اشتكى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال خطابه السنوي أمام الجمعية الفيدرالية الروسية في يوم 21 أبريل.
من أن الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى "ترفض بعناد مقترحات روسيا العديدة لإقامة حوار دولي حول المعلومات والأمن السيبراني، وقد طرحنا هذه المقترحات عدة مرات ولكنهم يتجنبون حتى مناقشة هذا الأمر".
طلب إجراء "حوار دولي"، ينظر إليه أمريكا بأن صادر عن الدولة التي اتهمت بالتدخل في انتخابات الرئاسة خلال الأعوام 2016 و2018 و2020. حيث طالما كانت السيطرة على "مساحة المعلومات"، كما يطلق الروس أحياناً على شبكة الإنترنت، أولوية استخباراتية بالنسبة لهم. ويبدو أن روسيا تضغط على الدبلوماسية السيبرانية على جبهتين: أولاً، تبنت الأمم المتحدة اقتراح روسيا لصياغة معاهدة جديدة تحكم الجريمة السيبرانية، لتحل محل اتفاقية بودابست لعام 2001 التي رفضتها موسكو لأنها "كانت تطفلية للغاية"؛ وثانياً، تمارس روسيا ضغوطاً كي يتولى مرشحها رئاسة الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة ،”ITU” واستخدامه ليحل محل المجموعة الخاصة الحالية المعروفة باسم”ICANN” التي تنسق عناوين الإنترنت. وتبدو هذه المعارك التنظيمية الدولية غامضة، ولكنها ستساعد في تحديد مَنْ يكتب قواعد الاتصالات عبر الإنترنت خلال ما تبقى من القرن الحادي والعشرين.
يبقى السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت هذه العملية ستعود بالنفع على الدول التي تريد السيطرة على المعلومات أم لا. إذ شدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على أهمية هذه المنافسة، حيث قال في رسالة له عبر البريد الإلكتروني إن "هناك عدداً قليلاً نسبياً من العناصر التي سيكون لها في نهاية المطاف تأثير أكبر على حياة الناس حول العالم مقارنة بمَن يتولى رئاسة الاتحاد الدولي للاتصالات؛ ولذا فنحن منخرطون بنشاط كبير جداً على هذه الجبهة".
إن المرشح الروسي لمنصب الأمين العام للاتحاد هو رشيد إسماعيلوف، وهو نائب سابق لرئيس وزارة الاتصالات الروسية ومدير تنفيذي سابق في شركة الاتصالات الصينية هواوي. وتدفع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بدورين بوغدان مارتن، خبيرة الاتصالات الأمريكية التي تشغل حالياً منصب مدير مكتب التنمية بالاتحاد الدولي للاتصالات، لمنصب رئيس الاتحاد. وتشن وزارة الخارجية الأمريكية حملة قوية من أجل تعزيز موقف بوغدان مارتن، ويأمل المسؤولون في أن تحصل على الدعم الكافي في أفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية وأماكن أخرى للفوز بالمنصب. وستُجرى الانتخابات في اجتماع للاتحاد الدولي للاتصالات أواخر العام المقبل في رومانيا.
يبقى أن الأصول الأمريكية لشبكة الإنترنت تزعج بوتين على ما يبدو وتغذي "أحاديث تآمرية"، وروسيا مستعدة لتغيير القواعد التي ستشكل مستقبل الاتصالات عبر الإنترنت. يبدو في الوقت ذاته أن إدارة بايدن مصممة على القتال بقوة لإبقاء القواعد على وضعها الحالي.
هذا، ويبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعيان لعقد قمة في يونيو المقبل أثناء وجود بايدن في أوروبا لإجراء محادثات مع الحلفاء هناك. فمن المقرر أن يحضر بايدن -الذي قال يوم الثلاثاء إنه من "أمله وتوقعه" أن يلتقي بوتين الشهر المقبل- قمة لمجموعة السبع في بريطانيا في الفترة من 11 إلى 13 يونيو ثم يسافر إلى بروكسل لحضور محادثات للاتحاد الأوروبي وقمة لحلف شمال الأطلسي “ناتو” في يوم 14 يونيو.
ذكرت صحيفة "كومرسانت" الروسية، نقلاً عن مصادر مجهولة، أن البيت الأبيض اقترح يوم 15 أو 16 يونيو موعداً للقاء مع بوتين في دولة ثالثة، وعرضت النمسا وفنلندا استضافة الحدث. وأخبر يوري أوشاكوف، مساعد بوتين، وسائل الإعلام الرسمية بأن القمة قد تعقد في يونيو المقبل، ولكن لم يتم اتخاذ قرار حاسم. وقال وزير الخارجية سيرجي لافروف إن الكرملين تلقى اقتراح بايدن بعقد قمة "بشكل إيجابي".
ولكن ما الذي يحتمل أن يكون على جدول الأعمال؟ على الرغم من أن العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا أصبحت عدائية بشكل متزايد، لكن هناك بعض المجالات للتعاون المحتمل: السيطرة على الأسلحة النووية، والملف النووي الإيراني، وكوريا الشمالية، والاستقرار في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة وقوات التحالف. وقد شارك بوتين في قمة المناخ الافتراضية التي عقدها بايدن الشهر الماضي. وقد يتطرق الحديث إلى إحياء معاهدة الأجواء المفتوحة، وهي اتفاقية دولية تسمح بتحليق رحلات جوية رقابية فوق المنشآت العسكرية انسحبت منها الدولتان ولكن يبدو أنهما على استعداد للسعي من أجل العودة إليها. وتوجد بعض القضايا التي لن يقبلها بوتين، ومن بينها شرق أوكرانيا، حيث كان الانفصاليون المدعومون من موسكو والقوات الأوكرانية المدعومة من الغرب يتقاتلون لأكثر من سبع سنوات.
وعززت روسيا مؤخراً وجودها العسكري بالقرب من أوكرانيا في رسالة واضحة إلى واشنطن بأن موسكو تقف إلى جانب إقليم أوكرانيا الانفصالي.
ومن غير المرجح أيضاً أن يتزحزح بوتين عن موقفه بشأن قضية زعيم المعارضة المسجون أليكسي نافالني. وتقول هيذر كونلي، رئيسة برنامج أوروبا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن هدف الكرملين للقمة سيكون "تذكير واشنطن بأن علاقتها مع بكين تزداد قوة يوماً بعد يوم ما لم يجرِ التوصل إلى ترتيب جديد مع الولايات المتحدة".
في الخلاصة وبالعودة إلى إشكالية التجسس الروسي على الولايات المتحدة، كلنا يذكر عام ٢٠١٤ عندما تسلل برنامج تجسس متطور إلى مئات من أجهزة الكمبيوتر الحكومية عبر أوروبا والولايات المتحدة في واحدة من أعقد عمليات التجسس الإلكتروني المكتشفة حتى الآن، واعتقد باحثون أمنيون وضباط مخابرات غربيون أن البرنامج المعروف على نطاق واسع باسم “تورلا” من صنع الحكومة الروسية، وأنه مرتبط بنفس البرنامج الذي استخدم في عملية اختراق أجهزة الجيش الأمريكي التي اكتشفت عام 2008.
كذلك ألقت الإدارة الأمريكية السابقة في عهد ترامب باللوم المباشر على روسيا في شن "أسوأ هجوم تجسس إلكتروني على الحكومة الأمريكية" حتى الآن، واتهمت موسكو بالوقوف وراء الهجمات الإلكترونية التي كُشف عنها مؤخراً، وتتطور الأمر إلى أن أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على روسيا رداً على ما تصفه بهجمات إلكترونية في إجراءات تهدف إلى ردع "أنشطة روسيا الخارجية الضارة".
وتستهدف العقوبات، التي فصلها أمر تنفيذي وقعه الرئيس جو بايدن، عشرات الكيانات والمسؤولين والدبلوماسيين الروس. فهل ستشكل تلك الاتهامات والعقوبات العثرة الرئيسية في محادثات القمة الثنائية المرتقبة بين بايدن وبوتين؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة