من آسيا إلى سواكن السودانية.. "ميراث الأجداد" يعرّي أطماع أردوغان
أردوغان يرفع غلاف التمويه ويفضح توجهاته التوسعية وأوهامه باستعادة أمجاد العثمانيين الضائعة.
من التلميح بوهم استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، مر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى التصريح مباشرة بمخططه التوسعي في موقف خطير يستبطن تغيرا تكتيكيا يهدد الأمن الاستراتيجي العربي بشكل خاص.
وخلال اجتماع تعريفي بمرشحي حزب "العدالة والتنمية" التركي للانتخابات المحلية المقررة نهاية مارس/آذار المقبل، بدا أردوغان غير مبالٍ تماما بتداعيات كلامه وهو يقول إن "الأتراك يتشبثون بميراث الأجداد في كل مكان، بدءا من آسيا الوسطى وأعماق أوروبا، وانتهاء بجزيرة سواكن السودانية".
نوايا رفع عنها الرئيس التركي غلاف التمويه الذي كان غالبا يطوقها به تجنبا لأي معنى مباشر يفضح توجهاته التوسعية وأوهامه باستعادة أمجاد العثمانيين الضائعة.
وبتأكيده على أن الأتراك يهتمون أيضا "كثيرا بمكة والمدينة وبقية المدن التي هي رمز للحضارة الإسلامية"، تتوضح خارطة أطماع أردوغان، ويتأكد أنه تجاوز مرحلة التخطيط إلى التنفيذ الفعلي، مستهينا بجميع الضوابط التي يفرضها البروتوكول حتى على مستوى التصريح حين يتعلق الأمر بسيادة الدول وحرمتها.
سواكن.. خطوة أولى للتوغل بالشرق الأوسط
زيارة أردوغان إلى السودان في ديسمبر/كانون الأول 2017، لم تكن مجرد زيارة رسمية روتينية، وإنما كانت تجر مخططا كاملا وراءها، أو على الأقل كانت تفرض تفعيل الخطوة الأولى من مخطط الحصول على موطئ قدم يضمن له حضورا مزدوجا في كل من إفريقيا والشرق الأوسط.
لقاءات واتفاقيات عديدة جرى توقيعها خلال تلك الزيارة، غير أن لب الموضوع لم يكن يكمن في جميع تلك البهارات التي يرميها أردوغان طعما لتحقيق مآربه، وإنما كانت عينه على "سواكن"، تلك الجزيرة الواقعة على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرقي السودان.
أعلن أردوغان، إثر ذلك، أن الخرطوم وافقت على تولي أنقرة إعادة تأهيل جريرة سواكن وإدارتها، لفترة لم يتم تحديدها، لتنفيذ أوهام أردوغان في إعادة نفوذ الإمبراطورية العثمانية الغابرة.
واختيار سواكن لم يكن عبثيا بالمرة؛ فالجزيرة كانت تحظى بمكانة مهمة في عهد الدولة العثمانية، وقد كانت مركزا لبحريتها في البحر الأحمر، بل إن ميناءها ضم مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 و1885.
وعند إعلانه خبر تولي أنقرة إدارة الجزيرة السودانية، أمام ملتقى اقتصادي جمع رجال أعمال سودانيين وأتراكا، أضاف أردوغان أن هناك ملحقا لن أتحدث عنه الآن، في جملة غامضة اختزلت الأهداف المريبة الكامنة في مشروعه.
غير أن ما سكت عنه حينه، باح به اليوم في اجتماعه الترويجي للاقتراح المحلي المقبل؛ ما يترجم وجود تطورات في الكواليس في المشروع الأردوغاني التوسعي.
عين على الأراضي المقدسة
الميناء الموجود في جزيرة سواكن، والذي يُعَد الأقدم في السودان، يستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهنا يكمن الهدف الرئيسي لأردوغان، وهو الحصول على موقع استراتيجي يربط بالأراضي المقدسة.
وفي الواقع، فإن سواكن ليست سوى جزء مهم بخارطة التمدد التركي بالشرق الأوسط، وسيطرة أنقرة على العواصم الإسلامية، تمهيدا لاستعادة إمبراطوريتها البائدة.
وعلاوة على ذلك، فإن الموقف التركي إزاء الأزمة القطرية يشكل دليلا آخر على سوء النوايا التي تضمرها أنقرة بهذا الخصوص؛ حيث لم يحتَج الأمر لأكثر من أيام قليلة على إعلان كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع علاقاتها مع الدوحة، في يونيو/حزيران 2017، حتى اتضحت الرؤية كاملة.
مستشار أردوغان، ياسين أقطاي، كتب إبان المقاطعة مباشرة، يقول في مقال تداوله إعلام تركي، ادعى فيه أن حصار قطر هو مقدمة لحرب أهلية إسلامية.
ولم يحاول أقطاي تبرير وجود بلاده بالعاصمة القطرية الدوحة، بل تجاوز ذلك متحدثا عن دور تركي أساسي في الدفاع عن المدينة المنورة ومكة المكرمة، مؤكدا أن أنقرة لن تقف مكتوفة الأيدي والحرمين الشريفين يتعرضان للخطر.
ومضى أقطاي يقول إن دفاع بلاده عن قطر هو دفاع عن العالم الإسلامي، لافتا إلى أن أنقرة ترى ما لا يمكن لغيرها رؤيته؛ لأنها نقطة النهاية للدفاع عن مكة المكرمة والمدينة المنورة استنادا لمواقفها التاريخية والوجودية.
ومن هنا، يتأكد أن أنقرة قفزت على الأزمة القطرية لتمنح نفسها حجة الاندساس في شؤون الدول الخليجية، وهو ما فسره سرعة إقرار البرلمان التركي، حينها، نشر قوات تركية في الدوحة، في قرارات غريبة ومريبة نابعة من استراتيجية استعمارية لم تنجح في التخلص من عقدة تنصيب نفسها حامية لدول تمتلك كامل سيادة قراراتها، وعجزت عن استيعاب حقيقة سقوط الإمبراطورية العثمانية.
تمدد بإفريقيا يهدد الأمن القومي العربي
الأطماع التركية في القارة الأفريقية غير مسقوفة بحد مكاني أو زماني، وقد اتخذت العديد من الأشكال، بدءا بالقواعد العسكرية، مرورا بالتركيز الإعلامي، وصولا إلى جزيرة سواكن السودانية.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2015، دشنت أنقرة قاعدتها العسكرية في الصومال، وقبل ذلك، افتتحت نشرة فرنسية ترتكز على تغطية أخبار القارة الأفريقية، قبل أن تطلب إدارة جزيرة سواكن؛ ما يعني أن أنقرة تسعى لإحكام وجودها في مختلف أرجاء القارة السمراء؛ ما يشكل تهديدا صريحا للأمن الوطني العربي.
دعم عسكري وقواعد يرسم عبرها أردوغان مسار تحويل مخططه التوسعي إلى خطوات فعلية على الأرض، وبتصريحه اليوم، يكشف أردوغان صراحة عن مآربه الحقيقية؛ ما يعنى أنه حمل خارطة أطماعه من الكواليس إلى العلن، متحديا الجميع.
aXA6IDMuMTQxLjI5LjkwIA== جزيرة ام اند امز