تحسبا لغياب «المظلة الأمريكية».. فرنسا أمام تحدي «اقتصاد الحرب»

كثيرة هي التغيرات التي طرأت على التحالف عبر الأطلسي بسبب سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تركت أثرها على أوروبا، خصوصا بعد تلميحات واشنطن برفع مظلتها الدفاعية عن القارة العجوز.
فرنسا باعتبارها واحدة من أهم الدول الأوروبية، طالها قدر كبير من هذا التأثر، إذ رأى خبراء فرنسيون أن تحول بلادهم نحو "اقتصاد الحرب" يكشف عن معركة مزدوجة تخوضها باريس: أولًا لمجاراة السباق الأوروبي نحو التسلح، وثانيًا للحفاظ على سيادتها في ظل الشكوك المتزايدة حول استمرار الدعم الأمريكي.
صناعة السلاح الفرنسية
وقال المحلل الدفاعي الفرنسي لوران روليه من مركز الدراسات الاستراتيجية الفرنسي (CESP)، لـ"العين الإخبارية" إن "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يستخدم مصطلح (اقتصاد الحرب) من باب البلاغة، بل ليعكس حقيقة مفادها أن فرنسا تعيد هيكلة قطاع الصناعات العسكرية ليكون قادرًا على المواجهة الذاتية إن لزم الأمر".
وأشار روليه إلى أنه منذ بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، شهدت صناعة الأسلحة الفرنسية انتعاشًا غير مسبوق، موضحاً أنه على الرغم من البداية البطيئة مقارنة بألمانيا، بدأت الأمور تتغير على الأرض: سلسلة الإمداد تتماسك، الإجراءات الإدارية تتبسط، والمصانع تعود إلى العمل بوتيرة تسابق الزمن.
كما رأى أنه في الوقت نفسه، لم تعد عبارة "اقتصاد الحرب" مجرد ذكرى من زمن الحرب العالمية الثانية، بل تحوّلت إلى استراتيجية رسمية أعلنها ماكرون لأول مرة في صيف 2022، تمهيدًا لتحول شامل في السياسات الدفاعية والاقتصادية للدولة.
تسارع وتيرة الإنتاج
بدورها، قالت الخبيرة الاقتصادية الفرنسية سيلين أوبيرتي من معهد مونتين في حديث لـ"العين الإخبارية" إنه "رغم الديناميكية الجديدة في السياسات الدفاعية الفرنسية، تبقى مسألة تمويل الإنتاج العسكري عقبة مزمنة أمام تنفيذ هذه الطموحات".
ومن أبرز مظاهر هذا التحول، تزايد إنتاج مدافع قيصر (Caesar) في مدينة بورغ، التي برزت كقاعدة خلفية للجهود الحربية الفرنسية في دعم أوكرانيا، كما صعّد تحالف KNDS (المكون من Nexter الفرنسية وKrauss-Maffei Wegmann الألمانية) إنتاج دبابات لوكلير وليوبارد، في إشارة إلى تنامي التكاتف الأوروبي في مجال التسليح.
وفي الوقت ذاته، تشهد فرنسا تعبئة واسعة لشبكتها الصناعية الدفاعية التي تضم أكثر من 4500 شركة صغيرة ومتوسطة، إضافة إلى الأسماء الكبرى مثل Thales وSafran، وهو ما يخلق بنية صناعية أكثر صلابة واستقلالًا.
التحدي الأكبر
ولفتت الخبيرة الاقتصادية الفرنسية إلى أنه رغم التسارع في الإنتاج والتوجه السياسي الحازم، لا تزال قضية التمويل تطرح علامات استفهام، فبينما تضخ ألمانيا ميزانيات دفاعية ضخمة عبر "صندوق خاص"، تتعامل فرنسا بحذر أكبر بسبب ضغوط الميزانية والعجز العام المتفاقم.
وفي هذا الصدد، يرى المحلل الفرنسي روليه أن أوروبا أمام مفارقة، فكل دولها تتحرك لإعادة التسلح، ولكن دون آلية تمويل مشتركة حقيقية.
وقال "في حال تراجعت المساعدات الأمريكية لأوروبا، فإن الفجوة الدفاعية قد تكون خطيرة".
سياق جيوسياسي جديد
وتحاول فرنسا اليوم أن تعيد تموضعها كقوة عسكرية صناعية فاعلة داخل أوروبا، ولكنها تصطدم بمعادلة معقدة: سباق تسلح مكلف، وشركاء مترددون، وميزانية مضغوطة. وفيما تتقدم خطوط الإنتاج، تبقى المعركة الكبرى في تأمين الموارد لمواصلة هذا السباق حتى النهاية.
aXA6IDMuMTQuMTUuNjIg جزيرة ام اند امز