبحر في البحر المتوسط للقيام بأول مهمة لها هذا العام.
وأثار الاتفاق الموقع بين أنقرة وميليشيات طرابلس استنكارا وغضبا في الدول المجاورة، بما في ذلك اليونان التي قالت إن الصفقة لا تأخذ في الاعتبار جزيرة كريت؛ كما أعربت قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي عن غضبها من أن تركيا أرسلت سفنا بحثا عن النفط والغاز قبالة الجزيرة المقسمة.
تونس عبر اتفاقيات تجارية
أما تونس التي لم تسلم كذلك من الأطماع التركية، فبدأت فيها أنقرة خطوات للتغلغل من بوابة اتفاقية تجارية عرضت على الحكومة ومجلس النواب التونسيين في أبريل/نيسان الماضي.
وفي مقابلة متلفزة بثت نهاية الشهر نفسه، اعتبر النائب في البرلمان التونسي مبروك كرشيد أن الاتفاقية التجارية الموقعة مع تركيا "نوع من الاستعمار الجديد"، مطالبا الرئيس التونسي قيس سعيد بـ"اتخاذ موقف واضح منها بحكم مسؤولياته الدستورية».
وبحسب "كرشيد"، تسمح الاتفاقية للأتراك، مؤسسات وأفرادا، بأن يتملكوا العقارات في تونس المحمية من الملكية الأجنبية، كما تسمح للأتراك بتملك الأراضي الزراعية"، مشير إلى أن "حماية الأراضي الفلاحية تتعلق بالسيادة الوطنية".
كما لفت كرشيد إلى أن الاتفاقية التجارية مع تركيا تخول للمستثمر التركي "تحويل الأموال والأرباح إلى أي دولة أجنبية"، قائلا إن "هذا النوع من المستثمرين غير مرغوب فيهم".
وختم: "تركيا تسعى إلى التسرب خلسة إلى تونس عبر بوابة الاتفاقية التجارية، متعهدا: "سنقف أمام سعي تركيا لمد يدها أمام مقدرات الشعب التونسي".
السوق الجزائرية
وفي الجزائر، ترى تركيا أن البحث عن موطئ قدم في سوقها سيفتح لها الباب أمام تدخلات تخرج من سياق التجارة إلى التغلغل في الشأن الداخلي للبلد الإفريقي.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن أردوغان أن تركيا والجزائر تمضيان قدما في اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بينهما.
إلا أن الجزائر كانت متنبهة لأي تغلغل تركي، وأصدرت الشهر الماضي مذكرة تنفيذ اتفاق زراعي مع تركيا، اشترط وفق المادة الأولى من الاتفاقية "العمل على أساس مبدأ المصالح المشتركة، والمساواة على تنظيم طرق إقامة تعاون علمي وتقني واقتصادي في مجالات الفلاحة والتنمية الريفية والصناعات الغذائية».
المغرب.. اتفاقية ظالمة
بينما المغرب الذي كان ينفذ مع تركيا اتفاقية تجارة حرة، تنبه مؤخرا للظلم الواقع عليه من الاتفاقية، إذ صرح حفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي المغربي، في فبراير/شباط الماضي، أن بلاده تسجل "خسارة مالية وصلت إلى ملياري دولار سنويا، في علاقات الرباط التجارية مع أنقرة".
وأفاد المسؤول الحكومي المغربي بأنه أبلغ المسؤولين الأتراك "إما نصل إلى حلول وإما سنمزق هذه الاتفاقية"، في إشارة لاتفاقية التبادل الحر بين البلدين، كما وجه اتهاما إلى تركيا بإغراق السوق المغربي بالملابس، ما تسبب في إلغاء فرص عمل للمغاربة.
aXA6IDE4LjExOS4xOTIuMiA= جزيرة ام اند امز