الإرهاب يدمي نيس.. نزيف يشوه أجمل مدن فرنسا
عادت لتنغمس في الخوف والحزن مجددا عقب عملية إرهابية واحدة اخترقت هدوءها وصدمت سكانها وهددت تربعها على عرش السياحة بفرنسا.
عادت لتنغمس في الخوف والحزن مجددا عقب عملية إرهابية واحدة اخترقت هدوءها وصدمت سكانها وهددت تربعها على عرش السياحة بفرنسا.
هكذا بدا الحال في مدينة نيس وعلى وجوه من فيها، منذ الخميس الماضي، بعد قيام إرهابي بقتل 3 أشخاص بقلب المدينة، واحدة منهم قطع رأسها، وطُعن اثنان بسكين حاد وطويل، رفعت عدد ضحايا الإرهاب في فرنسا إلى 260 ضحية منذ 2015.
عملية إرهابية أيقظت ألماً بالكاد كان مدفوناً في ذاكرة الفرنسيين، بعد أن برمجت قوى التطرف منبه الإيقاظ في تمام الساعة 18.18 بالتوقيت المحلي الفرنسي من 29 أكتوبر/تشرين الأول، بالقرب من كاتدرائية "نوتردام دي لاسومبشن
توقيت ذكّر سكان نيس بفاجعة أخرى قبل 4 سنوات عاشتها مدينتهم، حدثت في 14 يوليو/حزيران 2016 عندما ضرب الإرهاب هذه المدينة الصغيرة، بعد قيام إرهابي بقتل 86 شخصاً دهساً بالشاحنة في منطقة "بروميناد ديزونغليه".
على إثر ذلك، أُغلقت جميع كنائس نيس حتى إشعار آخر، وتحولت المدينة بسرعة البرق إلى ما يشبه المنطقة المعزولة أمنياً، بعد أن أعلنت الحكومة الفرنسية التعبئة الاستثنائية وقررت تفعيل مخطط "فيجيبيريت" ورفعه إلى "الدرجة القصوى".
تعبئة استثنائية في الشوارع، وصدمة على وجوه من بقي يسير في تلك الشوارع، وبمجرد استنطاق واحد منهم إلا وينفجر بكاء أو غضباً.
وبميكروفون وكاميرا، نقلت قناة "لابروفانس" المحلية ردود أفعال "النيساويين"، بدأت تقريرا مصوراً بكهل لم يتمالك نفسه وهو يروي عن صدمته من هول الجريمة.
وهو يبكي، اكتفى ذلك الكهل للتعبير عن صدمته ببضع كلمات بلكنة فرنسية مختلفة عن لهجة باريس ومشابهة لفرنسية "الكيبك": "سيدة في السبعين من عمرها تصلي لله، ومصابة بمرض عقلي".
واسترسل معبرا عن صدمته مما جرى: "ما حدث صدمني كثيراً، في كنيسة للمسيحيين، الكنيسة تمثل الحب، إنها جريمة لا توصف، لا توصف".
شاب آخر من المدينة، كان جالساً في إحدى مقاهي وسط المدينة التي تجلب مئات السياح وقريبة من مكان تنفيذ العملية الإرهابية، لم يأت إليها هذه المرة للاستمتاع بمذاق قهوتها وحلوياتها ومناظر نيس الجميلة، بل لتتبع تبعات الهجوم الإرهابي.
وصف ذلك الشاب حال نيس بعد ذلك الهجوم الإرهابي، معظم نظراته وهو يتحدث للقناة كانت موجهة "بحيرة" للانتشار الأمني الكثيف وبعض منها فقط للكاميرا.
حيث قال: "الأمن حاصر كل الحي والمنطقة، رأينا حتى الجيش هنا، إنه الذعر المميت، لقد تذكرنا تاريخ 14 يوليو 2016، هذا يعني أن نيس لا تزال مستهدفة بالعمليات الإرهابية، هذا كثير، لا يمكن حتى التنبؤ بهذا الخطر المخفي".
وتابع قائلاً: "كيف يمكنني بعد الآن أن أدخل صباحاً إلى كنيسة ذُبح فيها 3 أشخاص، حتى وإن كان للعملية علاقة بقضية صحيفة شارلي إيبدو، لكن هذا الفعل يبقى منعزلاً، فعلا.. الوضع بات صعباً جدا التحكم فيه".
معلمة فرنسية عبرت "مشاعر حزنها بغضب"، حيث قالت "الأمر محزن كثيراً، يضاف إلى كل ما حدث سابقاً، لا يمكننا بعد الآن الذهاب إلى المدارس، ولا الصلاة في الكنائس، لكل منا ديانته وكل حر في ذلك، لكن يبقى ما حدث محزناً".
ضربة للسياحة الفرنسية
وسائل الإعلام الفرنسية ركزت أيضا على التبعات الاقتصادية للهجوم الإرهابي، عادت من خلال ذلك إلى الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها عقب هجوم 2016، وأجمعت على وصف الجريمة بـ"الضربة الكبيرة للسياحة الفرنسية".
محللون أمنيون استضافتهم قنوات فرنسية بينها قناة "LCI" الإخبارية، اعتبروا أن توقيت العملية الإرهابية لم يكن مرتبطاً فقط بإساءات صحيفة "شارلي إيبدو" للنبي محمد عليه الصلاة والسلام.
وتحدثوا عن ميزة نيس السياحية التي تستقطب مئات آلاف السياح سنوياً خلال الفترة الممتدة من سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، خصوصاً من قبل الأثرياء الذي يأتون من كل مناطق العالم.
أصحاب المقاهي والفنادق حاولوا التخفيف من خطورة تبعات العملية الإرهابية، واعتبروا أن تراجع السياحة في مدينتهم في ظرف يومين راجع "إلى صدمة الصورة والواقع"، واعتبروا "أنه لا يوجد وضع متأزم".
إلا أن الإعلام الفرنسي اعتبر أن صورة نيس تأثرت نتيجة التغطية العالمية لهجوم الخميس أكثر من الهجوم في حد ذاته، ولم تخف مخاوفها من تأثر "عصب السياحة" الفرنسية بعد الهجوم، كون العملية الإرهابية استهدف ما أسمتها "كنيسة تمثل رمز العطلات وفرحة الحياة".
واستناداً لأرقام صادرة عن مكتب السياحة بالمدينة الفرنسية، فقد قارب عدد السياح الذين يزورن نيس سنوياً نحو 5 ملايين سائح، منهم 57% أجانب، يحققون عائدات سنوية تقدر بـ1.5 مليار يورو، فيما تستحوذ المدينة على نسبة 40% من التدفقات السياحية على منطقة "كوت دازور" السياحية.
أرقام يبدو أنها لن تكون كذلك، على الأقل خلال المرحلة المقبلة، وفق توقعات خبراء اقتصاديين فرنسيين.
وتوقعوا وفقاً لما نقلته وسائل الإعلام الفرنسية عزوف السياح عن نيس وتراجع السياحة فيها بنسبة 50%، مع تأثر "السياحة الفاخرة" في نيس المشهورة بقصورها التي يملكها أثرياء من مختلف دول العالم.
ورجحوا تراجع قدوم هؤلاء الأثرياء عن المجيء إلى نيس القادمين "من الشرق الأوسط والأمريكتين وروسيا وبدرجة أقل من بريطانيا وإيطاليا" كما حدث عقب هجوم يوليو/حزيران 2016.
كما توقعوا "انخفاضاً حاداً في حجوزات الفنادق الراقية بين 25% إلى 30% على الأقل في كل منطقة كوت دازور.
وذكرت مختلف وسائل الإعلام الفرنسية أن قطاع السياحة الفرنسية بات مهدداً بشكل كبير بعد هجوم، الخميس الماضي، خصوصاً أنه يوفر فرص عمل لميوني فرنسي.