مسودة دستور الغابون الجديد.. كل ما تريد معرفته
لا تبدو مهمة صياغة دستور جديد في الغابون يسيرة، فالنص مطالب بالكثير من التفصيل والتوضيح والتصحيح في بلد يعيد رسم ملامحه السياسية.
مسودة دستور لم يكشف عنها بعد، لكن تسريبات أبرزت العناوين الكبرى للوثيقة التي يتطلع الغابونيون لأن تتضمن إصلاحا شاملا ومراجعات تتلافى هنات النصوص السابقة.
وجرى اعتماد الدستور الغابوني في عام 1991، وتم تعديله عدة مرات وانتقاده فترة طويلة، ولذلك سيتم تعديله بالكامل، وهو الإصلاح الذي أشاد به المشاركون بالحوار الوطني الشامل المنعقد في أبريل/نيسان الماضي.
وفي 8 مايو/أيار المنقضي، عين المجلس العسكري الحاكم لجنة دستورية وطنية مكونة من 21 عضوا مسؤولة عن صياغة نص جديد.
في الكواليس
وتضم مسودة الدستور الجديد 150 مادة مقسمة بين عشرات العناوين، وحسب تقدير أحد محرريه فإن دستور الغابون المستقبلي "سيكون الأكثر ديمقراطية في تاريخ البلاد، لأنه مستمد مباشرة من الغابونيين أنفسهم".
وبعد تعيين اللجنة الدستورية من قبل "لجنة انتقال واستعادة المؤسسات" استغرق الأمر نحو خمسة أسابيع لإنتاج النسخة النهائية، التي تم الانتهاء منها في 13 مايو/أيار المنقضي.
وضمت اللجنة 21 عضوا من الأكاديميين والسياسيين والدينيين والقانونيين والمجتمع المدني، عملوا "بروح التوافق، وتم اتخاذ القرارات على أساس التسوية".
وفي تصريحات لعدد منهم لإعلام فرنسي، فإن الأمر "لم يكن سهلا، فلقد كان علينا أولا أن نتلقى بعض التثقيف، خاصة أن بعض الأعضاء ليسوا متخصصين في القانون الدستوري على الإطلاق".
ولفتوا إلى أن "البعض أساء فهم مهمتنا، لذلك قمنا بتشكيل مجموعة من سبعة أشخاص، أكاديميين وقضاة، لكتابة المسودة الأولى. ثم تمت مناقشتها خلال الجلسات العامة، وتم تحليل كل مادة وإجراء بعض التعديلات عليها".
وتابعوا "لكن كان علينا أن نشرح الكثير، فالبعض كان يفكر وضع النظام القديم في الاعتبار، بينما نحن في خضم إصلاح عميق".
وأتاحت بعض العناصر فتح المناقشات، خصوصا أن بعض القضاة في اللجنة هم طلاب سابقون أو على أية حال قريبون من مجتمع التدريس.
كما شارك بعض السياسيين خبراتهم العملية، مما جعل من الممكن تليين العديد من المواد وتكييفها بشكل أفضل مع الواقع.
وإجمالا، لم تبدأ الكتابة من ورقة فارغة، فقد أخذ المشروع بعين الاعتبار مخرجات الحوار الوطني الشامل، حتى لو كانت "غامضة وعامة".
و"كان من الضروري تفصيل وتوضيح وتعزيز وتصحيح التناقضات، ولكن أيضا مراعاة التراث الدستوري للغابون، لذلك فقد أخذنا أحكاما مفيدة من النص القديم"، حسب أحد الأعضاء.
كما قامت اللجنة بتنفيذ القانون المقارن بالاعتماد على مصادر قانونية خارج الغابون، مثل النصوص الأساسية لدول أخرى.
وهكذا تم استخدام الدساتير الفرنسية والأمريكية والألمانية والإسبانية والبلجيكية والإيفوارية والبنينية وحتى السنغالية وجنوب أفريقيا لإثراء التفكير.
واستند العمل أيضا إلى السوابق القضائية للمحكمة الدستورية السابقة، والتي تعرضت لانتقادات كثيرة بالتأكيد، لكنها "لم تكن كلها سيئة".
كما كانت أحكام الميثاق الانتقالي أو المعاهدات الدولية الأفريقية أو ميثاق الأمم المتحدة بمثابة مصدر.
نظام رئاسي مع ضمانات
في نهاية المطاف، تنص مسودة الدستور على نظام رئاسي، ولكن مع ضمانات لتجنب الهيمنة المفرطة لرئيس الدولة على السلطة.
ووفق أحد أعضاء اللجنة الدستورية الوطنية، فإن “هناك حرصا شديدا على الحفاظ على التوازن والفصل بين السلطات”، وبذلك تكون ولاية رئيس الجمهورية سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
وينبغي أن يكون غابونيا من الأب والأم، دون جنسية مزدوجة، وسيكون رئيس الدولة والحكومة، ما يعني أنه لن يكون هناك رئيس للوزراء.
أما الضمانة الأولى فسيكون الرئيس مسؤولا أمام البرلمان وبالتالي أمام الشعب، ما يعني أنه ستكون هناك إجراءات عزل في حالات مثل الخيانة العظمى أو انتهاك القسم أو الدستور.
وستتعلق الخيانة العظمى بشكل خاص بجرائم الفساد، والاستخبارات ذات القوة الإرهابية، واختلاس الأموال العامة، وما إلى ذلك.
ولكي يتم التصديق على العزل، يجب أن يصوت عليه ما لا يقل عن ثلثي أعضاء البرلمان، وليس ذلك فقط، بل يمكن أن تستهدف الآلية نفسها أيضا الوزراء ورؤساء المحاكم العليا وقضاة المحكمة الدستورية.
ضمانة أخرى تشمل نظام "مكافحة التلاعب"، فأولا ستكون بعض مواد الدستور "حصينة فعليا": ولا سيما تلك المتعلقة بمدة وعدد الولايات الرئاسية.
ويتم تعزيز هذا المبدأ بحماية ثانية عبر مادة تنص على أن سابقتها غير قابلة للانتهاك، والطريقة الوحيدة لتعديل هذه المواد هي تغيير الدستور، وهذا لن يكون ممكنا إلا عن طريق الاستفتاء.
وبالتالي، فإنه بالنسبة للمسائل البسيطة، يمكن تعديل النص بالأدوات البرلمانية، بما في ذلك تكييفه مع الاتفاقيات الدولية، باستثناء حين يتعلق الأمر بمسائل السيادة الوطنية.
وتم تخصيص إجراءات محددة لإرسال القوات إلى الخارج، وهذا الأمر يقرره رئيس الدولة الذي سيتعين عليه إبلاغ رؤساء المجلسين، ومن ناحية أخرى سيتعين على البرلمان إعطاء موافقته على إبقاء القوات خارج الغابون.
برلمان قوي
فيما يتعلق بالسلطة التشريعية فسيتم الحفاظ على الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، مع انتخاب المجلسين لولاية مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد هذه المرة.
وهذا المبدأ تم تبنيه لتجنب مضاعفة عدد المسؤولين المنتخبين السابقين وبالتالي إثقال كاهل صناديق التقاعد.
ومن أجل موازنة السلطة الرئاسية، أراد أعضاء اللجنة الحفاظ على برلمان قوي له سلطة الإقالة، كما أضافوا آليات لا سيما لاستجواب رئيس الدولة بشأن نقاط محددة، وسيتعين بعد ذلك على الرئيس أو أحد ممثليه أن يأتي ويشرح موقفه للمسؤولين المنتخبين.
وسيتمتع البرلمان أيضا بسلطات التحقيق، مع إمكانية تعيين لجان تحقيق أو مراقبة، ونقل هذه الصلاحيات إلى المحاكم عندما يتورط كبار المسؤولين البسطاء.
وعلاوة على ذلك، تم الحفاظ على مبدأ التعارض بين مهام الوزير والنائب، الذي سبق أن وجد في توصيات الحوار الوطني الشامل، ففي حال وافق أحد النواب على دخول الحكومة فإنه يفقد ولايته تلقائيا وسيتعين على بديله أن يحل محله في المجلس.
وبالتالي، فإن قبول المحفظة سينطوي على مخاطر، لأن مدة ولاية الحكومة تظل غير مؤكدة بطبيعتها، وبالتالي يسعى النص الأعلى إلى تشجيع توسيع الملامح الوزارية، ولا سيما لأعضاء المجتمع المدني، والمسؤولين التنفيذيين، وما إلى ذلك.