الرهانات المطروحة بأن داعش يواجه تحديات الانحسار واحتمالات تشكيل تنظيم جديد تأتي في سياق سطحي
سيظل الحديث عن مستقبل تنظيم داعش مجرد تكهنات وتحليلات نظرية في ظل غياب الرؤية وعدم توافر المعلومات، إلا من مواقع إلكترونية عما يجري في التنظيم، خاصة في هذه المرحلة الانتقالية المهمة التي يشهدها التنظيم، وارتباطها بالمهام التي سيعمل عليها التنظيم في الفترة المقبلة.
إن مستقبل داعش ستحكمه من الآن فصاعدا ضوابط ومعايير ومعطيات ستفرض ذاتها على الأطراف كافة، سواء كانت أجهزة استخبارات دولية أم إقليمية أم أفرعا ما تزال تدين بالانتماء للتنظيم، بصرف النظر عن أية تحفظات مطروحة في هذا السياقوفي ظل تضارب الصلاحيات وتشتت القيادات، وتعرض التنظيم لاختراقات حقيقة من أجهزة الاستخبارات الدولية خاصة الأمريكية والإسرائيلية، وهو الأمر الثابت يقينا، وقد يؤدي إلى تحديد مهام ربما أكثر تباينا واختلافا عن المرحلة السابقة، ففكرة الانتقام ستكون واردة بقوة مع الخليفة الجديد وتعميق الولاية، وتكريس فكرة الخلافة سيتطلب دورا مختلفا ورئيسيا يتجاوز مبايعات الأقاليم عمّا كان قائما في ظل وجود تنظيم القاعدة الذي سيعمل على تعميق مساحات الاختلاف داخل التنظيم في توقيت بالغ الأهمية، ومن ثم فإن تحديد الرؤية المستقبلية لأولويات داعش سيتطلب أولا: الرصد بجدول أعمال التنظيم في الفترة المقبلة، ومدى ما يمكن أن يتسق مع طبيعة ما سيقوم به، خاصة أن الأفرع في الأقاليم ستكتفي بالولاية الرمزية وليست العقائدية التي يمكن البناء عليها، ومن ثم فإن التنظيم سيكون ولمدة طويلة في مرحلة مخاض حقيقي، وسيتطلب مراجعات سياسية وفقهية وأيديولوجية متعددة، على الرغم من الغياب اللافت للمنظرين الكبار داخل التنظيم في مواجهة تنظيم القاعدة، الذي يتماسك في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجهه، ويبحث عن مرحلة جديدة في استيعاب تنظيم داعش والتعامل مع مرحلة ما بعد البغدادي، وقد سبق للتنظيم أن واجه تحديات جسام ونجح في تجاوزها.
ثانيا: إن إعادة صياغة العلاقة بين أجهزة المخابرات العالمية وتنظيمي القاعدة وداعش يحتاج إلى مواقف واضحة من قبل الجانبين، فالثابت أن هذه العلاقة التي تحدثت عنها هيلاري كلينتون في مؤلفها الأشهر خيارات صعبة كلمة السر 360، بأن الإدارة الأمريكية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية داعش في العراق وسوريا بهدف تقسيم المنطقة، وهو ما أكد عليه أيضا إدوارد سنونو الضابط السابق في المخابرات المركزية، والتي دعمت إنشاء داعش، وأن المخابرات الإسرائيلية والبريطانية شاركا أيضا في هذا الأمر، والرسالة أن هذه الأجهزة الدولية لن يتراجع دورها في التعامل مع تنظيم داعش، بل بالعكس ستعمل بالقرب منه لمعرفة ما الذي يجري داخل التنظيم؟ وكيف يرتب أولوياته الأمنية والسياسية؟ وهو ما سيكون الشغل الشاغل للولايات المتحدة في الفترة المقبلة.
ثالثا: إن تنقل آلاف من عناصر التنظيم - وصلت إلى 12 ألف عنصر موجودين في سجون سوريا الديمقراطية- لا يعني أن عناصر التنظيم تحت السيطرة، خاصة أن العناصر مدعمة وموجودة خارج الإقليم وتحديدا في أفريقيا، وهو ما ينذر بالخطر الحقيقي على ما سيجري في حال استئناف العمليات الانفرادية، أو صياغة ما سيتم تحديده من مهام معينة يمكن التوقف أمامها، وتؤكد أن مرحلة جديدة للتنظيم يمكن العمل من خلالها وتحديد وظيفتها، ومن ثم فإن الحديث عن مرحلة كمون أو انحسار غير واردة بالمرة، فالأغلب لن يكتفي بسياسة رد الفعل، بل سيكون في وضع استباقي ومبادر للتحرك على أكثر من مسار للعمل والانتشار والتمدد، وهو ما يجب وضعه في الانتباه، خاصة أن أحاديث الانشقاقات والتشرذم التي تتردد قد تكون مدخلا للتمويه الذي سيتحرك فيه تنظيم داعش في الوقت الراهن ولبعض الوقت.
إن الرهانات المطروحة بأن داعش يواجه تحديات الانحسار واحتمالات تشكيل تنظيم جديد تأتي في سياق سطحي، فتنظيم القاعدة واجه تحديات مشابهة بعد مقتل أسامة بن لادن ولكنه تجاوزها واستمر ولم يتفتت التنظيم، وهو ما يؤكد أن التنظيمات الارهابية في مجموعها فكرة وأيديولوجية وليست شخصيات أو عناصر أو قيادات يمكن أن تستمر أو لا تستمر، ومن ثم فإن تنظيم داعش سيعمل على محاور جديدة وأولويات مستجدة، بهدف فرض وقائع جديدة لمواجهة ما يجري من مخاطر محدقة بالتنظيم ومستقبله، وهو أمر يجب وضعه في إطاره، خاصة أن التنظيم ما زال كيانا كبيرا وضخما ويضم كيانات متعددة، بصرف النظر عن الطبيعة التي تحكم مهامه وعمله، والذي يربط التنظيمات الفرعية بالتنظيم الرسمي المركزي، ومن ثم فإن إعادة ترسيم العلاقة الهيكلية قد يحتاج إلى بعض الوقت، كما أن قطاعات الأقاليم سترتبط بآليات تعامل غير نمطية وغير مكررة.
إن مستقبل داعش ستحكمه من الآن فصاعدا ضوابط ومعايير ومعطيات ستفرض ذاتها على كافة الأطراف، سواء كانت أجهزة استخبارات دولية أم اقليمية أم أفرعا ما تزال تدين بالانتماء للتنظيم، بصرف النظر عن أية تحفظات مطروحة في هذا السياق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة