2018.. عام إضرابات في فرنسا يفضي لعاصفة "السترات الصفراء"
إضرابات فئوية شهدتها فرنسا خلال عام 2018، شارك فيها طلاب الجامعات والمدارس وموظفو الطيران قبل أن تجتاح البلاد عاصفة "السترات الصفراء".
شهدت فرنسا، خلال عام 2018، أكبر موجة احتجاجات في البلاد منذ ما يزيد على 5 عقود، بدأت في مارس/آذار، مع مظاهرات عمال السكك الحديدية لكنها اتخذت منحى غير مسبوق مع عاصفة احتجاجات تردي الأوضاع المعيشية.
وبدا أن المواجهات التي خاضتها الحكومة الفرنسية ذات طابع فئوي، مما دعا مسؤولون سياسيون ونقابيون إلى مقارنتها بالمعركة التي خاضتها رئيسة الوزراء البريطانية المحافظة مارجريت تاتشر عام 1984 مع عمال المناجم.
لكن مع حلول نهاية العام كان الغضب يجتاح مختلف الفئات الاجتماعية في فرنسا؛ احتجاجاً على قرار زيادة الضرائب على المحروقات، لتنفجر عاصفة من الغضب حمل لواءها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما سيعرف لاحقاً بحركة "السترات الصفراء".
"العين الإخبارية" رصدت أبرز الإضرابات التي شهدتها فرنسا خلال عام 2018.
النقابات تتحرك.. وعمال السكك الحديدية في الواجهة
ومنذ أواخر مارس/آذار تحركت نقابات عمالية لتقود حركة الاحتجاجات على الحكومة الفرنسية، وفي ربيع العام كانت دعوات الإضراب تشمل موظفي قطاعات عامة، أبرزها السكك الحديدية والمطارات والمدارس.
وقادت 7 نقابات عمالية في 22 مارس الدعوة إلى يوم من "التعبئة" في القطاع العام؛ احتجاجاً على خطط الحكومة لإصلاح الإدارة العامة وخفض الإنفاق.
وعقب ذلك الإضراب، وافقت نقابات عمال السكك الحديدية في فرنسا على الدعوة إلى موجة إضرابات متتالية بدءاً من 3 أبريل/نيسان؛ للاحتجاج على مسعى الحكومة لإصلاح شركة إس. إن. سي. إف التابعة للدولة المشغلة لشبكة القطارات، قبل فتحها أمام المنافسة مثلما يشترط قانون الاتحاد الأوروبي.
- فرنسا.. السكك الحديدية تواجه سياسات ماكرون الاقتصادية بالإضراب
- نقابات عمال السكك الحديدية في فرنسا تدعو إلى سلسلة إضرابات
كانت استراتيجية عمال السكك الحديدية أن يستمر الإضراب يومين من كل خمسة أيام، حتى نهاية شهر يونيو/حزيران؛ أي ما يعادل 36 يوم إضراب بصورة إجمالية.
وقبل بدء التصعيد بلغت ديون الشركة الوطنية للسكك الحديدية 46.6 مليار يورو حتى نهاية 2017، وتشير تقديرات إلى أنها ستتخطى 62 ملياراً في عام 2026، بحسب إذاعة "20 مينيت" الفرنسية.
وطالبت النقابات الداعية إلى الإضراب بتعديل عدد من الإصلاحات أعلنت الحكومة عنها ولم تلقَ قبولاً بين العاملين في القطاع العام، وأدى الإضراب إلى شلل عام في السكك الحديدية والمطارات والمدارس.
وأيدت الحكومة الفرنسية مشروع قانون لتمرير سريع في البرلمان لأكبر إعادة تنظيم لشركة إس. إن. سي. إف المثقلة بالديون منذ تأميم السكك الحديدية في فرنسا في الثلاثينيات من القرن الماضي، والتي تشمل إنهاء حق البقاء في الوظيفة حتى بلوغ سن التقاعد، وإلغاء بنود التقاعد المبكر.
وكانت أبرز نقاط الخلاف تتمحور حول إلغاء التقاعد المبكر لعمال السكك الحديدية، وبينما كانت الحكومة تؤكد أن مثل تلك الإصلاحات ستساعد في تحويل الشركة التي تتحمل أعباء ديون ضخمة، لخدمة عامة تدر ربحاً، قال العمال إن الشركة يتم تفكيكها لتمهيد الطريق لخصخصتها.
وخاض عمال السكك الحديدية مواجهتهم مع الحكومة فيما لا تزال ذكرى آخر مواجهة بينهما ماثلة في الأذهان، حيث أدت إضرابات عام 1995 إلى إصابة باريس بالشلل، وأجبرت رئيس الوزراء في ذلك الوقت آلان جوبيه على سحب إصلاحاته.
لكن الاتحادات الفرنسية الآن أضعف مما كانت عليه في 1995، كما أنها غير موحدة في ردها على إصلاحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاجتماعية والاقتصادية.
كما واجهت خدمات السكك الحديدية الدولية ارتباكاً أيضاً، خاصة في قطارات بين فرنسا وسويسرا وإيطاليا وإسبانيا.
وعقب إقرار القانون في البرلمان، دعت نقابات السكك الحديدية إلى تعبئة كثيفة في 28 يونيو/حزيران مع استمرار الإضرابات بواقع يومين من كل خمسة أيام عمل، وانتهت الإضرابات في يوليو/تموز بعد انقسام النقابات حول مواصلة الإضرابات وانتهاء الموسم الدراسي للطلاب.
وذكرت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية أن حركة الإضرابات لم تشمل سائقي القطارات وموظفي شركة "إير فرانس" للطيران فحسب بل امتدت لتشمل قطاع الطاقة والجامعات وجامعي النفايات.
وامتد الإضراب إلى قطاعات أخرى فلم تصل الخضراوات والفاكهة والأغذية المجمدة إلى الأقاليم، لكونها تنتقل عبر السكك الحديدية، كما امتد الإضراب أيضاً إلى الجامعات والطيران، كما تواصلت الإضرابات في كل من قطاعي الطاقة وجمع النفايات.
وتجمع 1500 شخص وتخللهم بعض عمال السكك الحديدية المضربين، للتظاهر في العاصمة باريس، شاقين طرقهم من جامعة السوربون إلى حرم جامعة جوسيو للتضامن مع عمال السكك الحديدية.
احتجاجات طلاب فرنسا
في أبريل/نيسان الماضي، دخل طلاب جامعات فرنسية في إضراب عن الدراسة، وأغلقوا أبواب كلياتهم؛ احتجاجاً على مشروع قانون يهدف إلى تشديد معايير القبول في مؤسسات التعليم العالي.
وشملت الاحتجاجات جامعات "سانت دينيس" في باريس بجانب ثلاث جامعات أخرى في باريس وتولوز وليون، ومنع الطلاب أعضاء هيئة التدريس من الدخول؛ رفضاً لخطط ماكرون بجعل دخول الجامعة أكثر انتقائية، والانضمام إلى عدد كبير من الاعتصامات.
وأغلق الطلاب مداخل العديد من الجامعات في جميع أنحاء فرنسا، منددين بخطط التعليم العالي الجديدة المطروحة من قبل الحكومة.
كما أغلقت الكليات في عدة جامعات؛ منها كلية الآداب في جامعة "السوربون باريس ــ 4" لمشاركة طلابها في الإضراب، بحسب ما أعلنت إدارة الكلية.
وفي 13 أبريل/نيسان، اقتحمت قوات الأمن الفرنسية جامعة "السوربون" في باريس، لإجلاء نحو 200 طالب معتصمين، أغلقوا الجامعة لمدة 48 ساعة؛ اعتراضاً على إصلاحات الحكومة، بحسب محطة "بي. إف. إم تي. في" الفرنسية.
وعقب تلك الأحداث، قال ماكرون، خلال لقاء تلفزيوني على محطة "تي إف 1" الفرنسية، إن عشرات الجامعات أغلقت بسبب "المحرضين المحترفين"، موجهاً نصيحة إلى الطلاب: "الأفضل الالتفات إلى امتحاناتكم".
يشار إلى أن أربع جامعات أخرى من بينها "رين 2" و"باريس 8" أغلقت تماماً، إلى جانب كليات في مارسيليا ونانتير؛ اعتراضاً على مصادقة البرلمان على قانون ينهي نظام القرعة في الالتحاق بالجامعات وإلحاق الطلاب بالنظام العام للضمان الاجتماعي (الخاص بتحمل جزء من تكاليف تعليمهم)، بحيث تتعامل كل جامعة مع طلب الالتحاق بها بشكل فردي وتبت فيه وفق عدد من المؤهلات والمعرفة المطلوبة للقبول في أي فرع.
واعتبرت الأحزاب المعارضة الفرنسية خاصة من اليسار أن ذلك النظام يجعل الجامعة هي من تنتقي طلابها، بعيداً عن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
إضراب الطيران
وفي قطاع الطيران، أعلنت نقابة الطيران الحشد لإضراب يومي 10 و11 أبريل/نيسان، فيما دعت "الكونفيدرالية العامة للعمل"، أكبر النقابات الفرنسية، إلى "ضم المعارك"، آملة في جمع المطالب للدفاع عن الخدمات العامة وما يعرف بـ"النموذج الاجتماعي الفرنسي".
ثم شهد 19 يونيو/حزيران دعوة من المراقبين الجويين في فرنسا لإضراب عن العمل يستمر 3 أيام تسبب في إلغاء مئات الرحلات الجوية، في إطار احتجاج يشمل أوروبا كلها للاعتراض على خطط الاتحاد الأوروبي، لتخفيف القيود على استخدام المجال الجوي بالنسبة للطائرات المدنية.
وقالت هيئة الطيران المدني الفرنسية إن نصف الرحلات في مطارات تخدم باريس وليون ونيس ومرسيليا وتولوز وبوردو ألغيت.
بينما ذكر مطار مرسيليا في جنوب فرنسا، عبر موقعه على الإنترنت، أنه كان الأقل تضرراً من المطارات الأخرى، وتم إلغاء نحو ثلث عدد الرحلات أي نحو 100 رحلة، كما تم إلغاء أكثر من 70 رحلة منطلقة من مطار نيس.
احتجاجات "السترات الصفراء"
لم تنتهِ موجه الإضرابات والاحتجاجات عند ذلك الحد، بل أصبحت موجة شعبية على أوسع نطاق، تحت مسمى "السترات الصفراء" حتى أصبحت أحد أهم سمات العام.
ففي 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اندلعت احتجاجات السترات الصفراء التي استمرت حتى نهاية العام على الرغم من تعليق الحكومة تطبيق القرار.
وكانت شكوى سيدة ثلاثينية في فرنسا تعاني من تردي الأوضاع الاقتصادية ودعوة سائق شاحنة للتظاهر بالسترات الصفراء، وراء اندلاع واحدة من أبرز الحركات الاحتجاجية في القارة العجوز، وكان نجاحها في تحقيق هدفها المعلن ملهماً لتحركات مماثلة في بلدان أخرى.
و"السترات الصفراء" حركة شعبية ضمت مختلف أطياف الشعب الفرنسي، الذين خرجوا للاحتجاج على إجراءات الحكومة الفرنسية الرامية إلى زيادة أسعار الوقود وفرض ضريبة مباشرة على الديزل، فضلاً عن ضريبة الكربون.
وأثرت الإجراءات الاقتصادية بصورة أكبر على سكان الضواحي والأقاليم الذين يستخدمون سياراتهم بشكل يومي للذهاب إلى العمل؛ بسبب بعدهم عن وسائل النقل العام، ما دفع سائق شاحنة نقل ثقيل يدعى إريك دوريت يعمل على الطريق السريع في "سان إي مارن"، إلى إطلاق دعوة على "فيسبوك"، للإضراب العام والاحتجاج بارتداء السترات الصفراء الإلزامية للسائقين، كرمز للاحتجاج، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وتسببت تلك الاحتجاجات في فوضى عارمة في أنحاء البلاد، وخسائر اقتصادية فادحة أثرت على عملية النمو الاقتصادي وتراجع المبيعات، كما أسفرت عن مقتل ستة فرنسيين، ولا تزال مستمرة رغم تراجع الحكومة عن القرار واتخاذ ماكرون قرارات في محاولة لاحتواء الأزمة ولكن دون جدوى.
aXA6IDE4LjIyMS4yNy41NiA= جزيرة ام اند امز