أزمة الأرشيف تشتعل مرة أخرى بين الجزائر وباريس
ملف الأرشيف المُرحل تعتبره الجزائر غير قابل للتنازل، شكل منذ استقلالها عن الاحتلال الفرنسي، ملفا شائكا وحساسا في علاقاتها مع فرنسا.
دخل مجلس الشيوخ الفرنسي على خط أزمة الأرشيف القائمة بين الجزائر وفرنسا، من خلال تقرير أعده العضوان في المجلس، أندري غاتولان، وفانسون إيبلي.
حيث يزعم التقرير أنه "لا سبيل لإعادة الأرشيف المرحل من الجزائر إلى فرنسا بعد الاستقلال سنة 1962، والذي يصل طوله إلى 10 كيلومترات، وأن من أصدر هذا الأرشيف هي الإدارة الفرنسية التي كانت الجزائر تخضع لها، وبالتالي فهو يعود إلى الأملاك العامة الفرنسية"، وهو الموقف ذاته الذي دافع عنه المدير العام للأرشيف الفرنسي، هيرفي لاموان.
التقرير الفرنسي الذي رفض بشكل قاطع تسليم الأرشيف الجزائري، أشار إلى وجود "خلاف دبلوماسي واضح بين الجزائر وباريس يتعلق بمطالبة الجزائر استرجاع الأرشيف الذي قامت فرنسا بترحيله من الجزائر وحفظه في منطقة "إيكس أون بورفنس"، الواقعة جنوب فرنسا، وباريس ومرسيليا، مبرراً ذلك "إلى تطرق الأرشيف إلى الحياة الخاصة للأشخاص، ولا يمكن كشفه أو رقمنته أو حتى فكرة الاطلاع عليه تبقى مستحيلة".
غير أن السلطات الجزائرية تعتبر أن مكان الأرشيف في فرنسا يبقى مجهولاً، حيث أكدت أن السلطات الفرنسية قامت منذ خمس سنوات ببعثرة الأرشيف الوطني المرحل، ونقل الكثير منه إلى أماكن أخرى مجهولة.
وكان وزير المجاهدين الجزائري، الطيب زيتوني، قد أكد أن تميز العلاقات الجزائرية الفرنسية مرتبط "بملف الذاكرة"، وأن الجزائر لن تتنازل عن مطالبها الشرعية باستعادة كامل الأرشيف دون زيادة أو نقصان منذ بدء الاحتلال سنة 1830، بما في ذلك الذي يحمل طابع السرية، مشيراً إلى أن الجزائر تسلمت اثنين بالمائة فقط من هذا الأرشيف، بينما تبقى 98 بالمائة عند الفرنسيين.
وفي اتصال مع بوابة "العين" الإخبارية، اعتبر المجاهد في الثورة التحريرية والأمين الوطني لمنظمة المجاهدين، محند واعمر بن الحاج، أن رفض فرنسا تسليم الأرشيف "هو دليل قاطع على احتواء هذا الأرشيف على كل المعلومات والأدلة والبراهين عن كل الجرائم الفرنسية الاستعمارية المرتكبة في الجزائر، وأن فرنسا اليوم تتخوف من انتقال المعلومات خشية تزعزع صورتها أمام العالم".
وأضاف بن الحاج أن الحديث عن احتواء الأرشيف على معلومات تخص الأشخاص "صحيح جداً، لكنه يخص الأشخاص الذين ارتكبوا أو شاركوا في الجرائم والمجازر المرتكبة في حق الشعب الجزائري إبان الحقبة الاستعمارية".
المجاهد الجزائري، بن الحاج، استبعد في الوقت ذاته أن تسلم فرنسا الأرشيف إلى الجزائر، معتبراً أن التسليم "مستحيل بالنسبة لفرنسا اليوم أو غداً"، وإن أكد "أن الأرشيف الجزائري المتواجد عندنا كفيل لفضح جرائم الاستعمار".
ملف الأرشيف المُرحل الذي تعتبره الجزائر غير قابل للتنازل، شكل منذ استقلالها عن الاحتلال الفرنسي سنة 1962، ملفاً شائكاً وحساساً في العلاقات الجزائرية الفرنسية، خاصة مع ما يراه المراقبون التناقض الذي يطبع الموقف الفرنسي في كل مرة بين فكرة "أرشيف السيادة" الذي لا يمكن التنازل عليه، إلى "الرصيد الأرشيفي المشترك" بين البلدين.
وعن هذا التناقض والإصرار، يرى الدكتور مسعود خرنان، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، والمتخصص في التاريخ الجزائري الحديث، أن "إصرار فرنسا على تمسكها بالأرشيف الجزائري يعود إلى مخاوفها من مطالب التعويض عن الأضرار التي ألحقتها مجازرها وتجاربها النووية في حق الأفراد وحتى البيئة، ومنطقة رقان وبشهادة الفرنسيين أنفسهم كانت دليلاً على جريمة بشعة للتفجيرات النووية، يضاف إليها فاتورة تفوق خمسة ملايين شهيد منذ بدء الاستعمار الفرنسي".
وأشار إلى أن "فرنسا الرسمية تتخوف من ماضيها الاستعماري المليء بالجرائم التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، أكثر من تحديها للجزائر".
وأضاف الدكتور خرنان في حديث مع بوابة "العين" الإخبارية، "أن عملية ترحيل أو تهريب الأرشيف بدأت سنة 1961 بشكل سري وعاجل، حيث جرى تهريب 200 ألف علبة من الأرشيف بحجم 600 طن".
وأضاف أنها "مست كل الجوانب السياسية، الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية، والإدارية، وحتى الأرشيفات الجزائرية ما قبل فترة الاحتلال الفرنسي لم تسلم من عملية الترحيل، حيث تم تهريب 1500 علبة من الأرشيفات الجزائرية الخاصة بمرحلة الوجود العثماني، إضافة إلى تهريب 100 ألف وثيقة من الأرشيف عبر شاحنات عسكرية فور إعلان استقلال الجزائر، وهو ما تؤكده تقارير مديريات الأرشيف الجهوية".
يذكر أن الجزائر وبعد استقلالها في 5 يوليو/تموز 1962، طالبت فرنسا بتسليم جميع الأرشيفات المرحلة، لكن مطالبها بقيت معلقة، إلى غاية بداية الثمانينيات، حيث بدأت المفاوضات بين الجزائر وباريس، من خلال تشكيل لجان مشتركة، حيث اعتمد الطرف الجزائري منذ ذلك الوقت على النصوص القانونية الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو والندوة الدولية للأرشيفات، التي تنص "على حق الدول المستقلة في ممارسة سيادتها بأثر رجعي على الأرشيفات التي كتبت وحفظت على أراضيها، وعلى ضرورة أن تبقى الأرشيفات في الأرض التي كتبت وحفظت فيها لأول مرة"، إلا أن الملف لا يزال عالقاً بين الجانبين، حيث تسلمت الجزائر 2 بالمائة فقط من هذا الأرشيف.
aXA6IDMuMTQ0LjQyLjE3NCA=
جزيرة ام اند امز