إذا نجح نهج المهاتما غاندي في الوصول للسياسة من حيث المقاومة والاحتجاج في الهيمنة على السياسيين، فهذا سيوفر علاجاً محتملاً للأزمة المعاصرة للديمقراطية.
إذا نجح نهج المهاتما غاندي في الوصول للسياسة من حيث المقاومة والاحتجاج في الهيمنة على السياسيين، فهذا سيوفر علاجاً محتملاً للأزمة المعاصرة للديمقراطية.
سألت مرة أحد طلابي في جامعة جندال العالمية حول أهمية المهاتما غاندي في الهند، اليوم، علقوا ببرود وقالوا "غاندي ليس سوى اسم وصورة فقط في الهند اليوم".
نحن في حاجة إلى التذكير أن غاندي قد حظي بالتقدير أكثر من ذلك خارج الهند بداية من الجيلين الأخيرين من الهند.
وعلاوة على ذلك فإن غاندي لا يزال شخصية متميزة كما كانت من قبل، وبعد اغتياله من قبل "ناتهورام جودسي" تأثر الفلاسفة من فلسفته اللاعنف في القيادة الملهمة من القرن الـ20 أمثال (خان عبد الغفور خان، مارتن لوثر كينغ، نيلسون مانديلا، وفاكلاف هافل).
شرح ندائه العالمي
كان نجاح غاندي بمثابة النعرة العالمية، حيث تجاوز المكانة الوطنية بصفته مؤسس الهند الحديثة، وعلى هذا النحو يمكن قياس رسالته العالمية وتأثيرها الكبير على كل أشكال المعارضة ضد الأنظمة الظالمة – وهذا يشمل الهند في نصف القرن الماضي- وعلى هذا النحو أيضاً أصبح غاندي جزءاً من الضمير الأخلاقي للإنسانية.
- نحن في حاجة إلى التذكير أن غاندي قد حظي بالتقدير أكثر من ذلك خارج الهند بداية من الجيلين الأخيرين من الهند
فقد كان اسمه وإنجازاته تشير الى ثورة ضد الظلم، وهذا هو الوصف الصحيح له، ولا يمكن قياس أهمية غاندي على خلفية الفلسفة المدنية من خلال المعارضة.
مع كل ذلك كان من الضروري أن نشير إلى أن موقف غاندي تجاه الحضارة الحديثة هو جهدٌ لطرح الأسئلة الصحيحة في الوقت المناسب حول الأفكار الموروثة في الفكر والعمل. جرأة غاندي في طرح الأسئلة حول ما يتعرض له العالم الغربي من حقائق كونية قد تعادل سياقاً تاريخياً معيناً يجد معناه في الفحص الذاتي.
وعلى هذا النمط، فإن غاندي لم يكن فيلسوفاً محترفاً، فقط كان يسأل أسئلة فلسفية تساعدنا على فهم الآثار المترتبة على كيف لهذه الأفكار أن تُغير العالم.
وكما يقول الكاتب جورج وودكوك "إن فكرة الهلاك لأجل قضية يمكن أن تحدث لرجال آخرين بعد قراءة كتابات غاندي مع مرور الوقت".
وتفاني غاندي في مواجهة الموت هو مثال على الموقف الشجاع للعقل، وعلاوة على ذلك يمكن للمرء أن يجد في غاندي استعداداً لرفع مسألة المعاناة الذاتية كسياسة عامة.
الوحدة هي واحدة من السمات الأساسية للنعرة السقراطية، والذي من المتوقع اتخاذ موقف مستقل لمن هم في السلطة، وأحياناً في المعارضة المباشرة لآراء المجتمع الأكبر.
- إن نجاح نهج غاندي في السياسة من حيث المقاومة والاحتجاج سيوفر علاجاً محتملاً للأزمة الديمقراطية المعاصرة
نبل غاندي في مواجهة الشعوبية (المحسوبية)، هو تذكير في الوقت المناسب لكيفية المعارضة المبدعة، التي من الممكن أن تصبح وسيلة للاستجواب وتغيير العالم للأفضل.
القيادة بشكل صحيح
المسائل التي تم تناولها من قبل المهاتما غاندي إلى معاصريه تجد أهميتها الكاملة في عصرنا من الشعوبية السياسية والنفاق الأخلاقي، أكثر من كونها مجرد لحظة تاريخية.
وعلى الرغم من طرح غاندي للنظريات الأفلطونية والمكيافيلية للقيادة السياسية، فإنه جسّد سلوك القيادة الأخلاقية والحوارية واعترف باعتباره النموذج الحقيقي للترابط وخدمة الآخرين. ومما لا شك فيه، أن هذا هو الدرس الحقيقي للحياة السياسية لغاندي، حيث الإدانة الأخلاقية والشعور بالواجب تجاه الآخرين تكون جنباً إلى جنب.
وكان طموح غاندي في عيش حياة سياسية بالقيم الأخلاقية بعيداً عن المصالح الذاتية والغطرسة السياسية. وكانت هذه فكرة القيادة التحولية باعتبار أخلاقيات الحرية هي السمة المميزة للفلسفة السياسية عند غاندي. فيما كان غاندي قادراً على تحديد رؤية جديدة للهند المستقلة- ليس عن طريق العودة إلى الماضي، ولكن من خلال خلق إمكانيات ثقافة عامة في الهند.
- غاندي مفكر لا يُقدر بثمن ودليل أخلاقي وسط مشاكلنا السياسية الكبيرة والارتباكات الثقافية في الهند والعالم
وعلى هذا النحو، فإن مثالية غاندي الديمقراطية تقوم على معتقداته الأساسية مثل النمو الأخلاقي للفرد والعمل اللاعنفي والترابط بين جميع إدارات الحياة مع بعضهم البعض. ولكن بسؤال غاندي عن كيف سيتم العمل بهذه المبادئ في الحياة اليومية؟ قال إنه جاء إلى استنتاج مفاده أن الديمقراطية مثل أي جانب آخر من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية، لن نستطيع العمل في إطار حضارة لا معنى لها بعدم الشعور للأخلاق والقيم الروحية.
وبعبارة أخرى، فإن فهم فكرته الديمقراطية تكون بتحقيق وسيلة واحدة وهي تأدية الواجب المدني كفرد مشارك في المجتمع وباعتباره الغاية التي ينبغي تحقيقها من خلال المقاومة الأخلاقية والسياسية لجميع أشكال السلطة.
وعن هذا القول فإن نجاح نهج غاندي في السياسة من حيث المقاومة والاحتجاج سيوفر علاجاً محتملاً للأزمة الديمقراطية المعاصرة. ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن غاندي كان موجهاً نحو إعادة اختراع السياسة باعتبارها قادرة على تحقيق الذات والتحول الذاتي للمجتمع.
ربما يكون هو السبب في كل مرة وأنا أقرأ صفحة من غاندي، فيجعل الأمر يغريني بالعودة إلى طلابي لكي أطلب منهم إعادة النظر في أن غاندي مفكر لا يُقدر بثمن ودليل أخلاقي وسط مشاكلنا السياسية الكبيرة والارتباكات الثقافية في الهند والعالم الذي نعيش فيه.
نقلا عن صحيفة "ذا هندو" الناطقة باللغة الهندية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة