استهداف «عين الأسد».. هل تزأر حرب غزة في العراق؟
يتواصل استهداف فصائل عراقية موالية لإيران، لقواعد تضم قوات أمريكية بسوريا والعراق، عبر هجمات بصواريخ أو طائرات مسيرة منذ أيام.
ضربات توجهها بين الحين والآخر، فصائل عراقية موالية لإيران، ضد قواعد تضم قوات أمريكية بسوريا والعراق، تحرك مخاوف "الصراع الإقليمي"، وتضع العراق على شفا التصعيد.
يأتي هذا على وقع الحرب المتواصلة على قطاع غزة، لليوم الـ20 على التوالي، بين إسرائيل وحركة حماس، وسط مخاوف من توسع الصراع إلى نزاع إقليمي.
واليوم، أعلنت فصائل عراقية استهداف قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار غربي العراق، التي تستضيف قوات أمريكية ودولية أخرى.
لكن خبراء سياسيين عراقيين يرون أن العراق لن ينخرط في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس في ظل المعطيات الحالية، رغم تكرار الهجمات على القواعد التي تضم قوات أمريكية.
وضع هش
الدكتور حميد الكفائي، الباحث العراقي في الشؤون السياسية والاقتصادية، قال في حديث لـ"العين الإخبارية"، إنه "من المستبعد انخراط العراق في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، لارتباط بغداد الكبير بالولايات المتحدة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي".
وتابع أن "الحكومة العراقية لا تستطيع على الإطلاق الانخراط في الحرب الدائرة حاليا في ظل وضعها الهش اقتصاديا، ووجود مخاطر تتعلق بالتنظيمات الإرهابية، سواء تنظيم داعش، أو غيره، التي تسعى لاستغلال أي اهتزازات أمنية، أو اضطرابات داخلية".
لكنه أشار في الوقت ذاته، إلى أن "الوضع معقد والحكومة العراقية في وضع لا تحسد عليه؛ لأنها لا تستطيع السيطرة على الفصائل المرتبطة بإيران".
الباحث العراقي ألمح -أيضا-، إلى أن "هجمات الفصائل العراقية الموالية لإيران مجرد تسجيل موقف، حتى الآن، وتنحصر في الإطار الدعائي والإعلامي"، مشيرًا إلى أن "إيران وأذرعها تحاول أن تقول إنها لم تصمت على العدوان الإسرائيلي".
ويعتبر الكفائي، أن "الهجمات الصاروخية مجرد مناوشات بسيطة لن تؤثر على علاقات العراق مع الولايات المتحدة، كما لن يكون لهذه الضربات تأثير كذلك على الوضع الميداني، بعكس تأثير ضربات حزب الله، الذي يقف على الحدود في مواجهة إسرائيل".
الكفائي أضاف: "تضع طهران نصب أعينها الرأي العام، حتى لا يتم اتهامها وفصائلها التي تشكل ما يعرف بمحور المقاومة بأنها تقاعست عن الدفاع عن القضية الفلسطينية".
واضعا يده على المشكلة الحقيقية، موضحا: "الفصائل العراقية الموالية لإيران تتحرك خارج إطار الدولة، وتتصرف باستقلالية عن الحكومة، وهو وضع شاذ تعاني منه البلاد"، مضيفا: "الفصائل ترتبط ارتباطا مباشرا بفيلق القدس، لذلك فإن أي تحرك سيكون بأوامر من إيران".
بيد أن الخبير العراقي يرى أن "تواصل قصف القواعد الأمريكية في بلاده يعتمد على تطورات الأوضاع في غزة، والاجتياح الإسرائيلي المرتقب للقطاع، وكذلك على حجم الخسائر التي ستلحقها إسرائيل بالمدنيين في غزة".
اتفاق استراتيجي
من جهته، يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي العراقي، عبدالمنعم الأعسم، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الجماعات المسلحة المحلية الموالية لطهران أعلنت منذ الساعات الأولى للحرب أنها لن تقف في موقف المتفرج على أحداث وتداعيات حرب غزة".
الأعسم يرى أن موقف هذه الفصائل "محسوبٌ على إيقاع الموقف الإيراني المبكر الذي تحدد في التعاطف السياسي مع الجانب الفلسطيني، وربما استخدم بنبرة أكثر حدة".
ومضى قائلا: "لا أحد يعتقد أن العراق كدولة وحكومة سيزج بنفسه في الحرب، بأي شكل من الأشكال"، وهو ما أرجعه إلى "موقع العراق البعيد عن خطوط التماس وساحة الحرب، ووضعه الداخلي الهش، وهو مقبل على انتخابات مثيرة للجدل بالإضافة إلى التزاماته العسكرية حيال الولايات المتحدة في إطار الاتفاق الاستراتيجي بينهما".
وقبل يومين، أعربت الحكومة العراقية، عن "رفضها" لهجمات استهدفت في الأيام الأخيرة قواعد تضمّ قوات أمريكية، ازدادت وتيرتها الفترة الأخيرة.
استعراض إعلامي
لم يختلف رأي الدكتور عماد الدين الجبوري الكاتب والمحلل السياسي العراقي، كثيرا؛ إذ قال إن "المناوشات والاستعراض الإعلامي لن يستمرا طويلا؛ لأن الجيش والحكومة العراقية لن تقبل باستمرار هذا الوضع رغم أنها خاضعة لطهران".
وتابع الجبوري في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "تحركات الفصائل المسلحة الموالية لإيران تأتي وفق مصالح المشروع الإيراني"، معتبرا أن تلك التحركات "استعراضية".
الدكتورة صافيناز محمد أحمد، الخبيرة في الشؤون السياسية العربية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تشير في تحليل نشره المركز مؤخرا، إلى أن استهدافات الفصائل العراقية العسكرية للقواعد الأمريكية في كل من العراق وسوريا، تعكس عددا من الرسائل؛ بينها أن المصالح الأمريكية في الدولتين ليست بعيدة عن الاستهداف المباشر من قبل إيران، والإيحاء بقدرة تلك الفصائل على إشاعة حالة من عدم الأمن والاستقرار للمصالح الأمريكية بصورة دائمة.
وتابعت أن تلك الهجمات تبنتها مجموعة تطلق على نفسها اسم "المقاومة الإسلامية في العراق"، في بيانات تداولتها قنوات تليغرام تابعة لفصائل عراقية مسلحة موالية لإيران، "ما يعكس رغبة إيران في توصيل رسالة لإسرائيل والولايات المتحدة مفادها بأن المليشيات المسلحة العراقية تعيد تموضعها تحت جبهة واحدة برعاية إيرانية، بالرغم من تنوع وتعدد هذه الجماعات".
غرفة عمليات مشتركة
أحمد مضت قائلة إن الفصائل العراقية التابعة لإيران ربما تكون بصدد تشكيل ما يسمى "غرفة عمليات مشتركة" مع الفصائل الفلسطينية نفسها، ما يعني تفعيل خيار "وحدة الساحات" خاصة مع طول أمد الهجوم الإسرائيلي على غزة، أو الانتقال إلى مرحلة الغزو البري للقطاع.
وذهبت الخبيرة بمركز الأهرام إلى أن تحركات الفصائل العراقية المسلحة الأكثر ارتباطاً بإيران ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا معاً، "ربما يؤشر إلى تزايد رقعة الصراع الإقليمي"، لكنها تستبعد انتقال الفصائل العراقية إلى مرحلة الانخراط الفعلي في الحرب، حتى لا تضع العراق تحديداً في مرمى تداعيات، أو الدخول في مواجهة مسلحة مع إسرائيل.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على ملاحقة المسؤولين عن الهجمات والتهديدات التي تتعرض لها القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش في العراق.
وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، أمس الأول، أن بلينكن رحب بإدانة بغداد للهجمات في المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما.
وللولايات المتحدة نحو 900 جندي في سوريا و2500 جندي في العراق في إطار جهودها لمكافحة تنظيم داعش، الذي كان يسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي في البلدين، قبل أن تدحره قوات محلية مدعومة بضربات جوية نفذها تحالف دولي قادته واشنطن.
رسائل
بدوره، قال الدكتور محمد قواص الكاتب والمحلل السياسي اللبناني المقيم في بريطانيا، إن "الهجمات على القواعد العسكرية بالعراق، بمثابة رسائل لا تشكّل حتى الآن أي إخلال بموازين القوى".
وتابع: "مصدر الرسائل إيراني وليس عراقيًا"، موضحا أن "تحريك فصائلها الموالية من العراق إلى اليمن مرورا بالعراق وسوريا بهدف المشاغبة وإظهار الدعم لغزة، بات قادة حماس في الخارج يعتبرونه غير كاف، على حد تعبير رئيس الحركة في الخارج خالد مشعل، ومخيب للتوقعات، على حد تعبير موسى أبومرزوق عضو المكتب السياسي للحركة".
ومضى قائلا: "تهدف الرسائل، والحديث لقواص، إلى إبقاء إيران حاضرة على الطاولة الإقليمية الدولية المواكبة للحرب، لتكون شريكا لما سينتج عن هذه الحرب".
aXA6IDMuMTQxLjMyLjUzIA==
جزيرة ام اند امز