القصة الكاملة لإفلاس بنك ليمان براذرز.. كان صرحا فهوى
ليمان براذرز قاوم الحرب العالمية والكساد الكبير وأسقطه الرهن العقاري
تحل اليوم الخامس عشر من سبتمبر/أيلول الذكرى الـ15 على انهيار بنك ليمان براذرز، الذي مثل إفلاسه علامة على نهاية حقبة وبداية حقبة اقتصادية جديدة في العالم.
في التقرير التالي ترصد "العين الإخبارية" تاريخ المصرف وأسباب الانهيار والإفلاس، وكيف أثرت هذه الواقعة على القطاع المصرفي العالمي بالكامل.
بداية متواضعة
بنك ليمان براذرز لم يولد عملاقا، بل كانت بدايته برصيد من الأصول المتواضعة والتي تتبع جذوره إلى المتاجر العامة الصغيرة، فالمصرف أسسه المهاجر الألماني "هنري ليمان" في مونتغمري، بولاية ألاباما، في عام 1844، وفي عام 1850 اشترك هنري ليمان وإخوته مع إيمانويل وماير، ليمان براذرز .Lehman Brothers Holdings Inc
في حين ازدهرت الشركة على مدى العقود التالية، حيث نما الاقتصاد الأمريكي إلى القوة الدولية، وكان ليمان يتعامل مع الكثير من التحديات ونجا "ليمان" من حالات الإفلاس المنتشرة في السكك الحديدية في عام 1800، وفي الكساد العظيم في عام 1930، وخلال الحربين العالميتين.
كذلك خلال نقص رؤوس الأموال عندما تم نسج تشغيله من قبل أمريكان إكسبريس في عام 1994، وانهيار إدارة رأس المال الطويل الأجل والعجز الخاص بسداد الديون الروسية لعام 1998 .
لكن، على الرغم من قدرته على البقاء على قيد الحياة خلال كل الكوارث السابقة، إلا ان انهيار سوق الإسكان في الولايات المتحدة في 2008 وبعد الاندفاع المتهور إلى سوق الرهن العقاري كانت الخطوة الكارثية .
أهم المعلومات عن بنك ليمان براذرز
ليمان براذرز كان رابع أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة، وراء غولدمان ساكس ومورغان ستانلي، وميريل لينش، في ممارسة الأعمال التجارية في مجال الاستثمار المصرفي ومبيعات الدخل الثابت والتجارة "خاصة في سندات الخزانة الأمريكية"، والبحوث، وإدارة الاستثمار، والأسهم الخاصة، والخدمات المصرفية الخاصة.
بداية انهيار ليمان براذرز
في 15 سبتمبر/أيلول 2008، بلغت خسائر بنك ليمان براذرز ذروتها خاصة مع انهيار سهم المصرف، وانخفاض قيمة الأصول من قبل وكالات التصنيف الائتماني.
إذ كان إفلاس ليمان هو الإفلاس الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة.
في اليوم التالي أعلن بنك باركليز موافقته على الشراء، لتخضع موافقة الجهات الرقابية، والأعمال المصرفية الاستثمارية والتجارية على الانقسامات في بنك ليمان في أمريكا الشمالية جنبا إلى جنب مع بناء مقر له في نيويورك.
في 20 سبتمبر/أيلول 2008، تمت الموافقة على النسخة المعدلة من هذا الاتفاق من قبل الولايات المتحدة لإفلاس القاضي جيمس بيك.
وفي الأسبوع الأخير من الشهر ذاته، أعلنت نومورا القابضة أنها ستشتري بنك ليمان براذرز في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك اليابان وهونغ كونغ وأستراليا، وكذلك الأعمال المصرفية الاستثمارية.
أصبح هذا الاتفاق نافذا في 13 أكتوبر/تشرين الثاني من 2008.
بداية انهيار بنك ليمان
عندما اندلعت أزمة الائتمان في أغسطس/آب لعام 2007، والذي أدى إلى فشل اثنين من صناديق التحوط بير ستيرنز، وإلى تراجع سهم بنك ليمان بشكل حاد خلال ذلك الشهر، ألغت الشركة نحو 2500 وظيفة مرتبطة بالرهن العقاري وأغلقت وحدة BNC بالإضافة إلى ذلك أغلقت مكاتب البديل والمقرض أورورا في 3 ولايات أمريكية.
حتى إنها قامت بالتصحيح في سوق الإسكان في الولايات المتحدة والتي اكتسبت زخمها، حتى واصل ليمان ليكون لاعبا رئيسيا في سوق الرهن العقاري.
في عام 2007 أيضا، ضمن "ليمان" المزيد من السندات المدعومة بالرهن العقاري مع أكثر من أي شركة أخرى، مما أدى إلى تراكم ديون قيمتها 85 مليار دولار.
في الربع الرابع من عام 2007 انتعشت أسهم ليمان، حيث وصلت أسواق الأسهم العالمية إلى أعلى المستويات والأسعار الجديدة لأصول الدخل الثابت والتي نظمت الانتعاش المؤقت، ومع ذلك فإن الشركة لم تأخذ الفرصة في خفض مدخراتها العقارية الضخمة.
انهيار بنك ليمان
كل الظروف وقتها كانت تشير إلى كارثة مالية لكن الطموحات كانت مثل الضباب الذي يحول دون الرؤية الواضحة، إذ كان انهيار بنك ليمان نتيجة لاضطراب الأسواق المالية العالمية التي استمرت نحو عدة أسابيع، نظرا لحجم الشركة ومكانتها كلاعب رئيسي في الولايات المتحدة ودوليا، شكك الكثيرون في قرار الحكومة الأمريكية للسماح بفشل ليمان، كما تمت المقارنة بالدعم الضمني من أجل بير ستيرنز والتي اشترتها جي بي مورغان تشيس في مارس لعام 2008.
في النهاية وبعد وقوع الكارثة أدى إفلاس بنك ليمان إلى خسارة أكثر من 46 مليار دولار من قيمته السوقية التي اتخذت طريقا سريعا للاندثار بلا رجعة.
وكان انهياره أيضا بمثابة محفز لشراء ميريل لينش من بنك أوف أمريكا في صفقة الطوارئ التي أعلن عنها أيضا في 15 سبتمبر/أيلول من العام ذاته.
من ليمان براذرز إلى كريدي سويس.. درس من الماضي
بين انهيار ليمان براذرز الأمريكي عام 2018 والاستحواذ على كريدي سويس السويسري عام 2023 لتفادي انهياره، عرف القطاع المصرفي تغيرات جذرية.
فيما يأتي نستعرض أبرز ما تبدّل خلال الأعوام الماضية التي طبعتها موجة من الاستحواذات وتشديد القيود الإجرائية، حيث أسواق المال بدأت التعلم من أخطاء الماضي.
تشدد لعدم الانهيار
منذ عام 2008، باتت المصارف ملزمة باتخاذ العديد من الإجراءات وبذل جهود متعددة لضمان الحفاظ على متانتها خلال الأزمات، وذلك بضغط من الهيئات الناظمة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وبات على المصارف على سبيل المثال الاحتفاظ بحد أدنى من رأس المال نسبته أعلى من السابق، بهدف تغطية أي خسارة محتملة قد يتعرّض لها البنك.
وبات على المصارف أن تبقي على كميات كبيرة من الاحتياط النقدي والأصول القابلة للتسييل سريعا للتمكن من تلبية الطلب في حال حصول أي إقبال مفاجئ من المودعين لسحب أموالهم.
وتهدف القيود الإضافية على المصارف إلى تفادي الحاجة إلى تدخّل الحكومات لإنقاذ المؤسسات المالية المتعثّرة، والامتناع بالتالي عن تغطية خسائرها باستخدام أموال دافعي الضرائب.
ومطلع عام 2022 أكدت آنا بوتين، رئيسة مصرف "سانتاندير" الإسباني ورئيسة اتحاد المصارف الأوروبية في حينه، أن القارة باتت تمتلك في حال انهيار أي مؤسسة مالية "إطارا" للخروج من الأزمة مهما بلغ حجمها.
وشكّل استحواذ مصرف "يو بي أس" السويسري في مارس/آذار على منافسه كريدي سويس لقاء ثلاثة مليارات فرنك، مثالا على الدرس الذي تمّ استخلاصه من أزمة ليمان براذرز، بعض المصارف بات أكبر من أن ينهار من دون أن يسبّب ذلك أزمة اقتصادية ومالية ضخمة.
ونصح فريق من الخبراء المكلفين من قبل وزارة المالية السويسرية بتعزيز الأدوات التي تتيح إدارة أزمات كهذه، وزيادة الاحتياطات المالية لمؤسسات من هذا الحجم نظرا لأنها لم تكن كافية في حال كريدي سويس، وعدم التعويل كل مرة على حل يسير يتيح تفادي كارثة.
عمليات استحواذ سرشة
في أعقاب انهيار ليمان براذرز عرفت عمليات الاستحواذ زيادة مطردة.
بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2008، استحوذ "بنك أوف أمريكا" على "ميريل لينش" لقاء 50 مليار دولار، ومصرف لويدز البريطاني على "هاليفاكس بنك أوف اسكتلند" لقاء 12,2 مليار، وسانتاندير الإسباني على الشبكة المصرفية لمجموعة "برادفورد أند بينغلي" البريطانية، و"بي أن بي باريبا" الفرنسي على فورتيس في بلجيكا ولوكسمبورغ لقاء 20,3 مليار.
وقال كزافييه موسكا، المدير العام المنتدب لمصرف كريدي أغريكول والمدير العام السابق للخزانة الفرنسية لدى انهيار ليمان براذرز، لوكالة فرانس برس إن "الأزمة قامت بعملية تنظيف وقضت على اللاعبين الأكثر هشاشة".
واعتبر موسكا أن أوروبا استفادت من الانهيار المالي لعام 2008 بدرجة أقل من الولايات المتحدة "حيث كانت هذه الأزمة فرصة للحكومة الأمريكية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي".
وأشار دافيد بنامو، مدير الاستثمارات لدى "أكسيوم"، إلى أن قطاع مصارف الأعمال تهيمن عليه حاليا المؤسسات الأمريكية التي "أفادت من بعض التباينات في القوانين للاستحواذ على حصص من السوق في أوروبا".
الخوف ينجو بأصحابه أحيانا
أعاد انهيار بعض المصارف الأمريكية في الفصل الأول من عام 2023 وتعثّر مصرف كريدي سويس، إحياء المخاوف بشأن متانة القطاع المصرفي عالميا.
بالنسبة إلى موسكا، هذه الأزمات الصغيرة هي دليل على ضرورة الإبقاء على القواعد الناظمة لعمل القطاع المالي لتفادي "أي عودة إلى الخلف".
لدى وصوله إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، قرر دونالد ترامب إعفاء المصارف الأمريكية، باستثناء الكبيرة منها، من ضرورة التقيد بالعديد من القواعد والقيود التي باتت نافذة بعد أزمة 2008، ما تسبّب في نهاية المطاف باضطرابات 2023.
وإزاء هذه الخلاصة، اقترحت الهيئات الناظمة للقطاع المصرفي الأمريكي في أواخر أغسطس/آب إجراءات لتعزيز متانة المؤسسات المتوسطة الحجم.
وأكد وليام دادلي، الذي كان نائبا لرئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك خلال الأزمة المالية العالمية، أن المصارف الكبرى "تخضع لأنظمة أكثر تشددا مما كانت عليه في 2007-2008".
وأضاف لفرانس برس "ثمة عمل إضافي يجب القيام به لكننا في وضع أفضل".
aXA6IDE4LjExNy4xNjYuMTkzIA== جزيرة ام اند امز