فرنسا تحبس أنفاسها.. الاختبار الصعب بين ماكرون و"السترات الصفراء"
مشهد ثلاثي الأبعاد تترقبه فرنسا بين استنفار أمني بحشد 89 ألف شرطي وتضامن نقابة الشرطة مع "السترات الصفراء" وتحريض على اقتحام الإليزيه.
تحبس فرنسا أنفاسها انتظارا لـ"سبت" يبدو عاصفا، بعد دعوة حركة "السترات الصفراء" الفرنسيين إلى الخروج في مظاهرات جديدة للأسبوع الرابع على التوالي، وأيدتها نقابات بينها "نقابة الشرطة"، متجاهلة مناشدة الحكومة بالتهدئة والتنازلات التي قدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
في غضون ذلك تعيش السلطات الفرنسية حالة استنفار أمني، معلنة حشد 89 ألف عنصر أمن على مستوى البلاد، لمواجهة "أعمال شغب محتملة"، في العاصمة باريس، غداً السبت.
- فرنسا تدرس فرض حالة الطوارئ مع تصاعد احتجاجات "السترات الصفراء"
- ماكرون يدعو لـ"اجتماع أزمة" بعد رفض "السترات الصفراء" التفاوض
وفي مشهد ثلاثي الأبعاد، أعلنت الحكومة الفرنسية حالة استنفار أمني في البلاد بحشد 89 ألف شرطي، فيما أعلنت نقابة "اتحادات الشرطة الفرنسية" (فيجي) إضراباً مفتوحاً بدءاً من السبت تضماناً مع حركة "السترات الصفراء"، في حين دعا أحد مؤسسي الحركة إلى اقتحام قصر الإليزيه، فماذا سيفعل الفرنسيون غداً؟
في الوقت الذي تخشى الحكومة من اتساع نطاق الغضب إلى قطاعات أخرى، وفضلاً عن المدارس الثانوية التي تشهد مظاهرات وأعمال عنف واسعة منذ أيام وتسبب ذلك في إغلاق 280 مدرسة واعتقال 700 طالب، أعلنت نقابة "اتحاد الشرطة" الدخول في إضراب مفتوح.
كما أعلنت النقابة الزراعية الرئيسية تنظيم تحرك طيلة الأسبوع الجاري، ودعت نقابتان للنقل البري إلى الإضراب اعتبارا من مساء الأحد لفترة غير محددة، حسب صحيفة "سود ويست" الفرنسية.
تعبئة أمنية استثنائية
في محاولة لاحتواء مظاهرات "السبت الرابع" أعلن رئيس الحكومة الفرنسية إدوارد فيليب، مساء الخميس، عن تعبئة استثنائية في صفوف قوات الأمن للتصدي لأعمال تخريب وعنف محتملة قد تندلع خلال احتجاجات حركة "السترات الصفراء" السبت.
وأعلن "نشر 89 ألف شرطي وعربات مدرعة لم تستخدم منذ أعمال الشغب التي شهدتها ضواحي باريس في 2005".
وقال فيليب، خلال مقابلة مع محطة "تي إف.1" الفرنسية، إنه "سيتم تعبئة 89 ألف شرطي السبت (مقابل 65 ألفا السبت الماضي)، منهم 8 آلاف في باريس وحدها (مقابل 5 آلاف السبت الماضي)، وإنه سيتم نشر عربات مدرعة في الشوارع.
وأضاف فيليب "نواجه أناسا لم يأتوا إلى هنا للاحتجاج بل للتحطيم، ونود أن يكون لدينا الوسائل التي تكبح جماحهم".
من جهته، قال رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) ريشار فيران إن "الرئيس ماكرون سيلقى خطابا مطلع الأسبوع المقبل، حول أزمة "السترات الصفراء" التي تشهدها فرنسا.
وأوضح أنه اختار هذا الموعد لتجنب "صب الزيت على النار" قبل احتجاجات السبت الثامن من ديسمبر/كانون الأول.
إضراب الشرطة
وفي مشهد ساخن يزداد دراماتيكية، أعلنت نقابة اتحادات الشرطة الفرنسية (فيجي)، الجمعة، إضراباً مفتوحاً يبدأ السبت تزامناً مع السبت الرابع لحركة "السترات الصفراء" التي بدأت منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني.
و"فيجي" نقابة قريبة من الاتحاد العام للعمل في فرنسا، وهي عبارة عن اتحاد يضم موظفي جميع الهيئات وجميع الرتب التابعة لوزارة الداخلية والشرطة الوطنية، ومهمته الدفاع عن الموظفين وليس الإدارة.
وذكرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أن "هذه المنظمة النقابية أصدرت بياناً دعت فيه ضباط الشرطة والموظفين الإداريين في وزارة الداخلية والفنيين للدخول في إضراب مفتوح بدءاً من السبت".
وبررت "فيجي" دعوتها للإضراب قائلة "إن مطالب السترات الصفراء تهمنا جميعاً (..) نعلم أننا سنصاب بجروح خلال تأمين الاحتجاجات ونخشى أن نكون بيننا قتلى".
من جانبه، قال نقيب الشرطة ألكساندر لانجولا إن "أفراد الشرطة لن ينضموا إلى الاحتجاجات التي تنظمها "السترات الصفراء"، لكنهم يريدون تقديم الدعم لهم، موضحاً أن "الدولة تتعامل مع معظم أفراد الشرطة كالحيوانات".
وتابع "سنسير في الاحتجاجات رافعين لافتاتنا بهدف التعبير عن دعمنا للمطالبات بزيادة القوة الشرائية لدى المواطنين، ولأي شرطي يستجيب للإضراب عن العمل الحق في الانضمام إلى زملائه أثناء الاحتجاجات".
هل تقتحم "السترات الصفراء" الإليزيه؟
الضلع الثالث والرئيسي في المشهد الفرنسي الصعب هو حركة "السترات الصفراء" نفسها، التي صعدت من سقف مطالبها، حتى أن أحد مؤسسي الحركة دعا لاقتحام المتظاهرين قصر الإليزيه خلال مظاهرات السبت.
وقال إريك دورييه، خلال مقابلة مع محطة "بي إف إم تي في" الفرنسية "إذا وصلنا إلى الإليزيه.. فلنقتحم"، الأمر الذي دعا السلطات الفرنسية إلى فتح تحقيق ضده.
وذكرت محطة "إل.سي.إي" الفرنسية أن السلطات الفرنسية فتحت تحقيقاً ضد أحد مؤسسي حركة السترات الصفراء، لتحريضه على اقتحام قصر الإليزيه، بتهمه التحريض على ارتكاب جريمة، واستفزاز الفرنسيين لخرق القانون والدعوة إلى العنف ضد أحد رموز الجمهورية.
بدورها، نددت وزيرة المساواة الفرنسية مارلين شيبايا تلك الدعوات، ووصفتها بأنها تصريحات "غير مقبولة".
ويعمل إريك دروييه سائقاً على الطريق السريع في "سان إي مارن"، وهو المؤسس لتلك الحركة بإطلاق دعوة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، للإضراب العام في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، للاعتراض على ارتفاع أسعار المحروقات، حسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
ووفقاً لمحطة "إل.سي.إي" الفرنسية، فإن تصريحات دورييه لم تكن عشوائية، إذ كتب في منشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن "السبت ستكون النتيجة النهائية لحركة "السترات الصفراء"، مضيفاً "أننا نسير باتجاه الإليزيه".
وفي وقت سابق، حذر المتحدث باسم الحكومة الفرنسية بنجاما جريفو، خلال مقابلة مع صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، من محاولة بعض المتطرفين من استغلال احتجاجات "السترات الصفراء" بالدعوة إلى "إسقاط النظام"، كما حذر أيضاً من محاولات تمرير الأسلحة النارية بين المتظاهرين.
الفرنسيون يخشون من أعمال العنف
في غضون ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "أودوكس" لدراسات الرأي العام، لصالح إذاعة "فرانس إنفو" وصحيفة "لوفيجارو" الفرنسيتين، نشرت نتائجه الخميس، عن قلق الفرنسيين من تصاعد أعمال العنف في الاحتجاجات.
وأوضح الاستطلاع أن 59% من الفرنسيين أعربوا عن قلقهم من الاحتجاجات واعتبروها "عنيفة"، كما كشف الاستطلاع عن رفض واسع للفرنسيين الطبقة السياسية، حيث أعرب 69% من المستطلعين عن معارضتهم للطبقة السياسية.
فيما خرج ماكرون الخاسر الأكبر من تلك الاحتجاجات، حيث أعرب 84% من المستطلعين عن آراء سيئة حول الرئيس الفرنسي.
وأجري الاستطلاع يوم 5 ديسمبر/كانون الأول على الإنترنت، على عينة قوامها 995 فرنسيا، تتراوح أعمارهم بين 18 عاما فأكثر.