تثير عودة مسلحي تنظيم «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى من سوريا والعراق إلى بلادهم، قلقاً مشروعاً لدى قطاع كبير في الغرب وفي العالم العربي
تثير عودة مسلحي تنظيم «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى من سوريا والعراق إلى بلادهم، قلقاً مشروعاً لدى قطاع كبير في الغرب وفي العالم العربي على حد سواء، وسط جدل مستمر حول عودة المقاتلين من بؤر التوتر، وبالنسبة للدول العربية فإن تجربة العائدين من أفغانستان في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي لا تزال حاضرة، ويبدو أن احتمالية تكرار سيناريو أزمة «الأفغان العرب» اليوم قائمة ويضيف إليها تعقيداً أن للمقاتلين أسراً وأطفالاً.. فإلى أي مدى يشكل هؤلاء خطراً على أمن دولهم ومجتمعاتهم؟
تباينت مواقف الدول الأوروبية من ملف مواطنيها الدواعش، حيث ظلت كل من بريطانيا وفرنسا ترفضان دعوات استقبال مواطنيهما المعتقلين في سوريا والعراق، بينما أبدت ألمانيا مواقف أقل تشدداً.
في الثمانينيات ذهب مَن ذهب إلى أفغانستان ليحارب السوفييت تحت راية «الجهاد ضد الشيوعية»، وتلقوا التدريب على أيدي مختصين وزادت خبرتهم القتالية، وتكفلت الدعاية لـ«الجهاد الأفغاني»، عبر مختلف وسائل الإعلام، بتشجيع «المجاهدين» وتصويرهم كأبطال خارقين! لكن العالم العربي استفاق بعد انتهاء الحرب الأفغانية في التسعينيات على وجود آلاف «المجاهدين» العائدين هرباً من الحرب الأهلية بين الفصائل الأفغانية، وأصبح هؤلاء العائدون إلى بلدانهم ملفاً أمنياً ثقيلا، لاسيما عقب انخراط بعضهم في عمليات ضد نظم الحكم في دولهم، كما حدث في مصر واليمن والجزائر، بينما بحث آخرون عن ساحات قتال جديدة، مثل البوسنة والشيشان وكشمير والصومال.. لذا تعرف الدول العربية جيداً إمكانية تكرر سيناريو الأفغان العرب، وهي بصدد استقبال أبنائها من الدواعش والمقاتلين السابقين في صفوف التنظيمات المتشددة الأخرى في كل من سوريا والعراق.
ومن ناحيتها تعيش أوروبا على وقع خلافات حول مصير العائدين من مواطنيها، إذ أشارت دراسة أجريت عام 2016 إلى أن ما بين 3900 و4300 من مواطني دول الاتحاد الأوروبي التحقوا بـ«داعش»، أغلبهم من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، وأن 30% منهم عادوا إلى بلدانهم، ودعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب حلفاء واشنطن الأوروبيين إلى السماح بعودة 800 عنصر من مواطنيهم الدواعش المعتقلين في سوريا، وإلا فسيتم الإفراج عنهم، ويبلغ عدد المقاتلين الأجانب المحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن بين 800 و1000 مقاتل أجنبي، بينهم بريطانيون وأميركيون وفرنسيون وألمان، ونحو 4000 من أقاربهم (أغلبهم نساء وأطفال).
وتباينت مواقف الدول الأوروبية من ملف مواطنيها الدواعش، حيث ظلت كل من بريطانيا وفرنسا ترفضان دعوات استقبال مواطنيهما المعتقلين في سوريا والعراق، بينما أبدت ألمانيا مواقف أقل تشدداً، وعقب تهديد ترامب المبطن، عبّرت فرنسا عن استعدادها للنظر في قضية مواطنيها حالة بحالة، وقالت إنها لن تستجيب لطلب الرئيس الأميركي بترحيل المقاتلين السابقين وعائلاتهم فوراً، أما بريطانيا فصرح وزير داخليتها، ساجد جاويد، بأنه لن يتردد في منع عودة البريطانيين الذين قاتلوا مع «داعش».
وما بين إعادة الدمج ورفض العودة، تحتاج الدول الأوروبية إلى صياغة سياسة مشتركة فيما يخص التعامل مع الدواعش السابقين.
اليوم أصبح مصير المقاتلين الأجانب في «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى في سوريا والعراق وليبيا، من أكثر المشاكل جدية للمجتمع الدولي، وتشير الخبرة التاريخية إلى أن العائدين من أفغانستان والعراق والبوسنة والشيشان وألبانيا، شكلوا نواة للكثير من الجماعات المسلحة التي مارست العنف والإرهاب في مجتمعاتها، كما أسسوا التنظيمات المسلحة الجديدة في سوريا، كـ«داعش» و«النصرة» و«أحرار الشام»، ومع انتهاء الحرب انطلقوا إلى ميادين قتال جديدة مما يحولهم إلى عنصر تهديد أساسي عابر للحدود.
ويحذر المراقبون من الاستهانة بالخطر الذي يشكله الإرهابيون العائدون دون إعادة تأهيل اجتماعي وفكري ونفسي أو مراقبة لصيقة، ويبقى التساؤل الأكثر إلحاحاً حول التدابير التي ستضعها الدول لمواجهة المقاتلين العائدين خلال الأشهر المقبلة.
نقلا عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة