
في وقتٍ تطلب فيه الحكومة الفرنسية من مواطنيها شد الأحزمة والمساهمة في جهود "الإنقاذ المالي" عبر تجميد الأجور وتخفيض الإنفاق الاجتماعي، كشف تقرير أن الدولة خصصت 112 مليار يورو كمساعدات للشركات في عام 2023 وحده.
هذا الرقم الضخم، الصادر عن المفوضية العليا للاستراتيجية والتخطيط، يعيد إلى الواجهة سؤالاً ملحاً: هل ما زالت هذه المساعدات مبررة في ظل الأزمة المالية والاجتماعية المتصاعدة؟ وهل هي فعلاً استثمار في التنافسية، أم تمييز لصالح الكبار على حساب المواطنين والاقتصاد الحقيقي؟.
- من البورصة إلى المختبر.. بول بيفان يعيد تعريف اللحم
- حرب السكر تبدأ.. بيبسي وكوكاكولا بين ضغط المستهلك وقرار ترامب
وأصدر المفوض السامي للاستراتيجية والتخطيط تقريرًا جديدًا تناول فيه الغابة المعقدة من المساعدات التي تقدمها الدولة الفرنسية للشركات، والتي وصفها بأنها "غير واضحة" وتسبب "إشكاليات في الشفافية والفهم، سواء للشركات أو المواطنين"، وهو ما يشكّل تحدياً ديمقراطياً، بحسب محطة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية.
مبالغ ضخمة
وأظهر التقرير أن هذه المساعدات تنقسم إلى محورين رئيسيين: 45 مليار يورو تمثل المساعدات المعترف بها وفقًا لتعريف المفوضية الأوروبية للمساعدات القانونية للدولة، و66.9 مليار يورو تمثل إعفاءات ضريبية، ومنح، ومساعدات مالية مباشرة، وفقاً للمحطة الفرنسية.
وبهذا تصل الحصيلة الإجمالية لعام 2023 إلى 111.9 مليار يورو، رغم أن لجنة تحقيق في مجلس الشيوخ قدّرت الرقم بـ112 مليار يورو.
تفصيل بنود المساعدات
تقسم 175 إجراءً للمساعدات المباشرة، حوالي 40 مليار يورو، و234 آلية ضريبية (إعفاءات، خصومات): 52 مليار يورو، ومساعدات مالية (قروض، دعم مالي مباشر): 17.3 مليار يورو، ومساعدات محلية (7 مليارات) ومساعدات أوروبية (10 مليارات): لم تُحتسب ضمن الإجمالي بعد.
تأثير على الشركات الصغيرة
يشير التقرير إلى أن هذا التعقيد الكبير في أنظمة الدعم يعطي أفضلية كبيرة للشركات الكبرى القادرة على الاستثمار في فهم النظام، واستخدام أدوات التخطيط الضريبي والتحايل القانوني.
كما يرى التقرير أن "هناك خطر واضح من تكرار أو تراكب المساعدات. كما أن الفوائد الحقيقية لهذه الإجراءات غير واضحة بالنسبة للعديد من الشركات، بسبب التفاوت بين معدلات الضرائب الاسمية والمعدلات الفعلية التي تطبق".
دعوة للإصلاح
يدعو التقرير الدولة إلى، اعتماد تعريف موحد لمساعدات الشركات، وتقديم ملحق سنوي في قانون المالية يوضح حجم ونوع هذه المساعدات، وتقييم دوري (كل 3-5 سنوات) لكل آلية دعم، وتجنب ازدواجية الدعم وتوجيهه بكفاءة أكبر.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الفرنسي في كلية العلوم السياسية بباريس، ومستشار سابق في وزارة الاقتصاد الفرنسية، ومتخصص في سياسات المنافسة والإنفاق العام، فرانسوا لامبرت لـ"العين الإخبارية" : "من منظور اقتصادي محض، فإن 112 مليار يورو سنويًا هو رقم ضخم يعادل تقريبًا الميزانية السنوية للتعليم أو الدفاع في فرنسا.
وتساءل: "هل تؤتي هذه الأموال أُكلها؟ للأسف، الجواب غير واضح، بل مقلق".
وأضاف لامبرت: "المساعدات المالية يجب أن تكون موجهة لدعم الابتكار، وخلق الوظائف، وتعزيز التحول البيئي. لكن في فرنسا، عدد كبير من هذه الآليات يذهب لشركات كبرى لديها بالفعل احتياطات مالية ضخمة وتوزع أرباحًا قياسية. هذه ليست سياسة تحفيزية بل شكل من أشكال الريع المقنن".
تأثير سلبي
ورأى لامبرت أن "هذا الدعم الضخم يقوّض مبدأ تكافؤ الفرص في السوق، ويؤثر على الشركات الصغيرة التي لا تمتلك أدوات قانونية أو إدارية للاستفادة من هذه الآليات، ما يؤدي إلى تشويه المنافسة".
وتابع: "بالتأكيد. هذه المساعدات قد تُفسر في بعض الأوساط الأوروبية والدولية كتشويه للمنافسة، خصوصًا في سياق حرب تجارية مستترة بين الكتل الاقتصادية الكبرى. الشركاء التجاريون قد يرون في هذه السياسات دعماً غير نزيه للصناعات الفرنسية، ما قد يجرّ فرنسا إلى نزاعات في منظمة التجارة العالمية أو داخل الاتحاد الأوروبي".
وأضاف أنه "لا مؤشرات حتى الآن على تقليص كبير، لكن الضغط السياسي والشعبي يتصاعد. في ظل أزمة العجز والديون، قد تضطر الحكومة إلى إعادة توجيه المساعدات نحو الابتكار والمجالات ذات التأثير الاجتماعي والبيئي المباشر، مع خفض الدعم العشوائي والضريبي للشركات الكبرى".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjAxIA== جزيرة ام اند امز