أوروبا قلقة من فقدان فرنسا دورها في الاتحاد مع تراكم أزماتها الداخلية

تدق بروكسل ناقوس الخطر بشأن قدرة فرنسا على الاستمرار في لعب دورها القيادي داخل الاتحاد الأوروبي، مع تراكم الأزمات.
وتعيش فرنسا واحدة من أكثر مراحلها السياسية حرجًا في العقود الأخيرة، وسط تراجع الثقة الداخلية وصعود التيارات اليمينية المتشددة وتدهور الوضع المالي.
ففي الوقت الذي يعول فيه الأوروبيون على قوة فرنسا باعتبارها دولة مؤسسة، وثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد، والقوة النووية الوحيدة فيه، باتت حالة الاضطراب السياسي المتكررة في باريس، مع تغيير ثلاثة رؤساء وزراء في عام واحد، تثير مخاوف الشركاء الأوروبيين بشأن استقرار القارة بأسرها.
ورأى لوآيك بلونديو أستاذ في الجامعة الفرنسية باريس-1 السوربون بانتيون، المتخصص في العلاقات الفرنسية الأوروبية، في حديث لـ"العين الإخبارية" أن قلق الشركاء الأوروبيين من الوضع السياسي الفرنسي ليس مجرد رد فعل عاطفي أو إعلامي، بل يستند إلى مؤشرات حقيقية تُظهر ضعفًا متناميًا في الاستقرار السياسي والمصداقية، مما يثير تساؤلات حول قدرة فرنسا على الاستمرار في لعب دور قيادي في الاتحاد الأوروبي.
ضعف الثقة الداخلية
وأشار الباحث الفرنسي إلى أن آخر استطلاع للرأي أجراه مركز العلوم السياسية التابع لمعهد العلوم السياسية في باريس، أظهر تراجع نسبة الثقة لدى الفرنسيين في مؤسساتهم السياسية (الحكومة، البرلمان، الرئيس) إلى مستويات تاريخية منخفضة، حتى أن 27% من الفرنسيين فقط يثقون في السياسة بصفة عامة.
وأكد الباحث الفرنسي أن هذا الانخفاض في الثقة يولد غيابًا للشعور بالشرعية لدى المسؤولين السياسيين، ما يجعل كل تغيير حكومي ينظر إليه بشك حتى قبل اختباره.
صعود اليمين
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية الفرنسي أن صعود حزب التجمع الوطني على المسرح الأوروبي والداخلي هو عامل يقلق، ليس فقط من حيث التغيرات في السياسات المستقبلية، بل أيضًا من حيث التحديات التي يُمكن أن يطرحها للنموذج الأوروبي القائم على التعاون والانفتاح والالتزام بالمعاهدات الأوروبية.
وأشار بلونديو إلى أن صعود هذه القوى اليمينية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بفقدان الثقة بالمؤسسات التقليدية، وزيادة الشعور بالهوية والفرقة الذي تستغله هذه الأحزاب في خطابها.
المالية العامة والاستدامة الاقتصادية
واعتبر بلونديو أن ضعف الوضع المالي، العجز المتكرر، والدين العام المتزايد يُرجع المخاطر ليس فقط على فرنسا وحدها، بل يمتد تأثيره إلى التوازن المالي داخل منطقة اليورو.
ووفقًا للباحث الفرنسي فإن أوروبا تتابع عن كثب كيفية تعامل القيادات الفرنسية مع هذه الأزمات، خاصة في ظل توقعات بتضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، وتأثر الاقتصاد الأوروبي بالأزمات العالمية.
التأثير الخارجي
ويرى بلونديو أن فرنسا ما زالت تمتلك مقومات كبيرة: فهي دولة مؤسسة للاتحاد، وثاني أكبر اقتصاد فيه، وامتلاكها السلاح النووي وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي يمنحها ثقلًا استراتيجيًا لا يمكن تجاهله.
لكنه يحذر من أن هذا الثقل يمكن أن يتآكل إذا لم تستعد الدولة الفرنسية استقرارًا سياسيًا، وضمانًا قانونيًا، واستمرارية في السياسات الأوروبية الداخلية والخارجية.
في هذا السياق، قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن "عدم الاستقرار السياسي، وصعود حزب التجمع الوطني (أقصى اليمين)، وتدهور الوضع المالي.. كل ذلك يجعل الشركاء الأوروبيين يشعرون بقلق بالغ تجاه فرنسا".
وأضافت الصحيفة الفرنسية أن تعيين سيباستيان لوكورنو رئيسًا للوزراء، وهو الذي لم يكن منخرطًا بشكل كبير في الساحة الأوروبية – لا يسهم في تهدئة هذه المخاوف.
ووفقًا للصحيفة الفرنسية، فإنه "في بروكسل، ومنذ اختراق حزب التجمع الوطني في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران 2024، وما تبعه من حلٍّ فاشل للبرلمان من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون، أصبح الوضع السياسي الفرنسي يُنظر إليه على أنه مقلق.
وأضافت: "من هذه الزاوية، فإن تعيين رئيس وزراء ثالث خلال عام واحد – في 9 سبتمبر/أيلول – لا يبعث على الطمأنينة. إذ اعترفت النائبة الأوروبية المقرّبة من ماكرون، فاليري هاير، في اليوم نفسه قائلة: "لا يسعني إلا أن أشارككم قلقي بشأن الوضع السياسي في فرنسا، والقلق الذي يعبر عنه زملاؤنا".
وأشارت "لوموند" إلى أنه "صحيح أن فرنسا ليست الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تشهد حالة عدم استقرار سياسي، حيث بات وصول اليمين المتطرف المشكك بالاتحاد إلى السلطة احتمالًا واردًا في عدة دول".
ووفقًا للصحيفة الفرنسية فإنه "مع وجود حرب على حدود الاتحاد الأوروبي، واتساع الفجوة الاقتصادية بين أوروبا من جهة والولايات المتحدة أو الصين من جهة أخرى، فإن الاتحاد الأوروبي يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أن تكون فرنسا مستقرة وصلبة.
وعبر النائب الأوروبي نيكولا بروكاتشيني، المنتمي إلى حزب إخوة إيطاليا المقرب من رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، في وقت سابق هذا الشهر عن هذه المخاوف قائلا: "عدم الاستقرار السياسي في فرنسا يمثل مشكلة لأوروبا.. 4 حكومات في أقل من عامين، هذا كثير جدًا".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg5IA== جزيرة ام اند امز