رمضان في غزة.. مدفع للإفطار وآخر للاحتلال الإسرائيلي
حسني مهنا، مدير الإعلام في بلدية غزة، يقول إن المدفع قبل وضعه الحالي كان قطعة حربية استعملت خلال الانتداب العثماني ومن بعده البريطاني.
على بعد أمتار من دمار عمارة الخزندار وسط مدينة غزة، وقف الشيخان إبراهيم مسعود، ومحمد سعدو خلف، يستعيدان ذكرياتهما القديمة المتعلقة بشهر رمضان الكريم، ويقارنان بين مدفع الإفطار الذي كان صوته يُدخل البهجة والمسرة إلى قلوب الناس، فيسرعون إلى إفطارهم المنتظر، ومدافع الاحتلال الإسرائيلي التي توزع الموت على الآمنين.
وكان قطاع غزة شهد مؤخراً (من 3 حتى 6 مايو/ أيار الجاري) أياماً من القصف الشديد ذهب ضحيته 25 شهيداً فلسطينياً ومئات الإصابات، ليصحو سكان قطاع غزة على أوجاع جديدة، صنعتها الصواريخ والمدافع الإسرائيلية.
ويروي الشيخ الضرير إبراهيم مسعود، صاحب الثمانين سنة لـ"العين الإخبارية" شهادته عن مدفع الإفطار الذي كان مقره في منطقة وسط مدينة غزة، بالقرب من ساحة السرايا اليوم: "إلى هذا اليوم جيلنا يستخدم عبارة (ضرب المدفع) عند سماع صوت الأذان، ولكن أصوات المدافع اليوم أسكتت المآذن وكسرت رقابها في غزة، ولم تعد تدخل الفرح لقلوبنا، بل نشرت الخراب وفتحت بيوت العزاء، ولا ننتظرها أبداً، وإن جاءت نقلق على أعمارنا وأموالنا منها".
وتابع: "إن كنت مع امتلاك المدافع لكي نواجه بها مدافع العدو، إلا أنني أحب أن يعود صوت المدفع الرمضاني الأول لكي يدخل البشارة إلى النفوس ويفرح به الناس، وأن تخرس كل مدافع الحروب لتحيا الإنسانية بسلام".
ويبقي مدفع الإفطار صامتاً من بعد السحور مباشرة، ويخرج صوته لحظة الإفطار، بعد أن يتأكد المطلق لصوته، أن الوقت قد حان برؤيته راية مكتوب عليها (لا إله إلا الله) ترفرف من مئذنة مسجد غزة الكبير، أو ما يطلق عليه (المسجد العمري)، ليصدح المدفع بصوت قوي، وثوان يرتفع نداء المؤذن لتفطر غزة.
وأوضح الشيخ محمد سعدو خلف ابن السابعة والسبعين من العمر، أنه كان واحدا من الذين كانوا ينتظرون رفرفة الراية تحت المئذنة، لأن بيتهم كان قريباً من المسجد، وعن هذه اللحظة يقول لـ"العين الإخبارية": "أذكر أقدامي وهي تضرب أسفل ظهري جرياً نحو البيت بعد سماعي صوت المدفع والمؤذن يصدح بالأذان، وفمي معهم يسبق جسدي في الهواء، وهو يبشر بالإفطار، فآخذ مكاني أمام المائدة، والفرحة قد شملت العائلة".
وتابع: "كنا ننتظر بفارغ الصبر صوت المدفع أيامها، ولكن اليوم لا نريد للمدافع القاتلة أن تكون في حياتنا لأنها تغتال الفرح، وتحول بيوتنا إلى دمار، شتان بين مدفع رمضان ومدافع الشيطان".
ولأنها الذكريات قد فتحت أبوابها، في سوق الزاوية وسط مدينة غزة، من الجهة الشرقية للسوق، كان يجلس الشيخان أمام صانع القطايف (حلويات رمضان)، يشير أحدهما إلى شاب في الخمسين من عمره ليقول: "والد هذا الشاب كان إذا سمع صوت المدفع والأذان حرك الحطب في فرنه لكي يبدأ بصناعة القطايف، التي يتجمهر حولها الناس بعد صلاة المغرب إلى ما بعد صلاة التراويح، بينما الزينة تعلو على الجدران وتطير الأوراق في الأضواء الجميلة، وتبدأ الأمسيات الرمضانية بالأهازيج والأناشيد الدينية، ويقترب الناس من بعضهم البعض، فهذا يسامح في دين، وذاك يطلب العفو من خطأ".
وتابع: "غزة أيام زمان كانت تنتظر رمضان بفارغ الصبر، لأنه كان يصلح ما تفسده النفوس ويهذبها، ويعيد الحقوق إلى أصحابها، وينشر المحبة والسلام، ويأكل الفقير كالغني، ويتساوى الناس في طاعة الله، لهذا كنا نحب صوت المدفع لأنه كان رمز رمضان ودليل حضوره، وكان يجمع على المحبة".
ويقول حسني مهنا، مدير الإعلام في بلدية غزة، عن مدفع رمضان الوحيد في قطاع غزة الذي يوجد على مدخل البلدية: "مدفع رمضان قبل أن يستخدم للإفطار والإمساك والمناسبات السعيدة، كان قطعة حربية تم استعمالها في حروب عدة في زمن الانتداب العثماني ومن بعده البريطاني".
وأوضح: "اختار وجهاء مدينة غزة استخدام المدفع لأغراض مدنية، ومنذ عام 1940 تقريباً، خرج المدفع من الخدمة العسكرية، ودخل الخدمة المدنية، وأصبح رمزاً للفرح وإسعاد الناس، حتى احتلت إسرائيل قطاع غزة في عام 1967، ما تسبب في إسكات المدفع الرمضاني نهائياً، فتم تخزينه لسنوات طويلة في مخازن البلدية، ومع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994 أخرج من المخازن، وأجريت صيانة له ووضع على مدخل بلدية غزة، ليتذكر الناس أن المدافع ليست كلها قاتلة ".
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuMjIzIA== جزيرة ام اند امز