ألم الموت وأمل الهدنة.. غزة بين القصف العنيف والتحذير الأخير

محاصرون بين ألم وأمل وما بينهما يتكثف شبح الموت المحيط بكل شبر بالمدينة ليشكل مع محنة النزوح الإجباري جنوبا مشهدا مريعا.
ففي مدينة غزة لا شيء يتغير سوى أرقام الموتى وحشود النازحين المتدفقين نحو الجنوب، خصوصا عقب «التحذير الأخير» من إسرائيل لإخلائها، فيما فضل آخرون البقاء معتبرين أن لا مكان آمنا في القطاع كله.
واليوم الأربعاء، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تحذيرا أخيرا لسكان مدينة غزة لمغادرتها باتجاه الجنوب الأربعاء مع استعداد الجيش لإحكام الطوق حولها.
يأتي ذلك في وقت تدرس فيه حركة حماس خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب المستمرة منذ نحو عامين في القطاع المحاصر والمدمر.
«الفرصة الأخيرة»
فيما تتعرض المدينة الرئيسية في القطاع لقصف عنيف بحسب ما أكده نازحون، قال كاتس في بيان على منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي إن "هذه هي الفرصة الأخيرة لسكان غزة الراغبين في ذلك للتحرك جنوبا وترك عناصر حماس معزولين داخل المدينة".
وأضاف أنه "من يبقى في غزة سيُعتبر من الإرهابيين وداعميهم".
وأشار كاتس إلى أن الجيش سيطر على معبر نتساريم في وسط القطاع والذي يمتد من الشرق إلى الساحل الغربي، ومن ثم فصل مناطق الشمال عن الجنوب.
وقال إن كل من يغادر مدينة غزة إلى الجنوب سيضطر إلى المرور عبر نقاط تفتيش عسكرية إسرائيلية.
وجاء هذا الإعلان بعد ساعات من إعلان الجيش إغلاق آخر طريق متبقٍ أمام سكان جنوب غزة للوصول إلى الشمال.
«رعب وذل»
في مدينة غزة، تحدث رباح الحلبي، البالغ 60 عاما الذي يعيش في خيمة داخل مستشفى الشفاء، عن دوي انفجارات متواصلة.
وقال لوكالة فرانس برس عبر الهاتف: "لن أغادر لأن الوضع في مدينة غزة لا يختلف عن الوضع في الجنوب.. جميع المناطق خطرة، والقصف في كل مكان، والنزوح رعب وذل".
وأضاف: "ننتظر الموت، أو ربما الفرج من الله، وأن تُعلن الهدنة".
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من جانبها أن العمليات العسكرية المكثفة في مدينة غزة أجبرتها على تعليق أنشطتها فيها، وقالت إن "عشرات الآلاف (الذين ما زالوا فيها).. يواجهون ظروفا إنسانية مروعة".
موقفان في حماس
في غضون ذلك، تواصل حركة حماس دراسة خطة ترامب الذي أمهلها "ثلاثة أو أربعة أيام" للقبول بها وتوعدها بمصير قاتم في حال رفضها.
وتنص الخطة التي قال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو إنه يؤيدها، على وقف فوري للحرب في قطاع غزة فور موافقة طرفي الحرب، على أن يلي ذلك الإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين في القطاع وعن مئات المعتقلين الفلسطينيين لدى إسرائيل.
وتنص الخطة المؤلفة من عشرين بندا أيضا على نزع سلاح حركة حماس وخروج مقاتليها من القطاع إلى دول أخرى، وأن تتولى إدارة غزة لجنة فلسطينية من التكنوقراط والخبراء الدوليين، بإشراف مجلس يترأسه ترامب نفسه ويضم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
وذكر مصدر قريب من حماس أن الحركة تسعى لتعديل بعض البنود، بينها بند نزع السلاح وإبعاد كوادر من حماس والفصائل من القطاع.
وأشار إلى أن "المشاورات مكثّفة على مدار الساعة داخل قيادة الحركة في فلسطين والخارج... ومع الوسطاء"، موضحا أن أربعة لقاءات عُقدت الاثنين في الدوحة مع الوسطاء القطريين والمصريين "في حضور مسؤولين أتراك".
وذكر أن حماس "أبلغت الوسطاء بضرورة توفير ضمانات دولية للانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة ولعدم خرق إسرائيل وقف إطلاق النار عبر عمليات اغتيال داخل وخارج غزة".
وأفاد مصدر ثان قريب من المفاوضات في الدوحة فرانس برس عن وجود "رأيين في حماس: الأول يؤيد الموافقة غير المشروطة على الخطة، ووقف إطلاق النار على أن يتولى الوسطاء ضمان تنفيذ إسرائيل للخطة".
والطرف الآخر "لديه تحفظات كبيرة عن بنود مهمة منها رفض عملية نزع السلاح وإبعاد أي مواطن إلى الخارج".
"مهما كان الثمن"
بموجب الخطة التي رحّبت بها عدة دول عربية وإسلامية وغربية، تنسحب إسرائيل تدريجيا من القطاع، إلا أنها تحتفظ "بحزام أمني"، على أن يتم تشكيل "قوة استقرار دولية موقتة" ونشرها في القطاع.
وميدانيا، قال الدفاع المدني في غزة إن الضربات الإسرائيلية أسفرت الأربعاء عن مقتل ما لا يقل عن 46 شخصا في مختلف أنحاء القطاع، بينهم 36 في مدينة غزة.
وقال الجيش الإسرائيلي، ردّا على استفسار لوكالة فرانس برس، إنه "يفحص التقارير".
وقال فضل الجدبة (26 عاما) الذي يقيم في خيمة في منطقة السرايا بحي الرمال في غرب مدينة غزة، إنه لن يغادر المدينة حتى لو أغلق الجيش طريق الكورنيش (شارع الرشيد)... الدبابات تسيطر على حي تل الهوى، ولا أستبعد أن تتوغّل في حي الرمال".
وتابع الجدبة "لكن ماذا سيفعلون؟ هل سيقتلون مئات الآلاف من الناس؟... نريد وقف إطلاق النار بأي ثمن، لأننا محبطون ومتعبون، ولا نجد أحدا في العالم يقف معنا".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg3IA== جزيرة ام اند امز