هل انتهى عصر شراء الكتب؟ مؤلفون يجيبون عن السؤال الصعب (خاص)
ألقى ارتفاع معدلات التضخم بظلاله السلبية على العديد من القطاعات الاقتصادية عبر العالم، وهو ما تجلى في صعود غير مسبوق لأسعار الورق.
وأصاب ارتفاع أسعار الورق قطاع النشر والطباعة بمأزق مزدوج، فالتضخم أثر من جهة على القدرة الشرائية للقراء، فيما تسبب ارتفاع المدخلات، خاصة الورق، في ارتفاع أسعار الكتب والمطبوعات، وهو ما يهدد بحدوث ركود خانق في مبيعات الكتب.
ووسط هذه الأجواء المثيرة لقلق القراء والناشرين على حد سواء، يستعد معرض القاهرة الدولي للكتاب لانطلاق فعاليات الدورة الـ54 خلال الفترة من 25 يناير/كانون الثاني إلى 6 فبراير/شباط المقبل في مركز مصر للمعارض الدولية، تحت شعار "على اسم مصر- معا: نقرأ.. نفكر.. نبدع".
فهل يكون معرض القاهرة للكتاب أول ضحايا ارتفاع تكاليف الطباعة والورق؟ وهل يؤثر ذلك على عدد الكتب المطروحة؟ وهو ما تناقشه "العين الإخبارية" من خلال استعراض رؤية عدد من الكتاب المشاركين في المعرض، ومعرفة توقعاتهم لما يقال عن انتهاء "عصر القراءة" بسبب المتغيرات العصرية.
الأسعار باهظة
يقول الدكتور عمرو الهلالي، الكاتب السياسي المشارك بعدة مؤلفات في المعرض، إن كل مستلزمات النشر ارتفع سعرها بعد الأزمة العالمية الأخيرة، الورق والأحبار والطباعة، وهو ما أثر على سعر الكتاب حتى صار سلعة باهظة لا يستطيع اقتنائها سوى عدد محدود من محبي القراءة.
ويوضح الهلالي، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية" أن السبيل الوحيد أمام الناشرين والكتاب هو تقليل عدد النسخ المطبوعة لكل كتاب أو الطباعة حسب الطلب الذي تلجأ له بعض دور النشر، والاستعاضة ببعض الوسائط الإلكترونية الجديدة عن الكتاب الورقي، بعد انقضاء وقت مناسب على نشره وتوزيعه بالطريقة التقليدية، خاصة من خلال معارض الكتاب التي تشكل فرصة مهمة لتوزيع وبيع الكتب في مختلف دول العالم.
الكاتب والروائي محمد إبراهيم طعيمة، مدير النشر في دار "حابي" للنشر والتوزيع في مصر، رأى أن ارتفاع الأسعار ألقى بظلاله على عالم إنتاج وطباعة الكتب بشكل كبير.
وقال طعيمة لـ"العين الإخبارية"، إن قرار الدار باختيار عدد الأعمال المقرر طبعها تأثر بالطبع بارتفاع أسعار الورق وتضخم تكلفة الطباعة، موضحا: "مثلا بدلا ما كانت الدار تطبع 1000 عمل أدبي تخفضه لـ500، أو بعدما كان 500 أصبح 200 عمل وهكذا".
عن تأثير ذلك على مبيعات الكتب أو استمرار الإقبال على القراءة، شدد مدير النشر أن "الناس ستظل تقرأ باعتبار هذه الهواية المتنفس لكثيرين"، وفقا لتعبيره.
وأضاف: "بالطبع، هناك قراء ما زالوا حريصين على شراء الكتب والروايات لكن أغلب المبيعات تكون إلكترونيا عبر منصات مختصة ببيع الكتب أونلاين نتعاون معها".
وتابع: "ننتظر معرض القاهرة الدولي للكتاب لنرى البيع المباشر للمؤلفات المطبوعة على أرض الواقع من خلال فعاليات الحدث، ونقيم الوضع بعيدا عن المنصات الإلكترونية".
أما الكاتب عمرو النجار، مدير دار "سين" للنشر والتوزيع في مصر، فرأى أن بيع الكتب لم يتراجع لكنه تغير من بيع مطبوع لآخر إلكتروني يتماشى مع تطورات العصر.
وقال النجار لـ"العين الإخبارية"، إن عصر الكتب والقراءة لم ولن ينتهي، فهذه الهواية ليست معتمدة على القراءة المطبوعة فقط بل تطورت مع ظهور PDF لقراءة إلكترونية وباتت تأخذ الانتشار الأكبر.
وتابع: "أعتقد أن ارتفاع تكاليف طباعة الكتب أثر على معدلات الشراء لكنها لم تؤثر على الإقبال على القراءة، كل ما في الأمر أن القراء باتوا يبحثون عن البدائل التي تساعدهم على ممارسة هوايتهم".
واتفق مع سابقه بأن ارتفاع أسعار الورق وتكاليف الطباعة أثر على العدد المختار للطبع، قائلا: "مع حلول معرض القاهرة الدولي للكتاب نختار الإصدارات الجديدة للطبع والنشر لنشارك بها في الحدث، ومع هذا الارتفاع تأثر عدد الإصدارات التي تطبعها دور النشر، فبدلا من 50 إصدارا سابقا مثلا يصبح 30 أو 25 فقط".
واختتم: "القراء لا يزالون حريصين على شراء الكتب لكنهم توجهوا للشراء الإلكتروني، لذا نحن أيضا بتنا نهتم بالبيع الإلكتروني لإصداراتنا".
انهيار الأدب
من جانبها أكدت الدكتور داليا فكري، الكاتبة النسائية، أن أسعار الكتب ارتفعت بشكل كبير، وبالتالي أصبحت باهظة الثمن بالنسبة للقارئ، ما يضعف سوق النشر والطباعة والتداول الأدبي.
وطالبت فكري، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، بحل هذه الأزمة، قائلة: "لابد أن تساهم الدولة في حماية تلك الصناعة من الانهيار، وعندما ينهار الأدب وصناعته فنحن بصدد جيل مغيب وجاهل وبلا ماض وحاضر وبالتالي مستقبل مظلم".
قلة المعروض من الكتب
أما الدكتورة جيرمين حافظ، أخصائية التغذية المشاركة في المعرض هذا العام بكتاب جديد، فترى أن الزيادة الكبيرة في أسعار الورق ستؤدي إلى تقليل عدد الكتب المطبوعة.
وتتوقع حافظ، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن يشهد معرض القاهرة للكتاب هذا العام انخفاضًا في عدد الكتب المطروحة بسبب ارتفاع التكاليف.
هل تنتهي القراءة؟
ورغم أن البعض يرى أن "العالم يعيش حقبة الثقافة السمعبصرية" فإن الكاتب الروائي، هشام شعبان يرى أن "القراءة باقية وستستمر". ويوضح شعبان، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية" أن نوعية القراءة اختلفت، وكذلك القرّاء أنفسهم اختلفوا، وطبيعة الاهتمامات والتفضيلات انتقلت لجنس أدبي على حساب آخر.
ويضيف هشام : "إن كان لوسائل التواصل عيوبها فإن مميزاتها أكبر فقد قرّبت المسافة بين الكاتب والقرّاء، ونقلت الصالونات الثقافية التقليدية الضيقة إلى صالونات أوسع في فضاء غير محدود".
بدوره يرى الهلالي أن الكتاب الورقي مهما حدث سيظل له رونقه ومحبيه، فملمس أوراق الكتب له شعور عند القراء لا يمكن وصفه.
ويضيف الهلالي: "أنا علي سبيل المثال لا أستطيع أن أرى كتابا جديدا مهما إلا وسعيت لشرائه واقتنائه، ومثلي كثيرون يؤمنون بأهمية التواصل مع الكتاب عبر احتضان الصفحات وتقليبها، ووضعها تحت وسائدهم قبل النوم وتبويب مكتباتهم والسعى نحو إكمال ما ينقصها من صنوف الأدب".
ومضى موضحا: "أعداد الزائرين الذين يفدون إلى معارض الكتاب حول العالم، وعددهم بالملايين، دليل على أن القول بأن تلك عادة قراءة الكتب في طريقها إلى الاندثار كلام مردود عليه، نعم الجيل الجديد يبدي اهتماما أكبر بالوسائط الإلكترونية والكتاب المسموع، ولكن نسبة محبي الكتب والقراءة في ازدياد مستمر مهما حدث".
إبرة في كومة قش
ترى الدكتور داليا فكري أن القاريء الجيد مازال موجودا ويبحث عن غايته من الكتب ولكن المحتوى الجيد هو من قارب على الاندثار، فالطباعة مدفوعة الأجر الآن جعلت كل من يكتب منشورا على الفيسبوك يعتقد أنه كاتب، وبالتالي البحث عن العمل الجيد هو كالبحث عن إبرة في كومة قش.
أما حافظ، فتؤكد أن الإنسان كائن متعلم، والتقدم الذي أحرزته البشرية لم يأت بدون بحث وقراءة متواصلة، لذا لا تعتقد أن الشغف بالقراءة سينتهي.
وأضافت أن القراءة، خاصة في مواضيع معينة، ستشهد ارتفاعا وزيادة خلال السنوات القادمة، وعلى المؤلفين والكتاب أن يقدموا كتاباتهم بشكل جديد ومميز يساعد القراء ويشجعهم على استمرار القراءة واقتناء الكتب.
aXA6IDMuMTUuMzQuNTAg جزيرة ام اند امز