يكاد لا يمر أسبوع دون أن يقع حادث إطلاق رصاص على المارة في الطرق أو المترددين على المحلات التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولم تقتصر هذه الظاهرة على مدينة دون أخرى بل امتدت لتشمل العديد من المدن في أغلب الولايات. كما شملت ضحاياها الرجال والنساء والأطفال، وبلغ عدد ضحايا هذا النوع من الجرائم في عام 2020 وحده 18500 فرد، منهم 284 طفلاً ممن تقل أعمارهم عن 11 عاماً.
وفي عام 2020 أيضاً، أقبلت أعداد كبيرة من الأمريكيين على شراء السلاح والذخائر للدفاع عن أنفسهم في ظروف التباعد والعزل التي فرضها وباء كورونا، والخوف من استغلال بعض اللصوص هذه الظروف واقتحام منازلهم، مما أدى إلى ارتفاع أرباح متاجر بيع الأسلحة بشكل غير مسبوق.
يرجع سبب هذه الظاهرة إلى أن أمريكا تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تسمح ببيع الأسلحة النارية بما فيها البنادق الآلية بالحد الأدنى من القيود. ويعتبرها الأمريكيون جزءا من حقوقهم الشخصية وحرياتهم التي كفلها الدستور. فنص التعديل الثاني للدستور الذي صدر في عام 1791 على أنه "لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها". وبناء على ذلك، صدر قانون تنظيم ملكية البنادق عام 1968.
ويكفي للدلالة على عُمق الشعور بأهمية هذا الحق، أنه بعد استفحال جرائم القتل العشوائي أصدر الكونجرس قانوناً في عام 1994 يقضي بحظر تصنيع وبيع الأسلحة النارية نصف الآلية والأسلحة الهجومية للمدنيين، وذلك لمدة 10 سنوات. وبعد انتهاء هذه المدة، لم يتمكن الكونجرس من تجديد مدة سريان هذا القانون وذلك تحت ضغوط لوبي صناعة السلاح.
وفي عام 2021، نصت دساتير ثلاث دول فقط على حق مواطنيها في حيازة الأسلحة وهي الولايات المتحدة والمكسيك وجواتيمالا. ويمكن تفسير ذلك في حالة أمريكا بتاريخ نشأتها عن طريق الهجرة واعتماد المهاجرين الأوائل على أنفسهم في الدفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم، في وقت لم يكُن قد ظهر فيه نظام للشرطة وحفظ الأمن، بل ويُرجعها البعض إلى وثيقة الحقوق في بريطانيا عام 1689 التي أجازت للبروتستانت حق امتلاك أسلحة للدفاع عن أنفسهم. وعندما هاجر هؤلاء إلى أمريكا، حملوا معهم هذا التقليد.
لكن الأمر يتعدى موضوع الحقوق والدستور، فيعود بشكلٍ أساسي إلى قوة لوبي صناعة السلاح في أمريكا وجماعات المصالح المرتبطة به. وتُعتبر "الجمعية الوطنية للبنادق" المُكوِّن الرئيسي في هذا اللوبي. وقد تأسس أول فرع للجمعية بولاية نيويورك عام 1871، ثم انتشرت فروعها في أغلب الولايات.
وتعمل الجمعية على الدفاع عن حق المواطنين في حمل السلاح، وتقوم بمتابعة أي تشريعات يكون من شأنها تقييد هذا الحق، وتسعى لعدم تمريرها بدعوى عدم دستوريتها. كما أنها تساند مالياً الحملات الانتخابية لكثير من أعضاء مجلسيْ النواب والشيوخ، مما يجعلهم أكثر تعاطفاً وتأييداً مع مطالبها. وليس من قبيل المبالغة القول بأن هذه الجمعية هي أقوى لوبي في الولايات المتحدة.
إن نفوذ لوبي السلاح في أمريكا ينهض على الترابطات والتحالفات بين رجال المال والسلاح من ناحية، ورجال السياسة والأحزاب من ناحية أخرى.
وهو التحالف الذي حذَّر منه الرئيس دوايت آيزنهاور في آخر خطاب له قبل انتهاء ولايته الثانية في يناير/كانون الثاني 1961، عندما نبَّه إلى خطورة "المُركَّب الصناعي العسكري" على مستقبل الحريات والديمقراطية في أمريكا، والذي ذكر فيه أنه "في أروقة الحكومة، علينا أن نقاوم ضد النفوذ المتنامي للمُركَّب الصناعي العسكري". ومثَّلت كلمات آيزنهاور تنبيهاً مُبكِّراً تجاه النفوذ المتزايد لشركات صناعة الأسلحة في المجتمع والتي ترتبط مصالحها باستمرار بيع السلاح للمدنيين.
وعلى مدى السنين، كانت هناك مطالبات بتقييد شراء وحيازة السلاح خاصة بعد وقوع جرائم بشعة بسببها. وعلى سبيل المثال، ففي أعقاب إطلاق النار على طلبة إحدى المدارس الثانوية في ولاية فلوريدا في فبراير 2018 والتي راح ضحيتها 17 طالباً، التقى وفد من الطلاب الرئيس ترامب وناشدوه التدخل لحماية أرواح الأطفال الأمريكيين، لكن شيئاً لم يحدث.
وفي أول خطاب له أمام الاجتماع المشتَرك لمجلسيْ الشيوخ والنواب يوم الأربعاء 28 أبريل/نيسان 2021، طرح الرئيس بايدن بعض الأفكار لتقييد حيازة الأسلحة مثل ضرورة حظر لما سماه "البندقية الشبح" وهي تلك التي يقوم الأفراد بشراء مكوناتها ثم تجميعها في منازلهم، خاصة أن هؤلاء لا يخضعون إلى التفتيش عن خلفياتهم كما يحدث بالنسبة للمشترين للأسلحة تامة الصنع. ووعد بأن يستخدم كل سُلطاته لمنع هذا الوضع.
فهل ينجح بايدن في تحقيق ذلك؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة