
تعيش أوروبا حالة من الشلل في الخدمات الحيوية بسبب موجة الاحتجاجات والإضرابات العمالية بعدد من دول القارة.
ما بين فرنسا وبلجيكا واليونان، تعيش القارة العجوز مظاهر الاحتجاجات العمالية المطالبة بتحسين سبل العيش، وسط ما تمر به القارة الأوروبية من أزمة اقتصادية، صنعها عدم اليقين الاقتصادي الذي يخيم على العالم أجمع.
وفيما يلي، أبرز مظاهر الاحتجاجات التي تشهدها قارة أوروبا، والدوافع لها.
أزمة قانون التقاعد في فرنسا
في ظل حالة الجمود السياسي التي تعيشها فرنسا في الوقت الحالي، وصعوبة تشكيل حكومة جديدة، عاد الجدل حول إصلاح نظام التقاعد لعام 2023 إلى الواجهة من جديد، وذلك بعد ظهور احتمالية تعليق تطبيق القانون بشكل مؤقت، كإجراء يهدف إلى تهدئة الشارع وكسب رضا النقابات العمالية.
وكان الإصلاح قد نصّ على رفع سن التقاعد القانوني إلى 64 عامًا بحلول عام 2032، وهو ما أثار منذ موجة واسعة من الاعتراضات بين الطبقة العاملة في فرنسا.
ووفق ما أوردته صحيفة فرنسية، فإن هذا السيناريو يحظى بدعم القوى اليسارية، في حين يواجه معارضة من اليمين، كما يطرح في الوقت نفسه إشكاليات مالية وقانونية معقدة تتعلق بمصير السن القانونية الجديدة، وعدد الفصول التأمينية المطلوبة، بالإضافة إلى التكلفة المالية المحتملة للتراجع عن الإصلاح التي ستمثل حمل إضافي تتحمله ميزانية الدولة.
ويُعد تعليق الإصلاح أحد الخيارات المطروحة لتسهيل تشكيل حكومة جديدة في البلاد، كما يمثل مطلبًا محوريًا للنقابات العمالية والحزب الاشتراكي.
وبحسب مصادر صحفية فرنسية منها صحيفة "نوتر تون"، فإنه رغم رفض الكتلة الوسطية لهذا الطرح في وقت سابق، فإن مواقفها الراهنة تبدو أكثر انفتاحًا عليه.
وصرّحت إليزابيت بورن، رئيسة الوزراء السابقة التي أقرت الإصلاح عبر المادة 49.3 المثيرة للجدل، في مقابلة مع صحيفة "لو باريزيان" قائلة، «إذا كان تعليق الإصلاح شرطًا لتحقيق الاستقرار في البلاد، فيجب دراسة سبل تطبيقه وتبعاته العملية».
كما أكد سيباستيان لوكورنو، على «ضرورة إيجاد آلية لإعادة فتح النقاش بشأن إصلاح نظام التقاعد».
وتقول حيفة "نوتر تون"، أن فكرة التعليق لا تزال حتى الآن في إطار الطرح النظري، من دون وجود تصور واضح لكيفية تنفيذها، موضحة أن أي تعليق محتمل سيكون بمثابة تجميد مؤقت وليس إلغاءً نهائيًا للإصلاح.
وبالتالي، فإن القرار لن يشمل أولئك الذين بدأ سريان التعديلات عليهم فعليًا، أي المولودين بعد 1 سبتمبر/أيلول 1961.
مسيرة الكرامة في بلجيكا
وفي بلجيكا، تظاهر عشرات الآلاف من العمال في شوارع بروكسل صباح اليوم الثلاثاء في احتجاج وطني تنظمه النقابات العمالية الرئيسية في بلجيكا ضد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية.
وتطالب النقابات الرئيسية الثلاث - CSC وFGTB وCGLSLB - بتحسين الأمن الوظيفي، ومعاشات تقاعدية عادلة، وتحسين ظروف العمل وفق ما أفادت صحيفة "ذا بروكسل تايمز".
وتتركز مظالمهم على إصلاحات المعاشات التقاعدية، وتوسيع نطاق الوظائف المرنة، وخفض أجور العمل الليلي، ويأمل قادة النقابات أن يكون الإقبال مماثلاً للاحتجاج الحاشد الذي شهده نوفمبر/تشرين الثاني 2014، والذي شارك فيه حوالي 100 ألف شخص.
ومن المتوقع أن ينضم المعلمون من جميع أنحاء البلاد إلى الاحتجاج أيضًا، مدفوعين بإجراءات التقشف الأخيرة التي أعلنتها حكومة اتحاد والونيا-بروكسل، ولا يزال التأثير المحتمل لمشاركتهم على المدارس غير واضح.
وسيشارك أيضًا فنانون وعاملون في المجال الثقافي من المجتمعات الناطقة بالفرنسية والهولندية، احتجاجًا على سياسة تقصر أهلية حساب المعاش التقاعدي على 20% من مجمل حياتهم المهنية بموجب وضعهم الخاص.
ةبالإضافة إلى النقابات العمالية، ستشارك منظمات المجتمع المدني في مسيرة تحت شعار "من أجل صحتنا وصحة الأرض"، داعيةً إلى أغذية مستدامة وعضوية ومُنتجة محليًا.
ومن بين المنظمات المشاركة منظمات مثل "الطبيعة والتقدم" و"شبكة GASAP".
كما ستنضم إلى الاحتجاج، الذي يأتي قبل ثلاثة أيام فقط من اليوم الدولي للقضاء على الفقر الذي تُعلنه الأمم المتحدة، والذي يُحتفل به سنويًا في 17 أكتوبر/تشرين الأول، كل عام، كل من "التعاونية المسيحية" وشبكات مكافحة الفقر.
وقد انتقدت هذه الشبكات سياسات الحكومة، مدّعيةً أنها تُفاقم الفقر وتُحمّل المجتمع تكاليف اجتماعية طويلة الأجل.
ومن المتوقع أن تُسبب التعبئة الوطنية للاحتجاجات اضطرابات واسعة النطاق، على الرغم من أن 12 قطارًا إضافيًا سيعمل إلى بروكسل صباح الثلاثاء، إلا أنه من المرجح أن تتأثر خدمات النقل العام - بما في ذلك شبكات Tec وStib وDe Lijn - بشدة.
وستشهد المطارات أيضًا اضطرابات كبيرة، ولن تُغادر أي رحلات ركاب من مطار بروكسل يوم الثلاثاء، بينما تم إلغاء جميع الرحلات الجوية من وإلى مطار شارلروا.
إضراب في اليونان ضد إصلاحات العمل
ومن بروكسل إلى اليونان، حيث ظلت السفن اليونانية راسية في الموانئ، وتوقفت خدمات القطارات بسبب إضراب العمال اليوم الثلاثاء احتجاجًا على إصلاحات العمل المزمعة، والتي تشمل تمديد ساعات العمل في القطاع الخاص.
وتقول رويترز، أن تم تحديد وقت الإضراب، وهو الثاني هذا الشهر لأكبر نقابات القطاعين العام والخاص في اليونان، ليتزامن مع مناقشة برلمانية وتصويت هذا الأسبوع على مشروع قانون الحكومة بشأن هذه الإصلاحات.
ومن المتوقع أن يسير العمال المضربون، بمن فيهم أطباء المستشفيات وصحفيو الإذاعة والتلفزيون، إلى جانب متظاهرين آخرين إلى البرلمان عند الظهر (9:00 بتوقيت غرينتش).
ويسمح مشروع القانون لأصحاب العمل بتمديد ساعات العمل، ويمنحهم مرونة أكبر في التوظيف قصير الأجل، ويُعدّل قواعد الإجازات السنوية في القطاع الخاص.
وتقول الحكومة إن مشروع القانون سيخلق سوق عمل أكثر فاعلية ومرونة، وإنه يحمي العمال من الفصل في حال رفضهم العمل لساعات إضافية.
لكن النقابات العمالية تقول إنه ينتهك حقوق العمال، ويلغي يوم العمل بثماني ساعات، ويحرمهم من قدرتهم على التفاوض في بلد لا يزال متوسط الأجور فيه منخفضًا مقارنةً بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى، على الرغم من زيادات الأجور وانخفاض معدلات البطالة بعد أزمة ديون مُنهكة من عام 2009 إلى عام 2018.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز