قمع وفقر وقهر.. شعبية أردوغان تتلاشى
تركيا بعد محاولة الانقلاب المزعومة تراجعت فيها بشكل هائل الحريات بقمع الصحفيين وسجن المعارضين، حتى باتت دولة يملؤها الريبة والخوف.
بينما اعتبر مؤيدون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عملية الانقلاب المزعومة في صيف 2016 كانت بمثابة تأييد شعبي له إلا أنها في حقيقة الأمر كانت بداية النهاية الوشيكة له وللحزب الحاكم "العدالة والتنمية".
- كاتب تركي: البلديات أوصلت أردوغان للحكم وستقوده للنهاية
- "واشنطن بوست": خسارة إسطنبول للمرة الثانية توبيخ لأردوغان
وأظهرت وثائق وتسريبات تدبير أردوغان ورجاله هذه المحاولة وقيام أجهزته الأمنية باضطرابات مفتعلة في البلاد، لاستغلالها فيما بعد للانتقام من المعارضة، وتثبيت أركان حكمه والوصول إلى صلاحيات كبرى.
تركيا بعد محاولة الانقلاب المزعومة تراجعت فيها بشكل هائل الحريات وزاد قمع الصحفيين وسجنهم وتسريح المعارضين واعتقال المناوئين والعسكريين والقضاة، حتى باتت دولة يملؤها الريبة والخوف والقهر.
وأسقط مؤشر فريدوم هاوس للحريات ترتيب تركيا إلى ذيل القائمة، فانضمت إلى إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، ووصفت منظمة مراسلون بلا حدود تركيا بأنها أكبر سجن في العالم للصحفيين.
وظن أردوغان بأنه بات مسيطرا على الشارع التركي إلى الأبد وأن ذلك الشعب يؤيده بكل سياساته وأفعاله وأقواله قبل أن تنزل نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت في مارس/آذار الماضي، عليه كصفعة مدوية قلبت كل حساباته رأسا على عقب وأوضحت مدى تراجع شعبيته.
وأظهرت استطلاعات رأي كثيرة بينها مؤسسة "Metropoll" للأبحاث تراجعا كبيرا لشعبية أردوغان لأسباب عديدة بينها ملف السياسة الخارجية وفتحه حروبا وعداءات على كل الجبهات وكذلك الأزمات الاقتصادية التي تسببت فيها سياسات الرئيس التركي وما نتج عنها من ارتفاع كبير لمعدلات التضخم وزيادة أعداد البطالة كأحد أهم عوامل تراجع شعبيته.
حتى المقربين من أردوغان قفزوا من المركب التي على وشك الغرق حيث شهدت الفترة الأخيرة انشقاقات كبيرة من الحزب الحاكم على رأسهم الرئيس السابق عبدالله غول، ورئيس الوزراء السابق، أحمد داوود أوغلو اللذان انتقدا بشدة سياساته الداخلية والخارجية وكذلك نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان.
** تركيا سجن كبير
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي تنفي جماعة رجل الدين فتح الله غولن أي تهمة موجهة لها بشأنها، اعتقل نظام رجب طيب أردوغان الآلاف من العسكريين والموظفين في القطاع العام والمدرسين والقضاة، بدعوى انتمائهم لجماعة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة.
وشهدت تلك الفترة وفاة نحو 200 شخص في ظروف مشبوهة، أو تحت التعذيب، أو بسبب المرض جراء ظروف السجون السيئة، وفرار عشرات الآلاف إلى خارج البلاد، وفق التقارير الأخيرة التي نشرتها المنظمات الدولية ومنها تقرير منظمة العفو الدولية مطلع شهر مايو/أيار الماضي.
وكانت منظمة العفو الدولية "أمنيستي" قد دعت في وقت سابق إلى وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان في تركيا، قائلة إنه لا يجب السماح لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان بمواصلة تقويض حقوق الإنسان في ظل الحملة الأمنية المتواصلة منذ المحاولة الانقلابية.
ويوم 10 مارس/آذار الماضي، كشف سليمان صويلو، وزير الداخلية التركي، عن توقيف 511 ألف شخص، اعتقل منهم 30 ألفا و821، في إطار العمليات التي استهدفت جماعة فتح الله غولن، وحزب العمال الكردستاني، منذ المحاولة الانقلابية المزعومة.
وفي 3 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن الوزير ذاته أن عدد المعتقلين في عام 2018 بلغ 750 ألفا و239 شخصا، بينهم أكثر من 52 ألفا فقط بشبهة الانتماء للداعية التركي المقيم في واشنطن.
** سياسة خارجية عدائية
بعد انسحاب أحمد داود أوغلو من رئاسة الحكومة وتراجع دوره في حزب العدالة والتنمية، وصعود أردوغان رئيسا لتركيا سنة 2014، تهاوت السياسة الخارجية للبلاد.
فبعد انتخابه رئيسا، زادت حدة خطابات أردوغان، وأصبح ينتقد كل من لم يتفق مع رؤيته حتى الدول التي لا تربطه معه علاقات عدائية حالية ولا تتصادم معه في المصالح.
أردوغان المتعطش للسلطة والتسلط أراد من خلال غطرسته المغامرة بعلاقاته مع الجوار العربي والخليجي وذهب بعيدا في تلك السياسة إلى درجة العداء، خاصة مع مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
عداء أردوغان مع دول الخليج جاء بسبب رفض الدول العربية تدخله في شؤون الدول ودعم فصائل وجماعات إرهابية في سوريا وليبيا وغيرهما.
كما دخل أردوغان في خلالفات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية اللذين فرضا عليه عقوبات اقتصادية أرهقت الأرتراك وزادت من معاناتهم.
** أوضاع اقتصادية مزرية
ارتفاع معدلات التضخم لأعلى نسب في 15 عاما وفقدان العملة المحلية ما يقارب من 40% وزيادة البطالة والعاطلين وتراجع الاستثمارات الأجنبية.. كلها عوامل نتجت عن تدخلات أردوغان وتأكيده على أنه يفهم قواعد الاقتصاد على عكس الحقيقة.
ورفض أردوغان الاستماع لنصائح البنك المركزي لرفع الفائدة لإنقاذ الليرة، ولم يكتف بذلك وأقاله قبل أيام.
وسارع الرئيس التركي بعد توليه منصبه إلى تعيين صهره براءت ألبيرق، وزيرا للمالية، وهو قرار زعزع ثقة المستثمرين كون الوزير السابق محمد شيمشك من مؤيدي اقتصاد السوق ومعارضا لسياسة التدخل فيه كما يرغب أردوغان.
وشهدت السنوات الثلاث الماضية إثارة أردوغان سلسلة أزمات سياسية كان لها تداعيات اقتصادية خطيرة مع القوى الاقتصادية الكبرى على رأسها أمريكا والاتحاد الأوروبي.
وعبرت مؤسسات التصنيف الائتماني الرئيسية في تقاريرها الأخيرة عن مخاوفها من مستقبل الوضع الاقتصادي لتركيا، وبالتالي خفضت تصنيفها لديون البلد، واعتبرت تركيا الثانية من بين الاقتصادات الصاعدة التي تعاني الهشاشة.
** بداية النهاية
مني أدوغان بانتكاسات مذهلة في الانتخابات المحلية بخسارة حزبه "العدالة والتنمية" الحاكم السيطرة على العاصمة أنقرة للمرة الأولى منذ تأسيس الحزب عام 2001 وكذلك خسارة إسطنبول أكبر مدن البلاد في انتخابات أعيدت مرتين.
ووفق مراقبين فإن هزيمة أردوغان في إسطنبول صفعة تاريخية للرئيس التركي الذي "فقد مصدر قوته في السلطة"، وأن أكرم إمام أوغلو الذي انتزع منه رئاسة البلدية يمكن أن يكون الرئيس المستقبلي للبلاد.
ووصفت صحف غربية إخفاق أردوغان بالانتخبات المحلية بأنه توبيخ مذهل من الأتراك يعبر عن الوضع الذي وصل إليه حكمه الذي استبدل التكنوقراطيين وشركاءه السياسيين ووضع مكانهم أفراد عائلته والمتملقين وأنه بداية النهاية للديكتاتورية التي اختارها لنفسه بقوله: "إذا تعثرنا فيها، فقدنا قدرتنا في جميع أنحاء البلاد". ".
واكتسح أكرم إمام أوغلو مرشح "تحالف الأمة" -المكون من حزبي الشعب الجمهوري (زعيم المعارضة)، والخير- منافسه بن علي يلدريم مرشح "تحالف الجمهور" -المكون من حزبي العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان، والحركة القومية المعارض.
ووفق نتائج الانتخابات، فاز إمام أوغلو بعد حصوله على 54.22% من أصوات الناخبين، مقابل 44.99% حصل عليها يلدريم رئيس الوزراء الأسبق.
** 4 نهايات محتملة لأردوغان
وفي مقال له بموقع "واشنطن إكسمينر"، قال الباحث الأمريكي مايكل روبين إن مستقبل أردوغان كرئيس للدولة التركية لن يخرج عن 4 سيناريوهات، إما الموت أو المنفى أو السجن أو الإعدام.
وكتب روبين، في مقاله، إنه لم يعد هناك أي نقاش حقيقي حول طبيعة نظام الرئيس رجب طيب أردوغان الديكتاتورية، الأتراك يخشون من كلمة خاطئة أو نكتة عابرة يمكن أن تؤدي إلى الاستجواب أو الاعتقال أو السجن".
وأضاف أنه بعد حوالي 15 سنة من تولي أردوغان لرئاسة الوزراء، ثم رئاسة الجمهورية يبدو أنه وثق من سلطته، لكن الأحداث الأخيرة التي تشهدها تركيا تجعل فترة حكمه على وشك الانتهاء.
aXA6IDMuMTQ0LjI0OS42MyA=
جزيرة ام اند امز