بيضة على رأس بارديلا.. حادث عابر أم احتقان متصاعد بفرنسا؟
اعتداء تعرض له جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني "أقصى اليمين"، يعيد إلى الواجهة أزمات السياسة في فرنسا.
إذ اعتبر خبراء، أن الحادث الذي تعرض له جوردان بارديلا، بعد كسر بيضة على رأسه خلال فعالية جنوب غربي فرنسا، لا يمكن النظر إليه كفعل عابر أو مجرد حركة احتجاج رمزية.
ووفق الخبراء، يمكن النظر إلى الاعتداء، كجزء من مناخ سياسي واجتماعي تتزايد فيه التوترات، وتتراجع فيه الحدود الفاصلة بين الاحتجاج والعنف الرمزي.
وتعرض جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، لاعتداء عبر كسر بيضة على رأسه يوم السبت في مدينة "مُواساك" (جنوب غرب فرنسا)، ما أدى إلى توقيف رجل سبعيني ووضعه في الحجز الاحتياطي.
وتحدث بارديلا، عن الحادث الذي وصفه بأنه جزء من "تغوّل العنف في النقاش الديمقراطي" في فرنسا، موجهاً اتهامات مباشرة إلى "أقصى اليسار" وحركة فرنسا الأبية.
وأكد بارديلا، أنه يرفض أن تُجرى الحملات الانتخابية المقبلة، سواء كانت محلية أو تشريعية أو رئاسية، في أجواء يسودها العنف، منتقداً "الصمت الكبير" في الساحة السياسية وعدم صدور عدد كافٍ من الإدانات من خصومه، بحسب إذاعة "20 مينيت" الفرنسية.
المتهم البالغ من العمر 74 عاماً، وهو مزارع متقاعد، كان قد اعتدى بالطريقة نفسها على السياسي المنتمي إلى أقصى اليمين، إريك زيمور خلال حملته الانتخابية عام 2022.
كما سبق أن رشق إحدى حافلات حملة مارين لوبان بالبيض في الفترة نفسها.
وقالت الشرطة، إن الرجل كان يقف في صف الحاضرين لطلب توقيع بارديلا، قبل أن ينقض عليه ويكسر البيضة على رأسه.
من جهته، أدان وزير الداخلية لوران نونيز، الاعتداء، واصفاً إياه بأنه "غير مقبول".
اللافت أن بارديلا كان قد تعرض قبل أيام لاعتداء آخر بعدما أُفرغ عليه كيس من الطحين خلال زيارة لإحدى المعارض الزراعية، ما أدى إلى توقيف مراهق خضع لاحقاً لدورة "تربية مدنية".
سجل الاعتداءات
وفق رصدٍ شامل للسنوات الأخيرة، يتضح أنّ الاعتداءات الرمزية أو الجسدية ضد السياسيين ليست جديدة على الحياة العامة الفرنسية.
ومن أبرز الأمثلة صفع الرئيس إيمانويل ماكرون أثناء جولة في يونيو/حزيران 2021، ورئيس الوزراء الأسبق مانويل فالس للرش بالطحين عام 2017.
فيما تعرض زعيم حزب فرنسا الأبية، جان-لوك ميلينشون، إلى هجوم طفيف على خلال فعالية في 2022.
كما يتعرض إريك زيمور ومارين لوبان إلى اعتداءات متكررة بمقذوفات رمزية كالموز والبيض والطحين.
وتاريخياً، تعتبر هذه الحوادث جزءاً من ثقافة الاحتجاج الميداني الفرنسية التي تستخدم الرموز (البيض، والطحين، والكعك) كوسيلة لبعث رسالة سياسية.
لكنها تزايدت عدداً وحدّةً منذ 2018، مع أزمة "السترات الصفراء" واحتجاجات التقاعد وتزايد الاستقطاب في المجتمع.
احتقان متصاعد؟
بدورها، قالت الباحثة السياسية الفرنسية نونا ماير في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، لـ"العين الإخبارية" إن تزايد الاعتداءات يرتبط بارتفاع منسوب الاستقطاب السياسي والاجتماعي.
كما رأت أن حادثة بارديلا، وإن كانت رمزية، "تعكس توتراً أعمق في المجتمع الفرنسي، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية وزيادة صعود أقصى اليمين في استطلاعات الرأي".
وترى ماير، أن العنف السياسي غالباً ما يستهدف الرموز الأكثر حضوراً في المشهد العام، وهو ما ينطبق على بارديلا باعتباره حالياً أحد السياسيين الأكثر شعبية.
أزمة ثقة
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس، دومنيك رينييه، لـ"العين الإخبارية" إن "واقعة بارديلا تعكس أزمة الثقة بين النخبة السياسية الفرنسية والفرنسيين، نتيجة لتآكل الهيبة التقليدية للطبقة السياسية، وتوسع ثقافة المواجهة المباشرة بين الجمهور والسياسيين، واعتبار البعض أن العمل الرمزي (كالبيض والطحين) شكل مشروع للاحتجاج — وإن كان القانون يجرمه".
ويرى رينييه، أن الخطر لا يكمن في الحوادث نفسها، بل في تحولها إلى نمط معتاد قد يشجع على تجاوزات أكبر مستقبلاً.
وقد يبدو الاعتداء ببيضة حدثاً بسيطاً في ظاهره، لكنه يضع الإصبع على جرحٍ عميق فرنسا التي تدخل مرحلة سياسية شديدة الحساسية، يُخشى فيها أن تتحول المواجهات الرمزية إلى احتكاكات أخطر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTUzIA== جزيرة ام اند امز