معركة فرنسا مع الإخوان.. أكبر من الخصومات السياسية

تحدّ خفي يشكله إخوان فرنسا في تهديد يستهدف قلب الديمقراطية، ما يجعل معركة هذا البلد معه أكبر من الجدل السياسي حول هذا الملف.
وفي مواجهة ما تعتبره تهديدًا متصاعدًا للنموذج الجمهوري، دعت صحيفة «أتلنتيكو» الفرنسية إلى تحرّك صارم وحاسم ضد تمدد جماعة الإخوان داخل فرنسا.
وحذرت من أنّ تساهل الدولة في التعامل مع هذا التيار قد يؤدي إلى تقويض القيم العلمانية، وتمزيق وحدة المجتمع الفرنسي.
الصحيفة طالبت باتخاذ إجراءات مباشرة تشمل:
- منع النشر
- وقف التمويل الخارجي
- تشديد الرقابة
واعتبرت أن الأيديولوجيا "الإخوانية" لم تعد مجرّد خطاب ديني، بل أداة سياسية ناعمة تسعى لبناء مجتمع موازٍ على أنقاض الجمهورية.
أكبر من الجدل السياسي
وسط تصاعد الجدل السياسي والقلق الأمني، يطفو ملف الإخوان على السطح مجددًا في فرنسا، ليس فقط كحركة دينية أو تيار فكري، بل كـ"تحدٍّ استراتيجي" ينظر إليه على أنه يشكل تهديدًا مباشرًا للنموذج الجمهوري والديمقراطي الفرنسي.
وكشفت صحيفة "أتلنتيكو" الفرنسية الأبعاد العميقة لتغلغل الفكر الإخواني داخل مؤسسات المجتمع، والكيفية التي تتحول بها أدوات الدين إلى وسيلة لبناء نفوذ موازٍ داخل الدولة.
وقالت إنه وراء المواقف السياسية المتباينة بشأن الإخوان يكمن رهان أكثر عمقًا: الحفاظ على العقد الديمقراطي الفرنسي.
وأوضحت أنه فمع تزايد نفوذ هذه الجماعة داخل المساجد، ومجالات التعليم، والرياضة، والشبكات الجمعوية، تُظهر الأيديولوجيا الإخوانية التزامًا بخط "تسلل منهجي" إلى مفاصل الحياة العامة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه "قد يبدو من المغري التقليل من أهمية النشاط الصيفي المتجدد للإخوان في فرنسا، واعتباره مجرد مناورة سياسية من النخب لكسب نقاط انتخابية، عبر التظاهر بالحزم أمام خطر محدد".
ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فإنه "لا شك أن بعض الحسابات الانتخابية حاضرة، لكن التهديد الذي يشكله "التسلل" الإخواني حقيقي وملموس، سواء في فرنسا أو غيرها".
وأوضحت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يسعى لتمرير قوانين جديدة قبل نهاية الصيف لمواجهة هذا التحدي.
بينما تذهب مارين لوبان إلى أبعد من ذلك، مطالبة بـ"تسمية الأمور بمسمياتها، إنها أيديولوجيا شمولية، ويجب ملاحقتها، فضحها، قطع تمويلها، وحظر منشوراتها".
ولفتت "أتلنتيكو" إلى أنه من الواضح أن كل طرف سياسي يحاول الظهور بمظهر المدافع الشرس عن قيم الجمهورية أمام "التهديد الإخواني".
دعم شعبي
تظهر استطلاعات الرأي دعمًا شعبيًا قويًا لهذه المقاربة الصارمة: نحو 9 من كل 10 فرنسيين يؤيدون حظر جماعة الإخوان، بحسب استطلاع لصالح شبكة "سي نيوز" الفرنسية وإذاعة "يوروب 1" وصحيفة "لوجورنال دو ديمانش" المحلية.
وشددت الصحيفة أنه رغم البعد السياسي، فإن الخطر واقعي ويتطلب تحركًا، كما أن تقريرا حكوميا فرنسيا حديثا أشار إلى وجود 139 مسجدًا تابعة لاتحاد "مسلمي فرنسا" (الاسم الجديد لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا)، المصنف كامتداد فرنسي للإخوان.
كما تم تحديد 68 مسجدًا أخرى مقربة من الحركة، أي ما يعادل 7% من أصل 2800 مسجد في فرنسا، يرتادها أكثر من 91 ألف مصلٍّ من أصل 7.5 مليون مسلم في البلاد.
ورغم تواضع هذه الأرقام نسبيًا، إلا أنها ليست هي جوهر الإشكال، فبحسب المركز الأوروبي للقانون والعدالة (ECLJ)، تكمن المشكلة الحقيقية في قدرة الإخوان على التأثير والتمدد الدعوي بشكل منهجي وهادئ.
«زاحف ومتدرج»
وفقًا لتقرير الحكومة الفرنسية، فإن الأيديولوجيا الإخوانية "تشكل تهديدًا زاحفًا ومتدرجًا، يقوّض اللحمة الوطنية عبر استراتيجية تسلل صامتة ومدروسة".
وقد تم رصد 280 جمعية لها صلات مباشرة بالفكر الإخواني، تنشط في مختلف ميادين الحياة اليومية للمجتمع المسلم في فرنسا.
ويظهر التأثير الإخواني بوضوح في التعليم والرياضة. فقد تم تحديد 21 مؤسسة تعليمية على صلة بالحركة، تضم ما لا يقل عن 4,200 طالب.
وسبق أن قال رئيس اتحاد "مسلمو فرنسا" ومؤسس ثانوية "ابن رشد" الإسلامية في ليل، عمار لصفار، في 2017: "لسنا من الإخوان لكننا نتفق مع مدرستهم الفكرية".
وفي مجال الرياضة، كشف تقرير أن 127 جمعية رياضية ترتبط بحركات انفصالية، منها 18 مجموعة سلفية و5 مرتبطة بالإخوان.
وتضم هذه الجمعيات أكثر من 65 ألف مشترك، حيث يُستغل النشاط الرياضي للترويج للممارسات الدينية داخل فضاءات من المفترض أن تبقى حيادية.
التمويل الأجنبي: سلاح ناعم
التمويلات الخارجية تعد أحد أبرز محركات التوسع الإخواني في فرنسا.
فقد تدفقت أموال أجنبية لدعم مساجد، ومراكز تعليمية، ومعاهد دينية مثل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH)، في إطار استراتيجية دولية تشمل التعليم الديني، والضغط السياسي، وإنشاء شبكات تمويل وتكوين موازية.
ورغم أن بعض هذه التحويلات قانونية من الناحية التقنية، إلا أن الإشكال يكمن في الأثر الأيديولوجي العميق الذي تتركه، وتشكيل مؤسسات لا تخدم الحياة الروحية فحسب، بل تتبنى خطابًا سياسيًا متقاطعًا مع الدولة.
في قلب أوروبا
في بروكسل، تتوفر معلومات أكثر تفصيلًا عن شبكة الإخوان في أوروبا.
فـ"مجلس المسلمين الأوروبي" (CEM)، الذي يتخذ من بروكسل مقرًا له منذ 2007، يدير استراتيجية التأثير الإخواني في أوروبا، عبر منظمات مثل منتدى شباب المسلمين الأوروبيين FEMYSO، المسجّل رسميًا ضمن "سجل الشفافية" في الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن هذه الكيانات تعمل علنًا، فإنها تفلت من الرقابة أو المحاسبة السياسية الجادة.
وتشير تقارير أمنية من بلجيكا، وفرنسا وبريطانيا إلى قلق متزايد من تنامي النفوذ الإخواني، ففي بلجيكا، يصف تقرير استخباراتي حديث نُشر في صحيفة "الساعة الأخيرة"، "التجمع من أجل الإدماج ومكافحة الإسلاموفوبيا" بأنها "جماعة ضغط ذات ميول إخوانية".
أما في بريطانيا، فخلص تقرير رسمي عام 2015، أشرف عليه الدبلوماسي جون جينكنز، إلى أن فكر الإخوان "يتناقض مع القيم والمصالح البريطانية"، وأن حجم تأثيرهم يتجاوز كثيرًا حضورهم العددي، ما استدعى مراقبة مشددة لتحركاتهم وأنشطتهم المالية.
ويقول الكاتب يوسف عياد في مقال له: "المشكلة ليست في الإسلام، بل في تسييس الدين، واستغلاله لأغراض أيديولوجية تهدد أسس ديمقراطيتنا".
وبكلمات أخرى، تخلص الصحيفة إلى أن فرنسا مطالَبة بالتصدي لهذا التحدي ليس لحماية جمهورها المسلم، فحسب، بل لصيانة الجمهورية ذاتها.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuNSA= جزيرة ام اند امز