ماكرون قلق مع انتهاء مهلة لوكورنو.. اليسار رهان أخير لـ«توازن جديد»

مع قرب انتهاء المهلة التي حددها الإليزيه لسيباستيان لوكورنو رئيس الوزراء المستقيل لإجراء "مفاوضات أخيرة" في محاولة لإنقاذ حكومته،
يزداد قلق الرئيس إيمانويل ماكرون الذي بدا أنه سيراهن على "اليسار" لبناء توازن سياسي جديد يُجنبه حل البرلمان.
وتعيش الرئاسة الفرنسية حالة استنفار سياسي، بينما يسعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إيجاد مخرج من الأزمة السياسية التي هزت البلاد.
ووفقاً لمعلومات إذاعة "أر.تي.إل" الفرنسية، بدأت بالفعل تحركات مكثفة داخل قصر الإليزيه، وسط مؤشرات على قلق بالغ يسيطر على ماكرون، الذي يواجه وضعاً غير مسبوق منذ وصوله إلى الحكم.
ونقلت إذاعة "أر.تي.إل" الفرنسية عن مصادر في قصر الإليزيه قولها: "الرئيس ماكرون يبدو متأثراً ومهموماً بالأزمة الحالية، التي تفجّرت مجدداً على خلفية الجمود الحكومي والانقسامات الحزبية".
وقد كلف ماكرون وزير الدفاع السابق سيباستيان لوكورنو بمهمة حساسة تتمثل في محاولة التوصل إلى اتفاق سياسي بين مختلف القوى لتشكيل قاعدة استقرار جديدة.
وقالت الرئاسة الفرنسية الإثنين إن ماكرون "كلّف رئيس الوزراء المستقيل المسؤول عن تصريف الأعمال إجراء مفاوضات أخيرة بحلول الأربعاء بغية تحديد إطار للتحرك والاستقرار في البلاد".
في موازاة ذلك، استقبل الرئيس الفرنسي، أمس الثلاثاء، كلاً من جيرار لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ، ويائيل براون-بيفيه، رئيسة الجمعية الوطنية، في لقاءات لم يكشف عن تفاصيلها بعد، ما أثار تكهّنات بشأن احتمال لجوء الإليزيه إلى حلّ الجمعية الوطنية مجدداً، كما حدث في يونيو/حزيران 2024.
هل يُحل البرلمان؟
وفقاً للمادة 12 من الدستور الفرنسي، يمكن لرئيس الجمهورية أن يحل الجمعية الوطنية بعد التشاور مع رئيس الوزراء ورئيسي غرفتي البرلمان.
إلا أن المعلومات التي أوردتها إذاعة "إر.تي.إل" الفرنسية تشير إلى أن هذا الخيار ليس هو المفضل حالياً لدى ماكرون، الذي يبدو حريصاً على استنفاد كل البدائل قبل اتخاذ خطوة كهذه.
وأوضح مصدر مقرب من الرئيس للإذاعة أن ماكرون يريد "الذهاب إلى نهاية كل الاحتمالات الممكنة قبل التفكير في حلّ البرلمان"، في إشارة إلى أنه لا يزال يسعى إلى تسوية سياسية تحافظ على توازن السلطة.
اليسار بالواجهة
ومن بين السيناريوهات المطروحة داخل أروقة الإليزيه، يبرز خيار تعيين رئيس وزراء من التيار اليساري.
وبحسب إذاعة "إر.تي.إل" الفرنسية، فإن اسم أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، يتكرر بقوة في النقاشات الدائرة داخل الدائرة المقربة من الرئيس.
ويبدو أن هذا الخيار ينظر إليه على أنه محاولة لبناء توازن سياسي جديد وتهدئة التوتر داخل البرلمان، خاصة إذا فشلت مبادرة لوكورنو في تحقيق توافق بين الكتل المختلفة.
لكن في حال تعثر هذا المسار أيضاً، قد يجد الرئيس الفرنسي نفسه مضطراً إلى اللجوء لحل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وهو سيناريو لا يزال قيد التحليل داخل القصر الرئاسي.
ماكرون يلتزم الصمت
ورغم تصاعد التوترات، لم يخرج ماكرون بعد إلى العلن بخطاب رسمي. ومع ذلك، تشير مصادر لإذاعة "إر.تي.إل" الفرنسية إلى أنه قد يتحدث قريباً إلى الفرنسيين، موضحة أن ثلاثة مواعيد محتملة تم تحديدها لإطلالته الإعلامية المقبلة: إما مساء الأربعاء، أو الجمعة، أو الأحد المقبل.
وفي ظل انسداد الأفق الحكومي وتآكل التحالفات داخل البرلمان، يجد ماكرون نفسه أمام خيارات صعبة: إما المضي في تجربة حكومة يسارية قد تهدّئ الأزمة مؤقتاً، أو حلّ البرلمان والمغامرة بانتخابات جديدة قد تزيد المشهد تعقيداً.
وفي كل الحالات، تبقى قلق ماكرون وتردده في اتخاذ القرار النهائي مؤشراً على حجم التحديات التي تواجه الرئاسة الفرنسية في واحدة من أكثر مراحلها حساسية منذ العام 2017.
أما السيناريو الذي يظل مستبعدا إلى حد كبير، لكنه يتردد في الأوساط السياسية الفرنسية خلال الأيام الأخيرة، هو لجوء الرئيس إيمانويل ماكرون إلى المادة 16 من الدستور الفرنسي"، التي تمنح رئيس الجمهورية صلاحيات استثنائية واسعة في أوقات الأزمات الوطنية الكبرى.
غير أن خبراء القانون الدستوري يؤكدون أن الظروف الحالية لا تسمح إطلاقاً بتفعيل هذه المادة، التي وُضعت لتستخدم في حالات نادرة تهدد بقاء الدولة أو مؤسساتها.
ما هي المادة 16؟
وتمنح المادة 16 من دستور الجمهورية الخامسة رئيس الجمهورية سلطات استثنائية مؤقتة تجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في يده، بهدف حماية النظام الديمقراطي وضمان استمرارية عمل مؤسسات الدولة بأسرع وقت ممكن، بحسب محطة "فرانس.إنفو" الفرنسية.
بمعنى آخر، عندما يُفعّل الرئيس هذه المادة، يُمنح "صلاحيات شبه مطلقة" تمكّنه من اتخاذ قرارات وتشريعات دون الرجوع إلى البرلمان أو إلى رئيس الوزراء والوزراء للتوقيع المشترك على المراسيم.
وهذه الصلاحيات، رغم اتساعها، ليست بلا حدود، فالمادة 16 لا تخول الرئيس حل الجمعية الوطنية، ولا تمنحه الحق في منع البرلمان من الانعقاد أو تعديل الدستور.
كما تخضع جميع القرارات الصادرة بموجب هذه المادة لمراجعة المجلس الدستوري الفرنسي، الذي يتولى أيضاً مراقبة المدة الزمنية لممارسة هذه الصلاحيات.
فبعد مرور 60 يوماً على إعلانها، يجب على المجلس التأكد من استمرار توفر الشروط الاستثنائية التي تبرر استخدامها.
شروط صارمة
وتعد المادة 16 من أكثر المواد تقييداً في الدستور الفرنسي من حيث شروط تفعيلها. فقد استخدمت مرة واحدة فقط في تاريخ الجمهورية الخامسة، وذلك بين 23 أبريل/نيسان و29 سبتمبر/أيلول عام 1961، عندما فعلها الجنرال شارل ديغول عقب محاولة انقلاب قادها عدد من الجنرالات الفرنسيين في الجزائر.
ولكي يتمكن الرئيس من اللجوء إلى هذه المادة، يجب توافر شرطين جوهريين: أن تواجه البلاد تهديداً خطيراً ومباشراً لمؤسسات الجمهورية، أو لاستقلال الأمة، أو لوحدة أراضيها، أو لتنفيذ التزاماتها الدولية، وأن يحدث انقطاع فعلي في سير عمل السلطات الدستورية العامة، أي أن تصبح مؤسسات الدولة عاجزة عن ممارسة وظائفها الطبيعية.
أما من الناحية الإجرائية، فيتعين على الرئيس قبل إعلان تفعيل المادة 16 أن يقوم باستشارة رسمية لكل من: رئيس الوزراء، ورئيس الجمعية الوطنية، ورئيس مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى المجلس الدستوري.
كما يجب عليه إبلاغ الأمة عبر خطاب رسمي بقراره تفعيل هذه الصلاحيات.
وأكد خبراء القانون الدستوري أن الحديث عن احتمال لجوء ماكرون إلى المادة 16 "لا معنى له" في السياق الراهن.
وقال الخبير الدستوري الفرنسي البروفيسور جان-كريستوف بارباتو، المتخصص في القانون العام بجامعة السوربون، إن تفعيل المادة 16 في الظروف الحالية سيكون تجاوزاً خطيراً للدستور الفرنسي.
وأضاف بارباتو في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية": "إن المادة 16 ليست أداة سياسية لحل الأزمات البرلمانية أو المأزق الحكومي، بل هي صمام أمان وطني يُستخدم فقط في حال تعرض الدولة لخطر وجودي".
ورأى أن استخدام هذه المادة اليوم سيفسر كإضعاف للديمقراطية الفرنسية، وقد يفتح الباب أمام أزمة دستورية أكبر من الأزمة السياسية الحالية".
وقال ديدييه موس، أستاذ القانون الدستوري في جامعة إيكس-مرسيليا: "لا يوجد أي سبب، ولا حتى بداية سبب، لاستخدام المادة 16 حالياً".
ورأى موس: "لا توجد أزمة خارجية تهدد البلاد، وعلى الصعيد الداخلي تعمل مؤسسات الدولة بشكل طبيعي. البرلمان ينعقد، والرئيس يواصل مهامه، والمشكلة الوحيدة هي سياسية بحتة تتمثل في غياب أغلبية حكومية مستقرة. هذه ليست أزمة تهدد وجود فرنسا، بل أزمة سياسية مؤقتة".
وتابع قائلاً: "سنخرج من هذه الأزمة السياسية عاجلاً أم آجلاً. لا نعرف متى ولا كيف، لكننا سنخرج منها بالتأكيد".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNSA= جزيرة ام اند امز