سربت عدة وسائل إعلام عربية ودولية قبل أيام.
أنباء تفيد بنية فرنسا عدم السماح لبعض المسؤولين اللبنانيين بدخول أراضيها لتورطهم بقضايا فساد، إضافة لإعاقتهم للحلول السياسية التي تقترحها باريس منذ العام الماضي، لحل الأزمة اللبنانية الراهنة التي باتت تؤثر على كل مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وهو تطور خطير ويستدعي تدخلات لحله.
ورغم أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي زار لبنان الخميس، لم يكشف عن أسماء الشخصيات اللبنانية التي ستمنع بلاده دخولهم إلى أراضيها، إلا أنه بدا واضحا من تصريحاته التي أدلى بها الأسبوع الماضي، قبل قدومه إلى بيروت أنه يقصد أولئك الذين يقفون كحجر عثرة أمام طريق الوصول لاتفاق وتشكيل حكومة جديدة قادرة على تصحيح بعض الأمور ومنع لبنان من الانهيار التام، وهؤلاء بلا شك من كبار المسؤولين وكانت فرنسا تنوي معاقبتهم منذ نحو عامين.
ويمكن وصف هذه الخطوة الفرنسية بالجدية، وبأن كل محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوضع حلول مقبولة وعاجلة لمختلف الأزمات اللبنانية وليست السياسية فقط، صادقة وستكون حاسمة في المرحلة القادمة، لاسيما وأن بيان وزارة خارجيته أشار بشكل واضح إلى فساد المسؤولين اللبنانيين الذين ستمنع فرنسا دخولهم إلى أراضيها، ويبدو أن نية فرنسا بهذا القرار تتخطى مسألة فك عقدة تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، وتتجه لإيجاد حل للكارثة الاقتصادية التي يعيشها الشعب اللبناني وقد يكون مفتاحها مصادرة أموال هؤلاء المسؤولين في بعض البنوك الفرنسية وربما أيضا الأوروبية.
إن وزير الخارجية الفرنسي يحاول بشتى الطرق الضغط على مختلف الأطراف السياسية لدفع رئيس الحكومة المكلف
"سعد الحريري" لتشكيل وزارته، لكن هذه الضغوط لم تأت بما هو مطلوب حتى اليوم لعدة أسباب أبرزها الانشغال الدولي عن لبنان، خاصة بعد المفاوضات الإيرانية التي تستمر في العاصمة النمساوية والتي ربما تمهد للعودة إلى الاتفاق النووي، وهو ما يضع الملف اللبناني في درجة أدنى من الأهمية، ونتيجة ذلك تبدو باريس الطرف الدولي الوحيد الذي يهتم بإيجاد مخرج للبنان ليتخلص من أزماته.
وإضافة للانشغال الدولي، تبدو قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل أهم بكثير من الأزمتين السياسة والاقتصادية، الأمر الذي من شأنه تأجيل تشكيل الحكومة أو الوصول لحلول مقبولة في الوقت الراهن، بالرغم من المحاولات الفرنسية التي لم تهدأ منذ العام الماضي. ومع أن المفاوضات اللبنانية ـ الإسرائيلية كانت قد وصلت إلى طريق مسدود حول مساحة المنطقة البحرية المتنازع عليها، لكنهما عادا إلى طاولة المفاوضات برعاية أمريكية، وبالتالي يبدو أن المجتمع الدولي يمنح أهمية كبيرة لقضية ترسيم الحدود دون أن يكترث بالأزمات اللبنانية الداخلية.
بلا شك زيارة لودريان إلى لبنان كانت مختلفة هذه المرة ولا تشبه التي قام بها في السابق، فهو على الأرجح سوف يلجأ لفرض عقوبات على شخصيات لبنانية حال استمرارها في الوقوف كعائق أمام التوصل لحلول للأزمات المتلاحقة في لبنان، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يؤيد باريس في هذا الاتجاه. وهذا يعني أن وزير الخارجية الفرنسي كان حاسما في مباحثاته الجديدة مع المسؤولين اللبنانيين، وبذلك وضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تشكيل حكومة بوقت قصير أو فرض عقوبات قاسية عليهم، وهذا ما ستكشفه الأيام القريبة المقبلة.
كما أن وزير الخارجية الفرنسي بدا غاضبا من تعنت بعض الأطراف السياسية اللبنانية التي تعيق تشكيل الحكومة، وقد كان هذا الأمر واضحا في منحه حيزا من زيارته لمقابلة شخصيات من المجتمع المدني خاصة وأن شخصيات سياسية تهربت من لقائه. إضافة لامتناعه عن عقد مؤتمر صحفي، وقد اكتفى بالرد على أسئلة بعض الصحافيين بشكل مقتضب، مشددا على أن جميع القادة اللبنانيين لم يلتزموا بوعودهم للرئيس الفرنسي، وأن باريس ستجيش المجتمع الدولي للضغط عليهم لإجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وقد كان مثيرا للانتباه عدم زيارة لودريان لحسان دياب، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، وكذلك اكتفى باستدعاء الحريري إلى قصر الصنوبر الذي التقى فيه الرئيس اللبناني ميشيل عون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بدلا من أن يقوم هو بزيارة الرئيس المكلف في بيت الوسط، وهذه إشارة إلى أن لودريان وضع أبرز طرفين لبنانيين في كفة واحدة، متهما إياهما بعدم الاكتراث بتشكيل الحكومة المرتقبة وبأنهما سبب ما وصلت إليه البلاد، وهو ما يعني أن باريس قد تقوم بتعديل مبادرتها السلمية واللجوء لطرق أخرى أكثر صرامة أبرزها العقوبات الاقتصادية على مسؤولين لبنانيين، للمساهمة في خلاص بلادهم من أزماته الحالية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة