خلال الأيام الماضية طغت قضية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وما تلاها من أحداث وانفجارات مأساوية داخل كابول على سواها.
وكان الانسحاب الأمريكي موضع اهتمام الإعلام الدولي منذ مطلع شهر أغسطس الجاري، متجاوزا ملفات مهمة، أهمها التهديدات الإيرانية للمصالح الأمريكية في المنطقة.
تأتي تلك التطورات تزامنا مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، الولايات المتحدة، وبحثه مع مدير المخابرات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، الملف الإيراني وتعزيز التعاون الاستخباري والأمني بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة، كما بحث الجانبان الأوضاع في الشرق الأوسط مع التركيز على إيران، وإمكانيات توسيع التعاون الإقليمي وتعميقه.
وأتت تلك الزيارة في أعقاب اتهامات غربية وُجّهت لإيران بالمسؤولية عن هجوم استهدف سفينة "ميرسر ستريت"، التي تشغّلها شركة إسرائيلية، في 29 يوليو/تموز الماضي، ويبقى أهم ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، خلال تلك المحادثات، إن "بلاده ستواصل الدفاع عن نفسها وأمنها ضد تهديدات إيران ووكلائها"، وإن إيران "تشكل الخطر الأكبر على استقرار المنطقة والعالم".
في واشنطن، عاد الاهتمام، ولو بصورة غير طاغية، بالشأن الإيراني ومواقف الولايات المتحدة من التهديدات الإيرانية في الشرق الأوسط، فقد أعد كل من باتريك كينغسلي وإيزابيل كيرشنر تقريراً نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" تحت عنوان "القائد الإسرائيلي الجديد يدعم النهج المتشدد مع إيران، ولهجة أكثر ليونة مع الولايات المتحدة"، ورد فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، قال متحدثاً قبل أيام من اجتماعه الأول مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، كقائد جديد لإسرائيل.. إنه "سيعارض المحاولات، التي تقودها الولايات المتحدة، لإعادة العمل باتفاق نووي مُلغى مع إيران، وسيواصل الهجمات الإسرائيلية السرية على برنامج إيران النووي".
وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، هي الأولى له مع منظمة إخبارية دولية منذ خلافته بنيامين نتنياهو في يونيو الماضي، قال "بينيت" أيضاً إنه سيستخدم اجتماعه مع "بايدن" لمحاولة إعادة ضبط لهجة علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، والتي كانت وعرة بين "نتنياهو" والإدارات الديمقراطية.
وقال إنه سيسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة مع إدارة "بايدن" بشأن إيران، ووعد بالوصول إلى "البيت الأبيض" بنهج جديد وبنّاء لاحتواء البرنامج النووي الإيراني.
وتابع "بينيت": "أسميها حكومة النوايا الحسنة، فهناك بُعد جديد هنا، من حيث ابتكار طرق جديدة لمعالجة المشكلات، والتزام الواقعية الشديدة والبراغماتية، والتعامل بعقلانية مع الأصدقاء"، وأضاف أنه سيقدم رؤية استراتيجية جديدة بشأن إيران، وصف إياها بأنها ستشمل تعزيز العلاقات مع الدول العربية المعارضة لنفوذ إيران الإقليمي وطموحاتها النووية، واتخاذ تحركات دبلوماسية واقتصادية ضد إيران، ومواصلة الهجمات الإسرائيلية السرية على إيران، بما في ذلك ما أسماه "أمور المنطقة الرمادية".
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي: "ما نحتاج إلى القيام به وما نقوم به هو تشكيل تحالف إقليمي من الدول العربية العقلانية، بالتعاون معنا، لدرء وعرقلة هذا التوسع وهذه الرغبة في الهيمنة لدى إيران".
وأضاف أن "إسرائيل موجودة، وهي الدعامة الدقيقة للاستقرار والرغبة في أداء المهمة لإبقاء هذه المنطقة أكثر أماناً".
من خلال قراءتي للوقائع السابقة أستطيع القول إن إسرائيل لا تزال أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكن من المحتمل أن تنشب بعض الخلافات عندما يدفع رئيس الحكومة الإسرائيلية الرئيس "بايدن" لاتخاذ موقف أكثر صعوبة تجاه إيران، العدو اللدود لإسرائيل، حيث قال: "سأخبر الرئيس بايدن أن الوقت قد حان لوقف الإيرانيين".
من زاوية أخرى، كان انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بمثابة الزلزال، وبدأ الكل يتساءل في الشرق الأوسط عما إذا كانت سوريا هي المكان المقبل لانسحاب القوات الأمريكية؟ وهي التي لا يزال للولايات المتحدة فيها مئات من القوات العسكرية، وكيف سيكون تأثير ذلك على حلفاء سوريا وخصومها، ذلك أنه حتى مع تضاؤل رغبة واشنطن في فرض العزلة على سوريا -بما في ذلك عبر الوسائل العسكرية- بدأت بعض الدول العربية في إخراج سوريا من عزلتها الدبلوماسية.
وبالنظر إلى سياسة الرئيس "بايدن" تجاه أفغانستان، فمن المرجح أنه يستعد لخروج واشنطن من سوريا، وطوال إقامتي هنا في واشنطن لم أسمع من أي شخص في الإدارة الأمريكية بأن سوريا تمثل مصلحة حيوية للولايات المتحدة.
خلاصة الأمر.. المنطقة من إسرائيل وصولا إلى إيران، وحتى تركيا وأفغانستان، مقبلة على أسابيع صعبة للغاية، ما بين ملايين اللاجئين الأفغان، وصولاً إلى إرهاصات عمل استباقي إسرائيلي ضد "النووي" الإيراني، وليس انتهاء بما يتردد خلال هذه الساعات في واشنطن من أن الرئيس الأمريكي استنتج أن القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا لا تخدم المصالح الأمريكية، ومع ذلك فلا شك أن خروج الولايات المتحدة من كابول وما ترتب على ذلك سيجعل عالم الدول الكبرى في انعقاد دائم، رجاء تقليل الخسائر لكل طرف، وليس البحث عن مكاسب ليس من الوارد الحصول عليها وسط هذه النيران التي لا تهدأ، كأننا في الشرق الأوسط سنبقى على الدوام ننتظر"غودو"، الذي يطفئ النيران.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة