من «العام الأبيض» إلى «السنة الحمراء».. ميزانية فرنسا تفجر جدلا سياسيا

يستعد رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو لكشف النقاب عن ملامح خطة إنقاذ مالية عامة توصف بأنها "الفرصة الأخيرة" أمام حكومة تفتقر للأغلبية البرلمانية، في محاولة لسد فجوة عجز مالي تتجاوز 40 مليار يورو، وسط تصاعد حدة الانتقادات من جميع الاتجاهات.
ورسم خبراء اقتصاد فرنسيون أبرز السيناريوهات الاقتصادية في ضوء النقاش الدائر في الجمعية الوطنية، وردود الفعل السياسية التي تتصاعد على وقع أزمة مالية غير مسبوقة.
سيناريو "العام الأبيض"
من أبرز الخيارات المطروحة، وفق مصادر حكومية، خطة لـ"تجميد" معظم النفقات العامة لعام 2026، وهو ما يُطلق عليه اصطلاحا "العام الأبيض"، حيث تُعاد موازنات الوزارات والبرامج الاجتماعية كما هي دون تعديل رغم ارتفاع الأسعار.
وحذر الخبير الاقتصادي باتريك أرتوس في تصريح لـ"العين الإخبارية" من أن هذه الخطة ستؤدي عملياً إلى خفض فعلي في القوة الشرائية للمواطنين، خصوصاً المتقاعدين وأصحاب المداخيل المحدودة، نظراً لتآكل قيمة المخصصات بسبب التضخم، مما سيُفاقم الفوارق الاجتماعية.
سيناريو زيادة الضرائب
من السيناريوهات الأخرى التي اقترحها أرتوس، رفع بعض الضرائب أو تعديل شرائح الضريبة على الدخل، مع تقليص الإعفاءات، أو حتى فرض مساهمات استثنائية على كبار المُلّاك والميسورين.
إلا أن هذه الخطة تواجه برفض مطلق من اليمين المتطرف (حزب التجمع الوطني) الذي هدد بإسقاط الحكومة إذا لجأت إلى أي زيادة ضريبية.
وصرّح النائب جان فيليب تانغي أن "فرض سنة بيضاء أو ضرائب جديدة يعني سرقة أموال الناس".
فيما اعتبرها مانويل بومبار، منسق "فرنسا الأبية"، "سنة حمراء" ستضرب الفقراء أكثر مما تطال الأغنياء.
سيناريو ضريبة على الثروات الكبرى
يقترح التيار اليساري، وتحديداً الحزب الاشتراكي و"فرنسا الأبية"، اعتماد ضريبة جديدة على الثروات الكبرى، مستوحاة من أفكار الاقتصادي الفرنسي الشهير غابرييل زوكمان، وهي ما تُعرف بـ"ضريبة زوكمان" بنسبة 2% سنوياً على ثروات الأغنياء جداً، يمكن أن توفر ما بين 15 و25 مليار يورو سنوياً.
لكن الحكومة تعتبرها ضريبة "مصادرة" وغير واقعية اقتصادياً، وتخشى من آثارها على جاذبية فرنسا الاستثمارية، مما يجعل تمريرها سياسياً أمرًا شبه مستحيل.
مواجهة سياسية محتملة
ويرى الخبير الاقتصادي الفرنسي أن بايرو لن يتمكن من تمرير الميزانية دون اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور، التي تتيح له فرض الميزانية دون تصويت برلماني، وهو ما قد يُفجر موجة من الغضب السياسي.
النائب اليساري إريك كوكرال، رئيس لجنة المالية، حذّر من أن "التصويت على حجب الثقة مسألة وقت"، متهماً الحكومة بالارتهان لتحالفات هشّة مع اليمين المتطرف لتمرير مشروعاتها.
نقطة تحوّل سياسية قد تُعيد رسم المشهد العام
من جهته، قال الخبير في الاقتصاد السياسي فرنسوا كالفيه، أستاذ الاقتصاد في جامعة باريس-نانتير، أن هذه الميزانية تمثل "اختبار شرعية" لحكومة بايرو، ونجاحها أو فشلها سيحدد مصير تحالف الرئيس ماكرون.
وأضاف في تصريح لـ"العين الإخبارية": "فرنسا تقف أمام مفترق طرق: فإما إصلاح مؤلم يعيد الثقة في الأسواق والمستثمرين، أو أزمة سياسية تؤدي إلى حل البرلمان وإعادة الانتخابات، وهو ما قد يستفيد منه اليمين المتطرف في صناديق الاقتراع".
ورأى كالفيه أن ميزانية 2026 ليست مجرد وثيقة مالية، بل هي رهان سياسي واقتصادي كبير، وقد تحدد ملامح السنوات المقبلة في فرنسا. فبين التقشف، والضرائب، والتهديد بإسقاط الحكومة، متسائلاً:" هل ينجح بايرو في إنقاذ الاقتصاد الفرنسي دون إشعال فتيل أزمة سياسية شاملة؟".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTQzIA== جزيرة ام اند امز