المستقبل للقهوة
سوق القهوة في انتعاش مستمر، وهي سوق ضخمة يبلغ حجمها عالمياً 165 مليار دولار، بمعدل نمو 6% سنوياً.
"ما ساعدنا في النجاح في 130 عاماً مضت، قد لا يكفي للنجاح في الـ130 عاماً المقبلة"، هذا ما استهل به الرئيس التنفيذي لشركة «كوكاكولا» مقابلته مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، بعد أن أعلنت شركته توصلها لاتفاق يمكنها من شراء سلسلة مقاهي "كوستا" البريطانية بمبلغ تجاوز 5 مليارات دولار، وهي خطوة أقل ما توصف به أنها جريئة.
- كوكاكولا تشتري "كوستا كوفي" البريطانية نظير 5.1 مليار دولار
- 200 مليون دولار استثمارات لتطبيق Luckin الصيني لبيع القهوة
وقد لا يبدو منطقياً للبعض أن تستثمر شركة تختص بالمشروبات الغازية في مجال المقاهي، ولكن لهذه الخطوة ما يبررها على ضوء الأنظمة الصارمة المطبقة على المشروبات الغازية حول العالم.
فمع زيادة الوعي الصحي، بدأت الحكومات في فرض ضرائب انتقائية على المشروبات الغازية والسكرية ومشروبات الطاقة، وهو يضر حتماً بمبيعات الشركات المختصة بها، فعلى سبيل المثال، انخفضت مبيعات المشروبات السكرية في بريطانيا 11% في عام 2018 بسبب فرض ضريبة انتقائية عليها.
كما أن الحكومة البريطانية أقرت نظاماً يمنع بيع مشروبات الطاقة للأطفال ولمن هم دون السن القانونية، وهو قرار أضر بالشركات المختصة بذلك، بما فيها شركة "كوكاكولا" التي تستثمر أيضاً في مجال مشروبات الطاقة.
في المقابل، فإن سوق القهوة في انتعاش مستمر، وهي سوق ضخمة يبلغ حجمها عالمياً 165 مليار دولار، بمعدل نمو 6% سنوياً، وهو أعلى معدل نمو على مستوى صناعة المشروبات.
وشهدت تجارة المقاهي انفجاراً في النمو في السنوات الماضية، ففي عام 2007 كان عدد المقاهي في بريطانيا لا يزيد على 10 آلاف مقهى، وقد تضاعف اليوم حتى بلغ أكثر من 24 ألفاً، ويتوقع أن يزيد هذا الرقم على 31 ألف مقهى في عام 2022.
كما أن شراء القهوة من المقاهي أصبح مرتبطاً بالعمل، والنجاح، وفي بعض الدول بالثقافة، حتى إن رؤية شخص يحمل كوباً من القهوة وهو متجه لعمله أو يقرأ كتاباً أصبح منظراً مألوفاً، بالمقابل فإن المشروبات الغازية ارتبطت بأذهان الناس بالسمنة وأمراض السكر.
هذا النمو المطرد لصناعة القهوة، يبرر رغبة شركة "كوكاكولا" في متاجر القهوة، خاصة مع التوجه القادم لمزيد من الأنظمة والضرائب التي تهدف إلى الحد من استهلاك المشروبات الغازية لأسباب صحية.
ولكن لماذا كانت شركة "كوستا" هي الخيار المناسب للشراء؟
في عام 1995، اشترت شركة "وايتبريد" البريطانية سلسلة مقاهي كوستا من مؤسسيها سيرجيو وبرونو كوستا بمبلغ لا يتعدى 25 مليون دولار، وحينها لم يتجاوز عدد مقاهي هذه السلسلة 41 مقهى.
واليوم تزيد فروع "كوستا" على 4 آلاف موزعة على 32 دولة حول العالم، منها 2400 فرع في بريطانيا التي تمتلك فيها كوستا ضعف عدد مقاهي منافسها الأقرب "ستاربكس".
ولكن يبدو أن "كوستا" أصبحت تتفوق في طموحها على الشركة الأم "وايتبريد"، فقد بدأ مستثمروها بالضغط على الشركة الأم بهدف بيعها، خاصة بعد أن كان النمو في العام الماضي 5.2% بدلاً من 9.7% المتوقعة.
هذا النمو الأقل من المتوقع كان بسبب عدم قدرة الشركة الأم على ضخ الاستثمارات بشكل كاف يتناسب مع المنافسة المحمومة في مجال المقاهي.
وحتى يستوعب القارئ هذا التوسع وهذه المنافسة في مجال المقاهي، يكفي معرفة أن "ستاربكس" تخطط لفتح مقهى كل 15 ساعة في الصين وحدها على مدى السنوات الخمس المقبلة.
كما أنها أسست شراكة استراتيجية مع الشركة العملاقة "نستله" بقيمة تزيد على 7 مليارات دولار تمكن الأخيرة من بيع منتجات "ستاربكس" المعلّبة حول العالم.
بينما بقيت شركة "كوستا" مكبلة بقدرات "وايتبريد" التي لا تتناسب مع طموحها.
وهنا جاءت شركة "كوكاكولا" لتكون المستثمر المنقذ القادر على ضخ استثمارات ضخمة في مجال القهوة.
والفارق في الحجم بين "كوكاكولا" و"كوستا" ضخم جداً، فمبيعات الأولى بلغت 46 مليار دولار في العام الماضي مقابل 1.7 مليار دولار للأخيرة.
ويبدو أن الرغبة في الشراء كانت مشتركة بين الطرفين، فلم تزد فترة المفاوضات على 5 أسابيع، أعلنت بعدها "كوكاكولا" شراءها "كوستا" بخمسة مليارات دولار، وهو رقم يزيد بنسبة لا تقل عن 40% عن التقييم المقترح من المحللين الذين قيموا "كوستا" بثلاثة مليارات فقط، هذه الزيادة وضحت رغبة "كوكاكولا" في الشراء بشكل مستعجل.
وبعد هذا الشراء، ستتمكن "كوكاكولا" من الاستثمار في مجال المشروبات الساخنة لأول مرة منذ تأسيسها، كما أنها ستستفيد أيضاً من عدد نقاط البيع التي تمتلكها "كوستا" في زيادة منافذ بيع مشروباتها الغازية التي قد تواجه انخفاضاً محتملاً في الطلب في قادم السنوات.
بالمقابل، ستستفيد "كوستا" من قدرة "كوكاكولا" على الاستثمار بهدف التوسع حول العالم وفي الصين تحديداً، حيث تشير الدراسات إلى أن بعض المستهلكين بدأوا في تغيير عادتهم التاريخية من شرب الشاي الصيني، إلى شرب القهوة، مشروب المستقبل الذي قد يحمل معه النجاح لشركة "كوكاكولا".