انهيار اقتصاد غزة.. والفلسطينيون أمام خيارات صعبة
معدل البطالة في غزة 43.6% والفقر يتجاوز 60%
انحدار اقتصادي في غزة، يدفع القطاع للمرور بأزمة إنسانية حقيقية، وربما في القريب انهيار اقتصادي سيقود إلى انهيار أمني.
أغلق الرجل الذي يصنع رقائق البطاطا (البطاطس) والشيكولاتة ووجبات خفيفة بطعم الفانيليا لغزة مصنعه مجدداً، بعدما مر بما قال إنه أسوأ أزمة اقتصادية في حياته.
ويدير وائل الوادية مصانع للمنتجات الغذائية منذ عام 1985 في قطاع غزة، الذي أصبح الآن مختلفاً تماماً بالنسبة للوادية ومليوني فلسطيني آخرين يعيشون فيه.
وفي ذلك الوقت كان هناك مستوطنون إسرائيليون في غزة، ولم تكن حركة حماس الإسلامية موجودة، وكان الفلسطينيون يفصلهم عامان عن أولى انتفاضاتهم ضد الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والتي جعلت العالم يعرف كلمة "انتفاضة".
وقال الوادية الذي يبلغ من العمر 51 عاماً، بينما كان يجلس في منشأة صناعية تتدهو ببطء بالقرب من الحدود الحصينة مع إسرائيل، إن النشاط في غزة يوشك أن يتوقف جراء عشر سنوات من حصار تفرضه إسرائيل وانقسامات فلسطينية داخلية.
وأضاف قائلاً "الوضع مزر للغاية، قدرة الناس على الشراء انخفضت إلى أدنى مستوى، لذا فإن أعمالنا والأعمال بشكل عام في قطاع غزة تعاني بشكل غير مسبوق".
وخفض الوادية الإنتاج 70% والأجور 30%، بعد أن كان الموظفون يعملون كل يوم، أصبحوا الآن يعملون يوماً واحداً كل 3 أيام.
وقال الوادية "إذا لم تنفتح الأمور، وإذا لم تحدث معجزة، فإن المصانع والشركات سوف تغلق أبوابها، وعندها سيحدث الموت الفعلي للاقتصاد".
وتعاني غزة منذ وقت طويل من الفقر، لكن مع وصول معدل البطالة إلى 43.6%، بحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن تجاراً كانوا يوماً ما أثرياء أصبحوا غارقين في الديون، وهو ما أدى إلى انهيار متتابع لأنشطة أعمال أخرى.
ويلقي كثيرون باللوم على إسرائيل ويتهمونها بفرض حصار اقتصادي على قطاع غزة، تسبب في تقييد حركة الأشخاص والسلع بشكل كبير.
لكن مواطني غزة يلقون باللوم أيضاً على قادتهم، ويشتكون من الصراع على السلطة بين حركة حماس التي سيطرت على القطاع في 2007 وحركة فتح التي ينتمي إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وتجمع كل من حماس وفتح ضرائب، وتديران جهازين إداريين متنافسين. وحتى الكهرباء أصبحت من أدوات الصراع على السلطة، حيث تفاقمت أزمة انقطاعات الكهرباء مؤخراً، التي تضررت منها مصانع الوادية، مع قيام عباس بقطع الأموال التي تدفع مقابل تزويد إسرائيل غزة بالكهرباء.
وتقول فتح إن حماس تستغل الأموال التي تحصلها من مستهلكي الكهرباء لأغراضها الخاصة.
* الفقر والأمن
والوضع الحالي في غزة هو نتيجة للحرب والعزلة والنزاعات الداخلية.
وفي العام الماضي، خفض عباس رواتب 60 ألف موظف حكومي في غزة بنسبة 30%، وهو ما قلص قدرتهم الشرائية في المتاجر والأسواق بعد سداد قروضهم للبنوك. وتضاعفت قيمة الشيكات المرتدة إلى المثلين تقريباً في غزة من 37 مليون دولار إلى 62 مليون دولار بين 2015 و2016، ثم ارتفعت مجدداً إلى 112 مليون دولار في 2017، بحسب سلطة النقد الفلسطينية.
وأسهم انخفاض القدرة الشرائية في هبوط الواردات عبر المعبر التجاري الوحيد الباقي مع إسرائيل، حيث تعبره الآن 350 شاحنة فقط يومياً مقارنة مع 800 شاحنة في الربع الأخير من 2017.
وقام بعض التجار بمبادرة دينية في ديسمبر/كانون الأول، عرضوا فيها شطب ديون العملاء تحت شعار "سامح تؤجر"، دعمتها حماس وفصائل أخرى، لكن حجم الديون كان أكبر بكثير من تلك المبادرة المحدودة. وقال ماهر الطباع، وهو محلل اقتصادي في غزة "غزة دخلت حالة الموت السريري، وتحتاج إلى حلول جذرية وحقيقية ومستدامة وليس إلى حلول مؤقتة قصيرة الأجل".
وفي الجانب الآخر من الميزان الاقتصادي، يقوم صهيب وشادي وأحمد الولود بالبحث في كومة من القمامة بالقرب من منزلهم في شمال غزة عن منتجات بلاستيكية، لبيعها إلى مصانع إعادة التدوير.
ووالدهم أحد مواطني غزة الذين فقدوا وظائفهم في إسرائيل قبل أكثر من 10 سنوات، حينما أغلقت إسرائيل الباب أمام آلاف من العمال الفلسطينيين في أعقاب سيطرة حماس على القطاع.
وقال صهيب، 19 عاماً، من بيت لاهيا "أنا في هذا العمل منذ صغري". لكنهم يحصلون الآن على ما يكفي "لمجرد أن نعيش" على حد قوله، لأن أسعار البلاستيك المستعمل هبطت 80%. وأضاف صهيب قائلاً "لا يوجد عمل كثير الآن والناس لا ترمي بلاستيك مثل زمان".
والسؤال الذي يهيمن على غزة الآن هو ما إذا كانت الأوقات الصعبة ستجعل الفلسطينيين أكثر ميلاً لدعم الهجمات على إسرائيل، أو أقل ميلاً، لأنهم يخشون هجمات انتقامية.
وقال علي الحايك، رئيس جمعية رجال الأعمال "نحن نشهد مأساة حقيقية، غزة تمر بأزمة إنسانية حقيقية، انهيار اقتصادي سيقود إلى انهيار أمني، وهذا سيسبب متاعب للمجتمع الدولي ولإسرائيل أيضاً".