الذاكرة والإرهاب وأوكرانيا.. السياسة الفرنسية ترافق ماكرون بالجزائر
ملفات يتوقف عندها الرئيس الفرنسي باليوم الثاني لزيارته إلى الجزائر، في مقدمتها الذاكرة ومكافحة الإرهاب بالساحل الأفريقي وحرب أوكرانيا.
والخميس، بدأ إيمانويل ماكرون زيارة رسمية إلى الجزائر تستغرق ثلاثة أيام، وتهدف إلى طي صفحة القطيعة و"إعادة بناء" علاقة لا تزال تتسم بثقل إث الماضي.
وخلال مؤتمر صحفي عقده اليوم الجمعة، اعتبر ماكرون أن البحث عن "الحقيقة" أهم من "الندم" بشأن المسائل المرتبطة باستعمار الجزائر التي تسبب خلافات متكررة بين البلدين.
وقال: "فيما يتعلق بمسألة الذاكرة والمسألة الفرنسية الجزائرية، كثيرا ما أسمع دعوات إلى الاختيار بين الفخر والندم. أنا أريد الحقيقة والاعتراف (لأنه) بخلاف ذلك لن نمضي قدما أبدا".
ومتطرقا إلى انسحاب القوات الفرنسية بالكامل من مالي مؤخرا، قال ماكرون إن ذلك لا يعني الانسحاب من المنطقة كلها، في إشارة إلى تمركز قوات بلاده في النيجر.
وبخصوص المخاوف التي يثيرها قصف محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، دعا ماكرون إلى عدم استعمال "الطاقة النووية المدنية أداة للحرب".
وأضاف في تصريحات إعلامية على هامش زيارته: "يجب ألا تقوض الحرب بأي حال من الأحوال السلامة النووية للبلاد والمنطقة وسلامتنا كلنا. يجب حماية الطاقة النووية المدنية بشكل كامل".
وفي سياق منفصل، أكد الرئيس الفرنسي أن "المملكة المتحدة دولة صديقة وقوية وحليفة بغض النظر عمن يقودها"، وذلك بعد رفض ليز تراس المرشحة الأوفر حظا لرئاسة الوزراء أن تقول ما إذا كان ماكرون "عدوا أو صديقا" لبلدها.
وشدد ماكرون على أن "بريطانيا، دولة صديقة وقوية وحليفة بغض النظر عمن يقودها، وأحيانا على الرغم من الأخطاء الصغيرة التي قد يرتكبونها في تصريحاتهم العامة".
وفي وقت سابق اليوم، زار ماكرون مقبرة سانت أوجين الأوروبية التي كانت المقبرة الرئيسية في العاصمة في أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر، لتكريم الجنود "الذين ماتوا من أجل فرنسا".
وكان قد توجه في أول أيام زيارته الخميس إلى نصب شهداء الجزائر في حرب الاستقلال (1954-1962) ضد فرنسا.
وفي محطة مهمة أخرى الجمعة من زيارته التي تجري تحت شعار إعادة إطلاق الشراكة الثنائية، يلتقي ماكرون مع رواد أعمال شباب على أمل إنشاء حاضنة فرنسية جزائرية لشركات ناشئة رقمية.
كما سيزور الجامع الكبير في الجزائر قبل أن يتوجه إلى وهران (غرب) ثاني مدينة في البلاد معروفة بانفتاحها وإبداعها.
مصالحة
وبعد أشهر من الخلافات الدبلوماسية، كرس الرئيس الفرنسي ونظيره الجزائري عبدالمجيد تبون مصالحهما، وبدا الجانبان متفائلين عقب اجتماع استمر أكثر من ساعتين.
وتحدث تبون الذي استقبل نظيره الفرنسي في المطار عن "نتائج مشجعة" تجعل من الممكن "رسم آفاق واعدة في الشراكة الخاصة التي تربطنا".
وأعلن أن فرنسا والجزائر ستعيدان إطلاق العديد من اللجان الحكومية لا سيما في المجالين الاقتصادي والاستراتيجي.
فيما شدد الرئيس الفرنسي على رغبة البلدين في التطلع إلى المستقبل و"العمل معا على هذا الماضي المشترك (...) المعقد والمؤلم".
وتتزامن الزيارة مع الذكرى الستين لانتهاء الحرب وإعلان استقلال الجزائر في 1962، وتعتبر هذه المرة الثانية التي يزور فيها ماكرون الجزائر منذ توليه الرئاسة، بعد زيارته الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2017.
وكانت العلاقات بين البلدين في ذلك الوقت في حالة جيدة مع الرئيس الفرنسي الشاب المولود بعد عام 1962، والذي وصف الاستعمار الفرنسي بأنه "جريمة ضد الإنسانية" قبل انتخابه.
لكن العلاقات تراجعت بسرعة بسبب ذكريات يصعب التوفيق بينها بعد 132 عاما من الاستعمار وحرب طاحنة ورحيل مليون فرنسي من الجزائر في 1962.
ولم تصدر اعتذارات تنتظرها الجزائر عن الاستعمار، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، سببت تصريحات ماكرون بشأن "النظام السياسي العسكري" الجزائري والأمة الجزائرية شرخا خطيرا.
ومنذ ذلك الحين، بذل ماكرون جهوداً كبيرة واستأنف الرئيسان تدريجيًا الشراكة الثنائية.