قبل نحو أسبوعين من انعقاد قمة مجموعة العشرين في مدينة هامبورج الألمانية، دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الالتزام بمبدأ حرية التجارة
قبل نحو أسبوعين من انعقاد قمة مجموعة العشرين في مدينة هامبورج الألمانية، دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الالتزام بمبدأ حرية التجارة. وأشارت المستشارة في حديث لها في يوم الصناعة الألماني (20 يونيو) إلى أن "هناك بعض الدول التي تعول على الانعزال لتحقيق مكاسب مفترضة"، مؤكدة أنها ستبذل كل الجهد من أجل التوصل إلى توافق عريض بقدر الإمكان خلال قمة العشرين.
يأتي حديث ميركل انتقادًا لموقف الرئيس الأمريكي تجاه حرية التجارة والعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين. وجميع هؤلاء الشركاء ممثلون في مجموعة العشرين، من هنا تأتي آمال ميركل في إمكانية نجاح الضغط الجماعي على الولايات المتحدة في التوصل لتوافق حول قضية التجارة الحرة.
هل تستطيع " قمة العشرين" وبعد نحو ستة أشهر من عمر إدارة ترامب التوصل لحل للخلافات، أم نشهد تعميقًا للخلافات التجارية بين أمريكا وشركائها؟
وقد عبر ترامب أثناء حملته الانتخابية خاصة خلال صيف وخريف العام الماضي عن هذا الموقف الانعزالي في مجال التجارة بكل جلاء. إذ أعرب عن عدم رضاه عن الاتفاقات التجارية الدولية التي تشارك فيها بلاده باعتبارها اتفاقات مجحفة. حيث تتصف المنافسة التجارية بعدم العدالة مع لجوء الكثير من الدول إلى التحايل لتحقيق فوائض تجارية، لتضر بالاقتصاد الأمريكي وتعوق نمو وازدهاره. ورأى أن ذلك حدث نتيجة لسماح الولايات المتحدة لهذه الدول بدعم سلعها، وتخفيض سعر صرف عملاتها، وانتهاك الاتفاقات، مما أدى إلى تدفق تريليونات من الدولارات الأمريكية وملايين من الوظائف نحو الخارج. ووفقًا لحسابات ترامب خسرت أمريكا ما يقدر بنحو ثلث إلى نصف الوظائف الصناعية خلال العشرين عامًا الأخيرة فقط. وحدد مركز الثقل في اتفاقين تجاريين، الأول هو اتفاق المنطقة التجارية الحرة لشمال أمريكا (النافتا) مع كل من كندا والمكسيك، والثاني هو السماح بدخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية.
ولم يوفر الرئيس الأمريكي شريكًا تجاريًا واحدًا يحقق فائضًا في ميزانه التجاري مع الولايات المتحدة، كما أنه لم يوفر اتفاقًا تجاريًا واحدًا في هجومه، بحيث يمكن القول إن ما أعلن أنه يعتزم فعله يمثل تهديدًا جديًا للنظام التجاري الدولي. ومع مسارعة الرئيس الأمريكي خلال الأسبوع الأول من دخوله إلى البيت الأبيض بإعلان الانسحاب من مفاوضات اتفاقية الشراكة عبر الهادئ، فمن غير المستبعد تنفيذ كل أو بعض عناصر أجندته في هذا الشأن. وهو ما قد يتضح في قمة العشرين التي تعد أول مواجهة مباشرة بين ترامب وشركائه التجاريين الرئيسيين مجتمعين.
وبشأن البلدان التي حددها ترامب كسبب لتدني فرص العمل المتاحة للأمريكيين، مثلت المكسيك هدفًا مزدوجًا لترامب أثناء حملته الانتخابية، إذ استهدفها باعتبارها مصدرًا للمهاجرين غير الشرعيين لبلاده. وكان الحل الذي طرحه هو بناء سور على امتداد الحدود بين البلدين التي تبلغ 3169 كيلو مترًا للحيلولة دون هذه الهجرة. كما استهدف المكسيك أيضًا كشريك تجاري لتحقيقها فائضًا تجاريًا ضخمًا مع الولايات المتحدة.
كما تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتوجيه تعليمات لوزير خزانته بتصنيف الصين كبلد يتلاعب بسعر صرف عملته. وأنه سيسعى للتفاوض مع الصينيين لخفض فوائضهم التجارية الضخمة، حيث استوردت الولايات المتحدة في عام 2015 ما قيمته 482 مليار دولار من السلع الصينية، بينما صدرت لها بنحو 116 مليار دولار فقط، وهو ما أدى إلى عجز تجاري بلغ 366 مليار دولار. وأكد ترامب على أنه إذا لم يتعاون الصينيون من أجل خفض العجز التجاري الأمريكي فإنه سيقوم بتقليص الواردات من طرف واحد. يحدث ذلك في الوقت الذي أكد فيه الاقتصادي الأمريكي فريد برجستين وهو واحد من أهم المتابعين بشكل وثيق لموضوع تلاعب الصين بسعر صرف عملتها، أن تدخل الصين خلال العام الأخير على العكس من تلك الاتهامات " ساهم في تقوية القدرات التنافسية الأمريكية، وتوقف التلاعب بالعملة وأصبح ذكرى."
وقد تم إضافة ألمانيا الغربية إلى قائمة الدول المتهمة بالتلاعب بعملتها مؤخرًا. حيث حققت ألمانيا فائضًا في التجارة السلعية مع الولايات المتحدة بلغ نحو 65 مليار دولار عام 2016. وأشار أحد الاقتصاديين الأمريكيين إلى دقة الموقف في هذا الشأن، قائلاً "ترى لو صنفت الولايات المتحدة عضوية ألمانيا في منطقة اليورو باعتبارها تشكل تلاعبًا بالعملة، فهل ستدعو الإدارة إلى انسحاب ألمانيا من المنطقة؟ وحتى بافتراض حدوث ذلك، فسيؤدي هذا إلى اضطراب أوروبا اقتصاديًا وسياسيًا، وسيضر ضررًا بليغًا بالاقتصاد العالمي ككل. وأية مكاسب في الصادرات يمكن توقع أن تجنيها الولايات المتحدة من عملة ألمانية أقوى سيقضي عليها الانخفاض في القوة الشرائية في أوروبا. أم أن واشنطن ستفرض رسومًا جمركية على ألمانيا وحدها؟! وهذا لن يكون غير شرعي في ظل قواعد منظمة التجارة العالمية فقط، ولكن على الأغلب سيدفع نحو توحيد الاتحاد الأوروبي لصفوفه والانتقام. وستكون النتيجة حربًا تجارية كبرى."
وكانت الخلافات حول التجارة بين الولايات المتحدة وبقية مجموعة العشرين قد ظهرت إبان اجتماع المسؤولين الماليين في مجموعة العشرين في ألمانيا يوم السبت 19 مارس 2017. حيث فشل البيان النهائي للاجتماع في النص على ضرورة الحفاظ على التجارة العالمية حرة ومفتوحة كما كانت ترغب ألمانيا، وذلك نتيجة للضغوط التي مارسها وزير الخزانة الأمريكي. فهل تستطيع القمة وبعد نحو ستة أشهر من عمر إدارة ترامب التوصل لحل للخلافات، أم نشهد تعميقًا للخلافات التجارية بين أمريكا وشركائها؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة