فرنسا والنيجر وأسرار حرب الأعصاب
توترٌ بين باريس وعسكر النيجر وصل ذروته مع إنذار الثالث من سبتمبر لانسحاب القوات الفرنسية، وما سبقه من مهلة للسفير.
فما بين الثالث من سبتمبر/أيلول المقبل، لانسحاب القوات الفرنسية، والـ48 ساعة التي انتهت الأحد الماضي لمغادرة سفير باريس، وصولا إلى إلغاء جميع الاتفاقيات الأمنية والعسكرية مع فرنسا، تجد الأخيرة نفسها أمام اختبار وجود في مستعمرتها السابقة.
وترفض باريس استدعاء سفيرها وترى أن الانقلابيين لا يملكون الشرعية للمطالبة بذلك، كما أنها لا تعترف بالنظام الناتج عن الانقلاب وتطالب بالإفراج عن الرئيس المحتجز محمد بازوم وعودته إلى السلطة.
ومن ناحية أخرى، تواصل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) محاولاتها الدبلوماسية في انتظار اتخاذ قرار بشأن حدود التدخل العسكري لاستعادة النظام الدستوري في النيجر.
الصحفي فريديريك ليجال، مؤلف كتاب "الانفصال المستحيل عن الميثاق الاستعماري"، يفك أسرار حرب الأعصاب التي لا تخلو من التذكير بمدى تجاوز المخاطر للنيجر.
وفي مقابلة مع صحيفة "لو بوينت أفريك"، يقول ليجال إن هذه التوترات تأتي في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس بازوم في 26 يوليو/تموز الماضي.
ويضيف أن التوتر زادت حدته أيضا مع إشارة باريس إلى رغبتها في عدم الاعتراف بهذا المجلس العسكري الذي يقوده الجنرال عبد الرحمن تياني، رئيس الحرس الرئاسي منذ 2011، وعدم متابعة أي من طلباته أو قراراته.
وترغب نيامي، من بين أمور أخرى، بحسب الصحفي نفسه، في استبدال سفيرة النيجر الحالية لدى فرنسا، عايشاتو كاني بولاما، وهي شخصية تدور في مجرة الرئيس بازوم الذي لم يقدم استقالته حتى اليوم.
وفيما يتعلق بأزمة السفير الفرنسي لدى نيامي، اعتبر فريديريك ليجال، أن هذا القرار ينم عن تطرف العسكر بدعم شريحة كبيرة من الرأي العام النيجري تجاه الوجود الفرنسي في البلاد.
مستدركا "من حيث الأسس الموضوعية، من الممكن تماما أن تقوم دولة ما بطرد سفير. وقد رأينا ذلك مؤخرا في مالي مع طرد جويل ماير في يناير/كانون الثاني 2022. ومن الواضح أن هذا القرار محفوف بالعواقب في العلاقة بين البلدين".
ماذا لو طُرد السفير بالقوة؟
وكانت فرنسا على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون، قد أكدت رفضها لمغادرة سفيرها لدى نيامي، وما زالت تُصر على بقائه هناك، لكن السؤال إلى متى ستستمر هذه المواجهة، وما هي عواقبها بالنسبة لباريس والمجلس العسكري إذا تم طرد السفير بالقوة؟
وما هو مستقبل العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، لاسيما الوجود الفرنسي على أراضي النيجر؟
خلال مؤتمر عُقد في باريس في 28 أغسطس/آب الجاري، أعاد الرئيس إيمانويل ماكرون التعبير فعليا عن دعمه الكامل لسفير بلاده لدى النيجر، مع التأكيد على أنه سيبقى في منصبه.
ويرى صاحب كتاب"الانفصال المستحيل عن الميثاق الاستعماري"، أنه في حال أقدم المجلس العسكري أو مواطنون غاضبون على طرد السفير الفرنسي بالقوة، من خلال اقتحام السفارة، فإن ذلك "سيؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وردود فعل قوية، بما في ذلك على المستوى الأوروبي".
ومن مهلة السفير إلى مهلة القوات، ترتفع وتيرة التوتر بين باريس والمجلس العسكري الذي طالب القوات الفرنسية بالانسحاب الكامل من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، بحلول الثالث من سبتمبر/أيلول المقبل.
وفي هذا الصدد، لم يتفاجأ الصحفي فريديريك ليجال، من خطوة المجلس العسكري هذه، قائلا إنه مصمم على غرار الوضعين في مالي وبوركينا فاسو، ويبدو أنه يتبع سيناريو تم اختباره بالفعل في هذين البلدين الآخرين في منطقة الساحل ويقودهما الآن انقلابيون.
وتابع "يريد العسكريون في النيجر الضرب بقوة لسببين: من ناحية، السير في اتجاه جزء من الرأي لترسيخ شرعيتهم، ومن ناحية أخرى، اكتساب الشعبية وتجسيد نوع من القطيعة، لتكون وصمة العار للاستعمار الفرنسي الجديد. ومن الناحية الرمزية، يساهم الوجود العسكري الفرنسي في هذا الرفض إلى ما هو أبعد من الحرب ضد الإرهاب".
مستقبل فرنسا في أفريقيا
وعن مستقبل باريس في القارة الأفريقية، يقول ليجال، إنها فرنسا تجد نفسها معرضة للخطر، أكثر من أي دولة أخرى، بسبب بصمتها العسكرية القوية على وجه التحديد.
وبيّن أن "فرنسا هي القوة الاستعمارية الأوروبية السابقة الوحيدة التي تربط القارة الأفريقية عبر عدة قواعد مسبقة الإعداد تمتد من السنغال إلى جيبوتي عبر الغابون وكوت ديفوار وتشاد؛ والعديد من اتفاقيات التعاون العسكري أو العمليات الخارجية مثل برخان".
ولفت إلى أنه منذ الاستقلال، كان هناك ما يقرب من سبعين عملية أو تدخل عسكري لباريس في القارة الأفريقية.
وفي الجزئية الأخيرة، رأى أنه "سواء كانت هذه النزعة العسكرية مشروعة أم لا، فإنها تبدو في نظر العديد من الشباب الأفارقة وكأنها عفا عليها الزمن تماما، ويعتبرونها قوة تدخل، بل وحتى احتلال".
كما أنه إلى جانب الفشل النسبي في الحرب ضد الجماعات الإرهابية، فإن الأمر يولد قدرا هائلا من الإحباط والاستياء، وهو ما ترجمته أعمال شغب وقعت ضد الوجود العسكري الفرنسي في السنغال وكذلك في تشاد.
وحول فهم ما يحدث حاليا في النيجر ولماذا وكيف أصبحت فرنسا الهدف الرئيسي للمتظاهرين والجيش عندما يكون للنيجر شركاء متعددون مثل الصين والولايات المتحدة وألمانيا وغيرها الكثير، يعيد الصحفي الأمر لعدة عوامل تدور رحاها في منطقة الساحل.
عوامل تأتي في مقدمتها، أن الساحل الأفريقي تعد أفقر منطقة في العالم، إلى جانب أن باريس تدفع ثمن ستين عامًا من التدخل في أفريقيا، سواء على الصعيد السياسي "لتثبيت أو حتى الحفاظ على أنظمة تتفق مع مصالحها، أو عملة ناتجة مباشرة عن الفترة الاستعمارية أو حتى خطاب حول الطريقة التي ينبغي أن يعيش بها الأفارقة".
aXA6IDMuMTQ1LjE2MS4xOTQg
جزيرة ام اند امز