لوبان وبارديلا وأقصى اليمين الفرنسي.. قبضة جديدة على الدفة
يعاني "حزب التجمع الوطني" الذي يقود تيار أقصى اليمين في فرنسا من أعراض الميلاد العسير لقيادة جديدة.
وقد بدت مارين لوبان زعيمة الحزب والوجه المعبر عن تيار أقصى اليمين الفرنسي قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلم راودها لعقود، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن.
ففي الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2022، حققت لوبان نتائج غير مسبوقة أهلتها للانتقال إلى جولة ثانية حصلت خلالها على نحو 41.5% من الأصوات، ما يعكس أكبر حضور انتخابي لمرشح من تيار أقصى اليمين في تاريخ الجمهورية الخامسة.
ومع استعداد حزب التجمع الوطني في فرنسا لانتخابات عام 2027، يبدو أن فرص لوبان تتضاءل لصالح جوردان بارديلا.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس دومينيك رينيه أن ما يحدث داخل حزب التجمع الوطني في فرنسا (أقصى اليمين) أشبه بمرحلة انتقالية مؤلمة بين زعامة تاريخية ترسخت لعقود، وطموح شاب يندفع بثبات نحو واجهة المشهد.
وانهارت فرص لوبان في خوض السباق الرئاسي، إذ أصدرت محكمة فرنسية في مارس/آذار 2025 حكمًا يدينها بتهمة اختلاس أموال برلمانية أوروبية، ما أدى إلى منعها من خوض الانتخابات لمدة خمس سنوات.
وبينما تواصل لوبان تأكيد حضورها كمرشحة طبيعية للحزب، تفرض الوقائع السياسية والقضائية معادلة جديدة تُمهِّد تدريجيًا لصعود جوردان بارديلا، الذي يتخلص شيئًا فشيئًا من صفة "الخيار الاحتياطي" ليصبح واجهة محتملة للانتخابات الرئاسية لعام 2027.
تقبل قسري
وفي أوائل مايو/أيار الماضي، أحدث استطلاع للرأي اضطرابًا داخل أروقة حزب التجمع الوطني، وصف حينها بـ"الزلزال السياسي".
ولم يكن السبب في ذلك تموقع الحزب المتقدم، بل لأن معهد "أيفوب" اختبر فقط ترشيح جوردان بارديلا، بناءً على طلب الجهة المموِّلة المرتبطة برجل الأعمال بيار-إدوار ستيرين.
وفجّر القرار غضب أنصار مارين لوبان داخل الحزب، فشنّوا حملة ضغط انتهت بفرض ضمّ اسمها إلى الاستطلاع، غير أن الإضافة جاءت متأخرة ولم تُدرج ضمن العينة الأصلية، ما أفقدها القيمة العلمية المقارنة.
وعلى الرغم من احتجاجات النواب المقربين من لوبان، وعلى رأسهم جان-فيليب تانغي الذي وصف ما جرى بأنه "طعنة سياسية لمارين لوبان"، تبدل المزاج العام بسرعة لافتة.
ففي استطلاع جديد أجرته مؤسسة "أودوكسا" يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، جرى اختبار بارديلا منفردًا، وجاءت النتائج لتضعه في صدارة المتنافسين نحو قصر الإليزيه، دون أن تصدر أي موجة رفض أو تصعيد من قيادة الحزب.
وهكذا، تلاشت موجة الغضب الربيعية، وحلّ محلها صمت يعكس قبولًا مضمرًا بواقع سياسي جديد.
مأزق لوبان
وأضاف رينيه في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" أن السبب الجوهري لهذا التحول يعود إلى المسار القضائي الذي يهدد مستقبل مارين لوبان السياسي.
وفي يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من العام المقبل، ستنظر محكمة الاستئناف في باريس في قضية المساعدين البرلمانيين لحزب الجبهة الوطنية سابقًا، وهي القضية التي قد تُفضي إلى تثبيت عقوبة تمنعها قانونيًا من الترشح لأي منصب انتخابي.
ورغم تأكيدها في تصريحاتها الصحفية أنها "لم أستسلم أبدًا، وما زلت مقاتلة بشدة"، إلا أنها اعترفت بأن صدور قرار قضائي متأخر قد يجعل الحملة الرئاسية للحزب مستحيلة من الناحية العملية، ما يُنهي فعليًا طموحها في رئاسيات 2027.
حملة غير معلنة
وأشار رينيه إلى أنه في المقابل، لا يتوقف جوردان بارديلا عن تعزيز حضوره الإعلامي والشعبي. جولاته الترويجية لكتبه، مصحوبة بطوابير طويلة من المؤيدين، وسيل من "صور السيلفي" والظهور التلفزيوني المكثف، تعطي الانطباع بأنه دخل فعليًا مرحلة "الحملة المسبقة".
واعتبر أن هذه الديناميكية جعلت منه أكثر من مجرد خليفة محتمل، بل مرشحًا قيد التشكل، الأمر الذي دفع معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون، حزب النهضة، إلى التفكير في استراتيجيات لاحتواء صعوده السياسي مبكرًا.
صراع نفسي
ولكن رغم انسداد أفقها السياسي، لا يزال بعض المقربين من مارين لوبان يؤكدون أنها لم تفقد زعامتها. ويقول رينو لاباي، أحد أبرز مساعديها: "لو كانت مستسلمة، لما كانت بهذه الحيوية والنشاط السياسي. ولو كانت منتهية سياسيًا، لما سعى الناس لمقابلتها بهذا الإلحاح".
في المقابل، يصر النائب فيليب بالارد على أن السيناريو المثالي هو: "لوبان في الإليزيه، وبارديلا في ماتينيون"، في إشارة إلى تولّيه رئاسة الحزب فقط، لا الرئاسة الجمهورية.
غير أن الواقع النفسي والسياسي يشي بأن الحزب يمر بمراحل تشبه عملية الحداد: الصدمة، الإنكار، الغضب، ثم القبول التدريجي بانتقال الزعامة.