«ضرائب غافام».. معركة برلمانية تهز باريس وتشعل خلافات دولية (حوار)
تشهد فرنسا جدلا واسعا حول سياساتها الضريبية، مع سعي الحكومة والبرلمان لتحقيق توازن بين زيادة الإيرادات العامة، ودعم العدالة الاجتماعية، وحماية التنافسية الاقتصادية في مواجهة الشركات العالمية.
أكد الخبير الاقتصادي الفرنسي توما بورغيل، الباحث في مدرسة الأعمال بمركز الأبحاث الاقتصادية، أن قرارات الجمعية الوطنية الفرنسية بمضاعفة الضريبة على شركات التكنولوجيا العملاقة “غافام”، وفرض ضريبة جديدة على أرباح الشركات متعددة الجنسيات، تمثل تحولًا ماليًا جريئًا لكنه محفوف بمخاطر اقتصادية وسياسية كبيرة.
وأوضح أن تلك الخطوات، التي أقرها النواب رغم اعتراض الحكومة، قد تفتح الباب أمام توترات مع الولايات المتحدة و125 دولة ترتبط مع باريس باتفاقيات ضريبية دولية.
وفي حوار خاص مع "العين الإخبارية"، شدد بورغيل على أن هذه الإجراءات قد تنعش خزينة الدولة بمليارات اليوروهات، لكنها في الوقت نفسه قد تُدخل الاقتصاد الفرنسي في سلسلة من النزاعات القضائية والتجارية، واصفًا ما حدث بأنه “تصويت تحت ضغط سياسي أكثر منه قرار اقتصادي محسوب”.
بدايةً.. ما حقيقة ما جرى في الجمعية الوطنية بشأن ضريبة «غافام»؟
صوتت الجمعية الوطنية على مضاعفة الضريبة المفروضة على شركات التكنولوجيا العملاقة مثل غوغل وأمازون وفيسبوك وأبل من 3% إلى 6%، مع رفع الحد الأدنى لتطبيقها على الشركات التي يتجاوز حجم نشاطها في فرنسا ملياري يورو.
وجاءت هذه الخطوة بعد نقاشات مطوّلة وضغوط من أحزاب اليسار وعدد من النواب الذين رأوا أن تلك الشركات تجني أرباحًا ضخمة داخل فرنسا دون أن تسهم بما يكفي من الضرائب.
كان هناك اقتراح سابق برفع النسبة إلى 15%.. لماذا تراجع النواب؟
صحيح، فقد طُرح داخل لجنة الميزانية اقتراح بزيادة الضريبة إلى 15%، وهي نسبة مرتفعة جدًا.
لكن في التصويت النهائي، تغلّبت الدعوات إلى التهدئة، بعد تحذيرات من ردود فعل أمريكية قوية، مثل فرض رسوم جمركية أو عقوبات على الشركات الفرنسية. وقد لعب وزير الاقتصاد رولان ليسكور دورًا واضحًا في توجيه التصويت نحو خيار أقل خطورة.
وماذا عن الضريبة الجديدة التي أثارت ضجة كبيرة؟
القرار الأبرز كان إقرار ضريبة جديدة على أرباح الشركات متعددة الجنسيات، بحيث تُفرض على الجزء من الأرباح المتصل بالنشاط الحقيقي داخل فرنسا، أي وفقًا لحجم المبيعات المحققة داخل السوق الفرنسي مقارنة بالعائدات العالمية.
ويقدّر المدافعون عن هذه الخطوة أن عوائدها قد تصل إلى 26 مليار يورو سنويًا.
لماذا عارضت الحكومة هذا الإجراء بشدة؟
لأن وزير الاقتصاد اعتبرها خطوة قد "تجلب على فرنسا 20 مليارًا من المتاعب"، إذ إن البلاد مرتبطة بـ125 اتفاقية ضريبية دولية، وقد تلجأ أي شركة كبرى لمقاضاة فرنسا بدعوى "الازدواج الضريبي".
كما تخشى الحكومة أن تردّ دول أخرى بإجراءات انتقامية ضد الشركات الفرنسية.
هل هناك بُعد سياسي وراء هذه القرارات؟
بلا شك. فقد نشأ تحالف غير متوقع بين اليسار واليمين المتطرف (التجمع الوطني) بهدف توجيه رسالة شعبوية بأن البرلمان قادر على مواجهة الشركات الكبرى، خاصة في ظل ركود اقتصادي وضغط اجتماعي متزايد.
ولهذا وصف وزير الاقتصاد ما جرى بأنه "إشارة عدائية لـ125 دولة"، وليس مجرد تعديل ضريبي.
هل يستفيد الاقتصاد الفرنسي فعليًا من هذه القرارات؟
على المدى القصير، قد تبدو إيجابية من حيث زيادة الإيرادات العامة، لكن على المدى المتوسط والبعيد قد تواجه فرنسا نزاعات قانونية دولية، وعقوبات تجارية، وتراجعًا في ثقة المستثمرين.
فإذا تحولت المسألة إلى حرب ضرائب، ستكون الكلفة أكبر من المكاسب.
البرلمان اعتمد أيضًا تعديلًا يلزم الشركات التي تنقل نشاطها للخارج برد جزء من دعم الدولة.. هل هذا قابل للتطبيق؟
هذا التعديل شعبي في ظاهره، ويستهدف الشركات التي تغلق مصانعها داخل فرنسا وتنقلها إلى دول ذات كلفة أقل.
نظريًا يبدو منطقيًا، لكن تطبيقه قانونيًا صعب، وقد تواجه الدولة دعاوى قضائية من الشركات بدعوى تغيير شروط الاستثمار بأثر رجعي.
ما السيناريو الأقرب الآن؟
من المرجح أن تسعى الحكومة إلى تخفيف حدة النصوص المثيرة للجدل عند مناقشة الموازنة النهائية، وربما تستخدم مجلس الشيوخ أو المجلس الدستوري لتعديلها.
فالتنفيذ الحرفي لهذه الإجراءات يعني مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
هل تتوقعون تراجعًا عن القرارات؟
لن يكون هناك تراجع كامل، بل تعديلات واسعة لضمان توافق دولي.
فرنسا لا تستطيع مواجهة الاقتصاد العالمي منفردة، لكنها في الوقت ذاته تسعى لإظهار صرامتها في مكافحة التهرب والتحايل الضريبي. التوازن هنا دقيق للغاية.
باختصار.. من الرابح ومن الخاسر؟
سياسيًا، المعارضة كسبت معركة إعلامية مؤقتة. أما اقتصاديًا، فالصورة غير واضحة بعد، لكن المخاطر تبدو أعلى من المكاسب ما لم تُراعَ القوانين الدولية واتفاقيات الـOECD.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODcg جزيرة ام اند امز